طائرة تابعة للجيش الروسي تُنزل مساعدات إنسانية في مطار اللاذقية - الصورة الدعائية من المكتب الصحفي لوزير الدفاع الروسي

مترجم | لماذا ينسحب بوتين من سوريا الآن؟

منشور الثلاثاء 15 مارس 2016

 

بعد ساعات من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتن قراره بسحب معظم القوات الروسية في روسيا، نشر موقع VOX للصحافة الشارحة تحليلًا لماكس فيشر حول دوافع وخلفيات القرار الروسي المفاجئ بالانسحاب شبه الكلّي من سوريا بالتزامن مع بدء جولة جديدة من المباحثات بين نظام الأسد وعدد من القوى المعارضة له في جنيف.

ماكس فيشر محرر متخصص في الشؤون الدولية، عمل بصحيفة ذا اتلانتيك The Atlantic وله مساهمات في صحيفة واشنطن بوست.

يوم الإثنين، أي اليوم نفسه الذي اُستؤنفت فيه مباحثات السلام السورية في جنيف، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إعلانًا مفاجئًا: سيبدأ فورًا في سحب القوات الروسية "الأساسية" من سوريا، بعد ستة أشهر تقريبًا من بداية تدخله في الحرب.

ومن باب ذكر ما هو في حكم الواضح، عيلنا أن ننتظر لنرى إن كان بوتن سيلتزم بكلمته. لقد أرسلت روسيا من قبل حشودًا من قواتها إلى شرق أوكرانيا، وأنكرت ذلك تمامًا، أما تدخلها في سوريا فقد جرى خلاله قصف مكثف لثوار لا علاقة لهم بتنظيم الدولة الإسلامية، على الرغم من الادعاء الروسي بأنه تم استهداف المتشددين دون غيرهم. لذا فإن التشكك الحذر هنا له مقدماته المنطقية.

 

مستشفى تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود قصفها الطيران الروسي في منطقة معرة النعمان-

 

ولكن هناك سبب حقيقي للشك في أن بوتين ربما يكون صادقًا- وأن انسحابه ربما يكون خطوة إيجابية باتجاه إنهاء الأزمة السورية التي أصبحت أسوأ حرب في القرن الحادي والعشرين.

ولكي أكون واضحًا، فحتى لو انسحب بوتن، سأظل متفاجئًا لو وصلت سوريا لاتفاق سلام ولو على الورق فقط هذا العام. وسأكون مصدومًا حقًا لو انتهت الحرب السورية فعليًا قبل 2020. ولكن لو انسحب بوتين من سوريا- وهو ما يقول إنه سينفذه يوم الثلاثاء - سيكون العالم قريبًا بعض الشيء من تحقيق هذا الهدف [إنهاء الحرب].

ما أراده بوتين في سوريا وكيف حصل عليه؟

رغم لغة بوتين الحازمة تجاه سوريا، التي جعلته يبدو وكأنه يعلن الحرب ضد النازيين؛ إلا أن أهدافه بدت ضيقة ومحدودة:

1- أن يحمي القائد السوري بشار الأسد من الانهيار

2- أن يكسب لروسيا بعض النفوذ خلال مباحثات السلام

هناك ميل غريب في واشنطن لمعاملة روسيا وكأنها قوة عظمى تُبعَثُ من تحت الرماد، وتمضي في مسيرة مُخِيفَة نحو السيطرة على العالم. ولكن في موسكو، من المفهوم أن القوة الروسية محدودة أكثر من ذلك بكثير. هي تهدف في الغالب للحفاظ على ما تبقى لروسيا بالفعل من تأثير دولي، وهذا ما بدا أن سوريا ستكون ساحة مناسبة لتحقيقه.                            

روسيا لها قاعدة عسكرية في دولة وحيدة خارج الاتحاد السوفيتي السابق، هذه الدولة هي سوريا. عسكريًا وسياسيًا، سوريا هي موطئ قدم النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، وبدرجة أقل هي موقع النفوذ الروسي في منطقة البحر المتوسط. لذا فعندما بدا أن القائد السوري بشار الأسد على وشك السقوط، كان على موسكو أن تُقدم على تحرك يائس لتنقذه.  

وقد نجح بوتن في هذا. التدخل الروسي بالإضافة إلى التدخل الإيراني الأكثر ثقلاً، ساعدا الأسد على استرداد شريط من المناطق يكفي لجعل بقائه في السلطة له ما يبرره- ولو أنه لا يقترب حتى من النطاق الذي يجعل الأسد يأمل في كسب الحرب كليًا.

إذن؛ استطاعت روسيا أن تغير من اتجاه التيار في هذه الحرب، رغم أنه من الجدير بالذكر أن الحرب السورية منذ بدايتها ظلت تتراوح بين تقدم الأسد تارة وتقدم الثائرين عليه تارة أخرى. سوريا عبارة عن طريق مسدود، يعاني من تدخل خارجي شديد الوطأة، مما يعني أن الطرفين المتصارعين يدأبان على التصعيد ضد بعضهما بشكل دائم.

