تصميم: يوسف أيمن

الكتاب الصوتي: سوق جديد يوفر الوقت.. لكن هل لدينا مدارس في القراءة؟

منشور الأحد 17 نوفمبر 2019

يحكي أوين كينج الابن الأصغر للمؤلف الأمريكي، ستيفن كينج، أنه حصل على وظيفة وعمره عشر سنوات بمساعدة أبيه، يسجل الكتب بصوته على شرائط كاسيت له مقابل تسعة دولارات لكل 60 دقيقة قراءة، كان ذلك في عام 1987، وهذا الأمر غير تمامًا مفهومه عن القراءة، وجعله يُحسن الكتابة فيما بعد.

الآن يشهد العالم تطورًا في الكتب الصوتية من خلال تطبيقات الموبايل، ومؤخرًا، حازت تطبيقات الكُتُب الصوتية في الوطن العربي على اهتمام واسع، وامتد انتشارها من القراء إلى الكُتَّاب وأصحاب دور النشر والشركات المهتمة بالتكنولوجيا، فخلقت سوقًا مغايرًا لمِا تعودنا عليه، وأصبح الكتاب الآن يُقرأ ويُسمع.

لأكون صريحًا لم تعجبني سماع الكتب الصوتية عند تجربتها، بعكس شخصي الذي يحب السماع أكثر من القراءة إلا أنني شعرت بعدم الرغبة في سماع صوتًا آخر يقرأ لي. بالإضافة إلى كوني أحب أن يكون ما أقرأه بين يدي، وبقلم رصاص أحدد ما يعجبني، أتوقف عند جملة أحاول إعادة فهمها، وهذا لَم أستطع فعلهِ مع التطبيقات الصوتية، لكني اكتشفت أنني لم أكن المستهدف.

تتشارك أشهر التطبيقات في مصر وهي اقرأ لي وكتاب صوتي وstorytel في أنها تطبيقات مدفوعة تتيح للمستخدم التجربة لمدة أسبوعين، تتشابه عناوين الكُتُب الموجودة لديهم، ويمكننا ملاحظة عدم اختلاف ذوق جمهورها عن جمهور المكتبات، فالأكثر مبيعًا داخل المكتبات هو الأكثر رواجًا في التطبيقات.

ومِن الأفكار الجديدة التي يقوموا بتنفيذها هي "البودكاست" الذي صار ينتشر بسرعة في الوطن العربي حاليًا. وكنوع من التسويق يخصص كل تطبيق نوع كتابة معين شهريًا، مثلًا، يختارون شهرًا عن كتب الرعب وآخر للكتب التاريخية وآخر للكتب الفلسفة.

يلخص "اقرأ لي" دوره في تقديم خدماته للسكان ممن يقضون حوالي 3 ساعات على الطريق يوميًا، يقول فيديو دعائي للتطبيق إن "هذا الوقت المستغرق في شبكة الطرق سنويًا يساوي حضور طالب جامعي سنة دراسية كاملة، وبما أن الراديو لا يوفر مادة غنية ذات مصادر متعددة، فأتى دور اقرأ لي من خلال تطبيق المحمول".

تقول مي مجدي، المديرة السابقة لمحتوى تطبيق "اقرأ لي"، إن "فكرة التطبيق قامت على منح السكان خيار استغلال وقتهم الضائع في المواصلات، قدم التطبيق في البداية مقاطع صوتية قصيرة لبعض مقالات الرأي، وسريعًا صار التطبيق يقدم الكتب الصوتية".

توضح مي أن اختيار الكتب في "اقرأ لي" يتوقف على تحليل بيانات الكتب الأكثر مبيعًا، وواجهت الشركة في البداية شروط دور النشر التي أعاقت تحويل إصداراتهم لكتب صوتية خوفًا من تحوّل التطبيقات الصوتية إلى دور نشر منافسة، رغم يقين الجميع بأن ذلك شبه مستحيل.

