حسام الحملاوي- فليكر
صورة مجمعة لبعض من شهداء ثورة يناير

مصر تحتفل بـ"عيد الشرطة": لماذا "يناير" أكبر من محاولات محوها؟

منشور السبت 25 يناير 2020

منذ مطلع يناير/ كانون الثاني، وقبل أسابيع من ذكرى ثورة يناير التي تتزامن مع عيد الشرطة، احتل الفضائيات لوجو يحمل شعار "25 يناير العيد الثامن والستون للشرطة المصرية".

كان اللافت في هذا اللوجو الذي تم تعميمه في كافة الفضائيات عدة أمور ، أولًا  أنه تم بثه فى توقيت مبكر جدًا على 25يناير، وقبل قرابة ثلاثة أسابيع من الحدث، فقد يكون مفهومًا أن يتم وضعه على الشاشات قبل يومين أو ثلاثة أو حتى أسبوع من موعد الحدث، لكن قبله بثلاثة أسابيع فهذا أمر لافت.

 

شعار عيد الشرطة أعلى يسار شاشة قناة الحياة

ثانى الأشياء اللافتة، أن وضع الشعار ارتبط معه وتزامن مع تأكيدات من الإعلاميين التابعين للنظام أن يوم 25 يناير هو عيد للشرطة المصرية فقط، ولا يوجد شيء اسمه ثورة يناير وإنما (أحداث يناير)، مع إعادة الجدل الفارغ المتكرر عن كونها مؤامرة، إلخ.

من الواضح أن أصحاب فكرة تجاهل ذكرى يناير لديهم تصور أن هذا التجاهل كفيل بمحو الحدث من ذاكرة الناس، أي أنهم باختصار يريدون أن يقولوا إن ثورة يناير لم تحدث، ولا أعلم كيف يتم ذلك، فثورة يناير حدثت وآثارها ممتدة وملموسة، لا أظن أن حسني مبارك ومن معه أطيح بهم من السلطة من تلقاء أنفسهم.

خطة متدرجة

الخطوة التي تمت لتجاهل ذكرى يناير تمامًا هذا العام من الواضح أنها ليست وليدة اللحظة، فالمتتبع للتناول الإعلامي لثورة يناير سنويًا، خلال الأعوام الماضية، سيلاحظ أنه كانت هناك خطة متدرجة للوصول إلى اللحظة الحالية بإنكارها تمامًا، فطوال السنوات السابقة كانت مساحة الاهتمام بها تتقلص تدريجيًا عامًا بعد عام، حتى وصلنا إلى اللحظة الراهنة.

في بدايات حكمه، ألقى الرئيس السيسي خطابًا في ذكرى الثورة احتفالًا بالمناسبة، وكانت الشاشات تعطي مساحة للثورة بمثل التي تعطيها لعيد الشرطة، السيسي لم يكرر إلقاء خطاب خاص بالمناسبة منذ عام 2017، وبات يكتفي فقط بالإشارة إليها بتحية عابرة في كلمته في عيد الشرطة، فقط لذر الرماد في العيون، والفضائيات لم تعد تقدم ولو تقريرًا واحدًا يتناول ذكرى الحدث.

ويجادل البعض أن ثورة يناير مذكورة في الدستور، ولن يتمكن أعداؤها من إنكار وجودها دستوريًا، ولكن من يعلم، فربما يكون من خطط هؤلاء  تعديل الدستور نفسه في البرلمان القادم، ليتم محو يناير تمامًا.

لكن هذا التجاهل الإعلامي والرسمي ليناير يتضمن تناقضاته، فمن يريدون إخراج ألسنتهن للناس ليقولوا إن يناير لم تحدث، يتناسون أن هذا الإنكار يثبت وقوع الحدث وتأثيره أكثر مما ينفيه، ويتناسون أيضًا أنهم لا يمتلكون أدوات السيطرة على كافة المنافذ الإعلامية، فآلاف الفيديوهات التي وثَّقت الحدث متاحة على المواقع الإلكترونية، وماذا سيفعلون مع عددٍ لا حصر له من الكتب والمقالات بكافة اللغات، التي تتحدث عن يناير؟


اقرأ أيضًا: "25 يناير" في خطابات السيسي.. مجد وإحباط و"وعي زائف"


لا يخفى على أحد أن سبب عداء هؤلاء ليناير هو أن الدرس كان قاسيًا على جهاز الشرطة؛ ثورة شعبية تندلع بسبب ممارسات الشرطة وفي يوم عيدها، وطبيعي أن يسعوا بكل السبل لإنكارها، لكن التعامل مع ذكرى ما حدث بكل هذا الإنكار أنتج رد فعل على مواقع التواصل الاجتماعي من أنصار يناير، الذين لفت انتباههم هذا التجاهل المتعمَّد فعبروا بدورهم عن سخريتهم من هذه الممارسات، وبالمرة أعادوا التأكيد على فخرهم بالمشاركة في ذلك الحدث الكبير.

استفزاز متعمد وهدية مجانية 

وحقيقة الأمر أن هذا الاستفزاز المتعمَّد بإنكار ذكرى الثورة، يقدم هدية للفضائيات الأخرى المعارضة التي تبث من الخارج، والتي لا يجد أى مواطن مهتم بذكرى الثورة بديلًا عنها، باعتبار أنها تهتم بإحياء ذكرى الحدث المصري الأهم في العقود الأخيرة.

يناير ستظل مشكلة مستقبلية لأعداءها أكثر من أنصارها، ففي كل عام سيحاولون إنكار حدوثها، لكن حدثًا كبيرًا بحجم يناير هو أكبر من محاولات طمسه، فسواء شئنا أم أبينا هو حدث فارق بين ما قبله ومابعده، داخليًا وخارجيًا. يناير كانت الزلزال الأكبر الذي أكد أن ما بدأته تونس سيكون له ارتدادات وانعكاسات إقليمية واسعة، حين يتناول المؤرخون الربيع العربي سيكون ليناير نصيب كبير من التحليل والتأمل والتوقف أمامها. يناير كانت نهاية لمرحلة وعصر بحزبه الحاكم المحترق والمنحل بحكم قضائي، وبرلمانه ودستوره، ونهاية لحاكم فاسد (بحكم قضائي بات).

 التاريخ هو الساخر الأكبر، والمؤكد أن محاولات البعض طمس يناير مسألة تدعو للسخرية، وهم بمحاولات تجاهلها سيتذكرونها كل عام أكثر وأكثر في موعد المناسبة.