التدخل الروسي بدا وكأنه تغير دراماتيكي، لأن هذه هي روسيا. ولكن دولًا أخرى مثل السعودية وتركيا اللتان تدعمان معارضي الأسد، ظلت تتدخل في سوريا بالفعل لسنوات، كانت خلالها تدفع بقوة الحرب الضاربة في هذا الاتجاه أو ذاك.

 

مظاهرة معارضة لبشار الأسد في سوريا-

 

هذا يكفي للقول إنه لا يوجد تدخل من أي أحد (حتى الولايات المتحدة) يكفل حل المشكلة الأساسية في الحرب السورية: كونها مأزقًا راكدًا، مما يعني أن القتال سيستمر لسنوات، على حساب الجميع، إلا إذا تم التفاوض على اتفاق سلام.

وهنا نأتي لهدف بوتين الثاني من التدخل في سوريا وهو لعب دور في الحرب يكفي لمجرد كسب مقعد لروسيا على مائدة التفاوض، وبالتالي يضمن لموسكو أن تضغط من أجل مصالحها في أي اتفاق سلام نهائي.

قبل التدخل الروسي مباشرة، كان هناك مؤشر قوي على فقد روسيا لنفوذها في الحكومة السورية، التي كانت تقع تحت السيطرة المتصاعدة للتواجد الإيراني في دمشق. وبالفعل هناك تقارير تطرح أن الرئيس السوري بشار الأسد دعا روسيا للتدخل في بلاده لمواجهة النفوذ الإيراني. ورغم أن روسيا وإيران حليفان بشكل معلن، لكنهما كذلك متنافسان على النفوذ الإقليمي.

ولكن لا يوجد أحد، لا في دمشق ولا في جنيف، يمكنه إنكار أن روسيا لاعب أساسي في الحرب بالوكالة التي تجري في سوريا. ولذا يجب أن تكون حاضرة في أية مباحثات للسلام. روسيا لها مقعدها على المائدة، ويمكنها أن تستخدمه لتضمن استعادتها لقواعدها العسكرية في سوريا وصلاتها ذات الحيثية داخل الجيش السوري.

لماذا تنسحب روسيا الآن؟

التوقيت يطرح التالي: مباحثات السلام على وشك البدء مجددًا. وربما ولأول مرة على الإطلاق، حسنًا لا يمكنني القول إن المباحثات تدعو للأمل أو حتى إنها ذات تأثير، ولكنها على الأقل ليست محكومًا عليها بالفشل كليًا. وهذا لأن سوريا تجرب وقف إطلاق النيران، وعلى الرغم من وجود خروقات بالتأكيد، ورغم أن اتفاق وقف إطلاق النيران هش ومعرض للانهيار في أي لحظة؛ إلا أن معدلات العنف انخفضت بشكل درامي (كبير). وهذا أنقذ العديد من الأرواح، ومنح الفرصة للمساعدات الإنسانية للدخول إلى مناطق هي في ظروف أخرى خارج حدود (التدخل الإنساني)، وجعلت محادثات السلام تبدو حقيقية بعض الشئ.

وهذا بالنسبة لموسكو يعد وقتًا جيدًا للتراجع. لقد حققت روسيا أهدافها العاجلة، ولهذا فهي ستربح القليل إذا ما حاربت أكثر. الوضع الحالي يبدو جيدًا بما يكفي في نظر بوتين، ويمكنه أن يستخدمه كقاعدة لتأسيس التفاوض.

ولكن الأهم هنا هو الإشارة الروسية لسوريا.

روسيا أظهرت أكثر من مرة أن نفوذها محدود على نظام بشار الأسد، الذي أثبت بنفسه أنه نظام متهور، غالبًا ما يُصَعِّد القتال حتى في أوقات يبدو فيها التصعيد خطوة غير حكيمة استراتيجيًا. لو أن موسكو تريد تجميد الوضع الحالي في سوريا، عليها أن تدفع الأسد لأن يقبل التفاوض أخيرًا عن اقتناع حقيقي، وألا يكسر وقف إطلاق النيران. ولكي يتحقق هذا فعلى بوتن أن يفعل ما هو أكثر من مجرد إخبار الأسد أن عليه تجربة خيار السلام؛ عليه أن يجبره على ذلك.

 

مقاتلون من مجموعة جيش الإسلام التي تدعمها السعودية 

 

من خلال سحب جانب كبير من قواتها العسكرية في سوريا، ستجعل روسيا الأسد أضعف، وبهذا يبدو خيار التفاوض أكثر جاذبية. لو أنك لا تصدق أن بوتن يمكن أن يقوم بلَيّ ذراع حليفه؛ ضع في اعتبارك أن الأسد لم يعرف بقرار بوتن سوى اليوم (الإثنين).

استراتيجية بوتين الأكثر حكمة، كما أشار لي بعض المحللين، ستكون هي استدعاء القوات بقدر يجعل الأسد يشعر بالضغط من أجل التفاوض على اتفاق سلام، مع الإبقاء على ما يكفي من القوات الروسية في سوريا لإعاقة القوات المعادية للأسد (أمريكية كانت أم سعودية) عن التصعيد، من خلال التلويح بأن روسيا سترد فورًا بإعادة التدخل. ويبدو أن هذا هو ما يفعله بوتين.