تعتقد مي أن الكتب الصوتية حققت هدفها في الوقت الحالي وهو انتشار ثقافة الإطلاع لدى الناس عن طريق اتساع حجم الإقبال على الكتب أيًا كانت الوسيط أو دخول قراء جدد لعالم الكتاب، لكن لا نستطيع القول إن هناك منافسة قوية بين الصوتي والورقي لأن ثقافة الدفع إليكترونيًا في مصر لا تزال ضعيفة.

تنصح مي باستخدام التطبيق أثناء النشاط البدني مثل الأعمال المنزلية ورياضة الجري، أو أي شيء لا يدخله النشاط الذهني، وإلَّا سيفقد المستخدم تركيزه.

بعكس علي عبد المنعم، مدير نشر في تطبيق  storytel، الذي يؤمن أن للكتاب الصوتي ميزات أخرى غير التسلية مثل تحسين اللغة العربية والأجنبية، ومن ناحية أخرى يمكن اعتباره وسيلة متطورة لمساعدة المكفوفين على القراءة بدلًا من طريقة برايل.

ويرى عبد المنعم أن دور النشر استوعب أهمية الكتب الصوتية كدعاية لإصداراتهم، ولم يخفي طموحه أثناء الحديث من إمكانية تحول التطبيقات الصوتية لدور نشر تطبع الكتب بجانب تقديمها مسموعة، فهناك تطبيقات كبرى تعمل بهذه الطريقة مثل أمازون، وهذا يمكن أن يحل مشكلة الرقابة.

لكن سلوى السعيد، المدير التنفيذي السابق لدار مصر العربية للنشر، ترى أن التطبيقات الصوتية لن تؤثر إطلاقًا على مبيعات الكتاب الورقي، والدليل على ذلك أن وجود ثلاث شركات صوتية في سوق الكتاب العربي لم يؤثر على اهتمام الجمهور بالكتاب الورقي وحضور معارض الكتاب.

يتفق مع ذلك الروائي المصري، مصطفى منير، الذي ترجمت عدة كتب له إلى كتب صوتية، يقول للمنصة "المسألة ببساطة أنها حل أمثل للشّخص المشغول دومًا المواجه لصعوبةً التّفرغ لقراءة كتاب، مع ضرورة الوضع في الاعتبار أصحاب الحالات الخاصة، فبهذه الخطوة صار الكفيف مبصرًا لأكوان المؤلفين".

يضيف منير إنه استخدم تلك التطبيقات لقراءة ما كتبه عبر وسيط مختلف، وأحبَّ أن تكون الكتب بصوت راو محترف، وذلك لبشاعة صوته أثناء التّسجيلات، بحسب ما يعتقد.

في دارسة مدعومة مِن audible، وهو أشهر التطبيقات الصوتية في العالم، وجدت جامعة UCL أن الكُتُب المسموعة "أكثر جاذبية مِن الناحية العاطفية"، قام باحثون بجامعة UCL بالتعاون مع Audible على تجربة قاسوا من خلالها معدل ضربات القلب لـ 102 مشاركًا تتراوح أعمارهم بين 18 و67 عامًا، مرة عند مشاهدتهم ومرة عند سماعهم أجزاء من مسلسل صراع العروش، واختيرت المشاهد بناءً على شدتها العاطفية. وبمجرد الانتهاء من ذلك، تم استجوابهم حول كيفية استجاباتهم للمقاطع.

وفقًا للدراسة، قال المشاركون إن مقاطع الفيديو كانت أكثر جاذبية من سماعها بحوالي 15%، لكن عند سماعهم كان معدل ضربات القلب ودرجة حرارة جسدهم يزيدا. وهذا دليل على أن القصص كانت أكثر إدراكًا وعاطفة عند تقديمها في شكل سمعي، قد يكون هذا لأن الاستماع إلى القصة هو عملية أكثر نشاطًا للمشاركة المشتركة (عن طريق الخيال) من مشاهدة الفيديو.

الروائي المصري، طارق إمام، الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب، وجائزة ساويرس في الرواية، يرى أن "الكاتب العربي لا يملك ترف رفض أي وسيلة جديدة لتوسيع هامشه الذي يعاني التضييق أصلًا، لأن الكاتب العربي هو أشهر مغمور في مجتمعه، لذلك فإن الكتاب الصوتي فكرة ذات قيمة بالغة لنقل المعرفة".

يلخص إمام مشكلة سوق القراءة في توزيع الكتب، فعلى سبيل المثال، يعد الكتاب المصري تعبيرًا مجازيًا يُقصد به الكتاب القاهري لأن الكتاب لا يخرج إلَّا من القاهرة لبقية أنحاء مصر، والوضع نفسه ينسحب على كافة دور النشر العربية.

"لذلك فإن أي وسيلة مطلوبة سواء الكتاب الصوتي أو الكتاب الإلكتروني، لأنها تختصر بضغطة زر جميع المسافات والمشكلات التي لن تشهد حلولاً في المستقبل القريب" بحسب إمام الذي يرفض المقارنة بين وسائل التلقي لأن كل شكل له مريدوه، يضيف "في الكتاب الورقي تحدد إيقاعك بنفسك، على عكس الكتاب المسموع، فأنت محكوم بإيقاع من يقرأ والذي قد يكون أسرع منك أو أبطأ".

يضيف إمام أن الأجيال الجديدة من القراء لم يعد لديهم ذلك الحنين للكتاب الورقي، هم يريدون الحصول على المنتج في أسهل صيغة، ولذلك يقرأون البي دي إف بسهولة بينما تعاني الأجيال الأقدم من ذلك، والمسألة نفسها تنسحب على الكتاب الصوتي.

في دراسة منشورة لديفيد دانييل، وهو أستاذ علم النفس بجامعة جيمس ماديسون، وعضو في مشروع أكاديمية العلوم، استعانت بها التايم في مقال لها العام الماضي، يقول دانييل "إذا كنت تقرأ، فمن السهل جدًا العودة والعثور على النقطة التي حددتها".

بعكس ذلك، قد يطول الوقت المستغرق في العودة إلى نقطة معينة في الكتاب إذا كنت تسمعه، خصوصًا إذا كنت تتصارع مع نص معقد، فإن القدرة على التراجع السريع وإعادة النظر في المواد قد تساعد في التعلم، ومن المحتمل أن يكون ذلك أسهل أثناء القراءة مقارنة بالاستماع.

وسواء كنا نقرأ نصًا أو نصغي إليه، فإن عقولنا تتجول أحيانًا.

تتفق مع ذلك الروائية والمترجمة، آية عبد الرحمن، الحاصلة على جائزة الشارقة للإبداع العربي في الرواية، وجائزة الشيخ راشد بن حمد للرواية، كان لآية رأيًا مستندًا على تجربتها للكتب الصوتية، فهي جربتها ولم تحبها، واستنتجت من أغلب الكُتُب التي قامت بسماعها أنها قُدّمت بمونوتون واحد كأنها نشرة أخبار مملة، مما جعل تفاعلها مع الكتاب صفر.

تعتقد آية أنها تتوحد مع ما تقرأ، وتعترف أنها تفقد تركيزها أحيانًا أثناء القراءة، لكن من السهل، عند حدوث ذلك، أن تعود إلى النقطة التي توقفت عندها، بينما يصعب ذلك في الكتاب الصوتي، ومع ذلك "لا تفضل أن يكون الكُتُب الصوتية بصوت الكاتب، لأن ليس لكل كاتب صوت متميز أو قراءة منضبطة"، بحسب آية، لذلك "نحن الآن بحاجة إلى مدارس قراءة صوتية مختلفة".