لو أن هذا التحليل صحيح، فإن هذا يعني أن روسيا مستعدة للتفاوض حول مكاسبها، يعني أيضَا أن موسكو تعتقد أن هناك إمكانية -على الأقل- أن يكون بشار الأسد مستعدًا أن يسير على خطاها. هذا لا يعني أبدًا أن السلام قريب، أو أن الاطراف المتصارعة بإمكانها أن تجد شروطًا يمكن الاتفاق عليها، أو حتى أن بوتسن والأسد كلاهما على وشك أن يصبح شريكان في السلام. ولكن حتى مجرد الرغبة المحتملة في قبول مفاوضات التسوية هو إشارة طيبة.

تكاليف المغامرة الروسية في سوريا تفوق المكاسب

يبدو أن فلاديمير بوتين على وشك إعلان أن المهمة كُللت بالنجاح في سوريا، ويبدو أن هناك شيئًا دقيقًا في هذا: لقد استطاع تحقيق هدفيه العاجلين، حتى لو لم يعلنهما. ولكنه مكسب سطحي يُخْفِي تحته بعض الفشل الحقيقي.  

لقد فشل بوتن في تحقيق هدفيه المعلنين في سوريا وهما الحصول على انتصار عسكري حاسم لصالح الأسد، وقيادة تحالف عالمي ضد المتشددين في سوريا.

هذا التحالف الدولي، الذي نادى به بوتين في أول خطاب له أمام الجمعية العامة  للأمم المتحدة بعد 10 سنوات من خطابه السابق أمامها، لم يكن فقط لتأكيد المصالح الروسية في سوريا، لكنه كان يهدف من خلال المطالبة به لإنهاء العزلة الروسية عن الغرب، وهي المشكلة التي تكلف روسيا التكلفة الأكبر، وهي أكثر أهمية بالنسبة لبوتين من أي شئ يمكن أن يحققه في سوريا.  

 

إذن؛ الأسد لا يزال غير قادر على كسب الحرب، وروسيا لا تزال منعزلة عن الغرب، وهذا لم يخدم أهداف بوتين المعلنة ولا رهانه الأكبر على أن يقبل الغرب المساعدة التي يقدمها [لحرب المشتددين] في سوريا، وأن ينسى جرائمه في أوكرانيا.

كما أن سوريا لم تمثل ذلك النصر العسكري الذي يحتاجه بوتين ليروّجه لشعبه في الداخل. في 2014، تدخَّل بوتين في أوكرانيا، وهو ما حقق له شعبية كبيرة في الداخل ورفع معدلات قبوله الجماهيرية بشكل غير مسبوق، ولا تقتصر أهمية تلك الشعبية على رفع معنويات بوتين الشخصية فقط؛ لكنها كانت خطوة حيوية لمساعدة نظامه على البقاء رغم التراجع الاقتصادي الحاد الذي يهدد بشلل الدولة.

لكن الحماس القومي الروسي في ما يتعلق بالتدخل في أوكرانيا سيتبدد، بينما لا يزال الاقتصاد الروسي كتلة من القمامة المغذية للاشتعال، لذا؛ فإن كان بوتن يرغب في الإحساس بالاطمئنان لبقاء كرسيه، فعليه أن يقدم نصرًا سياسيًا ضخمًا. لم تقدم سوريا له هذا. فالدعم الشعبي للحرب كان متواضعًا، ومع أنه تحسن لاحقًا، لكنه لم يكن ذا جماهيرية مماثلة لجماهيرية التدخل العسكري في أوكرانيا. وسائل الإعلام الروسية المملوكة للدولة، والتي تعد مؤشرًا جيدًا على ما يفكر فيه الكرملين، تصور الحرب باعتبارها انتصارًا مؤزرًا، لكنها تقدمها أيضًا باعتبارها حربًا منتهية.

 

https://twitter.com/NoahSneider/status/709443025777328132?ref_src=twsrc%5Etfw

 

ترجمة التغريدة: إذا ما شاهدت التغطية التي قدمها التلفزيون الروسي لأمر الانسحاب الذي أصدره بوتن؛ ستظن أن الحرب في سوريا انتهت، وأن ما تبقى فقط هو وضع النقاط على الحروف في جنيف.

 

رغم كل مشاكلها، نجحت روسيا – على الأقل- في العودة لوضعها في 2014، عندما كان حليفها بشار الأسد في وضع لا مكسب/ لا خسارة في هذا المأزق الراكد في سوريا، وعندما كانت اقتصاد روسيا يغرق ونفوذها يتراجع، عندما كانت دولة معزولة ومفروض عليها عقوبات من الغرب، وعندما كان لدى بوتن حرب خارجية واحدة عليه أن يقلق بشأن خوضها. هذا هو الوضع الذي حاربت روسيا بقوة كي تعود إليه. ويبدو أنها قد عادت.


لقراءة النص الأصلي