وزير البترول طارق الملا بصحبة وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينيتس ووزير الطاقة الأمريكي ريك بيري. الصورة: السفارة الأمريكية في القاهرة

لماذا تحاول إسرائيل شراء نسبة في مصانع إسالة الغاز بدمياط؟

منشور الاثنين 28 أكتوبر 2019

في 18 فبراير/شباط عام 2018، عقب توقيع شركة ديليك الإسرائيلية اتفاقًا تاريخيًا مع شركة دولفينوس المصرية، قال الملياردير الإسرائيلي، يتسحاق تشوفا، صاحب أكبر نصيب في شركة ديليك "نحن في طريقنا لتحقيق حلم إسرائيلي؛ أن نصبح دولة مصدرة للغاز لجيراننا العرب".

بموجب ذلك الاتفاق وما تبعه من تعديل لاحقًا في شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بلغت القيمة المالية له 19.5 مليار دولار، يتعين على شركة ديليك الإسرائيلية ونوبل إنرجي الأمريكية، بصفتهم الملاك الرئيسيين لحقلي تمار ولوثيان، تسليم 2.1 مليار متر مكعب سنويًا، على أن ترتفع الكميات لتصل إلى 6.7 مليار متر مكعب سنويًا، بعد السنة الثالثة، من خلال أنبوب خط غاز شرق المتوسط الذي يمتد من عسقلان في إسرائيل وحتى مدينة العريش المصرية.

كما نصت التعديلات الأخيرة على اتفاقية الغاز بين ديليك وشركاؤها وشركة دولفينوس، على مضاعفة الغاز المُصدّر من حقل لوثيان إلى 60 مليار متر مكعب، وخفض الغاز المصدّر من حقل تمار إلى 25.5 مليار متر مكعب بدلاً من 32 مليار متر مكعب، حسب الاتفاقية الأولى خلال نفس المدة 15 عامًا. 

ومن المحتمل أن تتحول إسرائيل إذا نجحت في الالتزام بذلك الاتفاق لأكبر دولة مُصدرة للغاز بين دول شرق المتوسط، حيث سيبلغ حجم تصديرها بعد نهاية المدة التي ينص عليها الاتفاق في عام 2034 إلى 85.3 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.

لكن على الرغم من تحديد الاتفاق بين شركتي ديليك ودولفينوس منتصف عام 2019 موعدًا لبدء تصدير الغاز إلى مصر، إلا أن الاتفاق لم ينفّذ حتى الآن، بحجة ضعف القدرة الاستيعابية لشبكة خطوط الأنابيب الإسرائيلية بين الحقلين والميناء، وفقًا لبيان شركة ديليك، في شهر يناير/ كانون الثاني 2019.

وتبلغ قدرة تمرير خط الأنابيب الإسرائيلي حوالي 3 مليار متر مكعب فقط سنويًا، وفقًا للشركة الإسرائيلية، وبالتالي لن تستطيع الشركة نقل كمية الغاز المُتفق عليها ضمن الصفقة، بحسب تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية.

مراوغة أولى

لذلك فقد يكون أحد حلول تنفيذ الاتفاقية هو إعادة بعث شركة غاز شرق المتوسط المعروفة اختصارًا باسم EMG، وهي الشركة المالكة لخط غاز أنبوب شرق المتوسط التي تمر من محافظة شمال سيناء وكان الغاز المصدر لإسرائيل يمر منها.

ويبلغ قطر أنبوب EMG، المعروف اختصارًا بـ EMG حوالي 26 بوصة، بطول 89 كيلو مترًا، منها 85.4 كم تحت سطح البحر، تبدأ في العريش وتنتهي في مدينة عسقلان، ويسع الخط حوالي 700 مليون م3 سنويًا.

ووزعت ملكيتها عند إنشائها عام 2001 بين شركة Mediterranean Gas Pipeline Ltd المعروفة اختصارًا باسم (MGPC) وهي شركة كانت مملوكة لرجل الأعمال المصري حسين سالم بنسبة 65%، وشركة Merhav-Ampal Group Ltd لصاحبها رجل الأعمال يوسي ميمان وآخرون بنسبة 25%، والهيئة العامة المصرية للبترول بنسبة 10%.

لكن توقفت شركة EMG عن العمل على خلفية الهجمات التي شنها متشددون ينتمون لما يعرف بتنظيم ولاية سيناء، واضطرت الحكومة المصرية لإيقافه منذ عام 2012، مما أدى إلى خسائر بحق الشركة قدرت بنحو 30 مليون دولار حتى عام 2017، بحسب تقرير صادر عن شركة ديليك الإسرائيلية.

وانتهزت ديليك الفرصة، أعلنت، في سبتمبر/ أيلول 2018، حصولها على نسبة 39% من أسهم شركة EMG عبر شركة EMED التي تأسست في 24 يوليو/ تموز عام 2018 من تحالف ثلاثة مساهمين هما؛ نوبل إنيرجي الأمريكية، وديليك للحفر الإسرائيلية، وشركة غاز الشرق المصرية. 

وأصبحت شركة ديليك صاحبة الحصة الأكبر في شركة EMG.

كما وقعت شركة إيميد اتفاقية لتسهيل عملية العناية الفنية لخط أنابيب EMG، بما في ذلك إجراء اختبار على التدفق المستمر للغاز من إسرائيل إلى مصر بالكميات والمدة المُحددة.

 

مرواغة ثانية

كما وقعت إيميد اتفاقية تأجير مع شركة EMG، تُمنح من خلالها الأولى الحق الحصري في استئجار وتشغيل خط أنابيب الثانية لتنفيذ اتفاقيات دولفينوس مع خيار تمديد الاتفاق.

ووفقًا لهذه الاتفاقية، تتحمل إيميد التكاليف المطلوبة لتجديد خط أنابيب EMG، والمقدّر بحوالي 30 مليون دولار، بالإضافة إلى التكاليف الحالية لتشغيل خط الأنابيب.

ولم يرد في الاتفاقيات أي بنود تنص على فرض جزاءات على شركة ديليك في حال التخلف عن مواعيد تنفيذ الاتفاقية مع دولفينوس.

ويرجع دان برويليت، نائب وزير الطاقة الأمريكي، في حديث لصحيفة وول ستريت جورنال، أثناء زيارته لمصر قبل أيام، سبب التأخير التنفيذ إلى عدم استقرار الأوضاع في سيناء، في إشارة لعمليات الجيش المصري ضد تنظيم ولاية سيناء.

 

خط أنابيب العريش عسقلان  المصدر: صحيفة جلوبز الإسرائيلية

المراوغة الثالثة

وللتغلب على تلك المشكلة، وقعت شركة EMG وشركة خط أنابيب أوروبا/آسيا الإسرائيلية، اتفاقًا يقضي للأولى باستخدام مرفأ تابع للثانية لتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، بحسب تقرير صادر عن صحيفة كالكاليست الإسرائيلية، في سبتمبر/أيلول الماضي. 

تعثر إيست ميد

في أغسطس/ آب الماضي، ناقش وزراء طاقة كلاً من "إسرائيل واليونان وقبرص"، في العاصمة اليونانية أثينا، طرق دعم مشروع خط أنابيب غاز إيست ميد EastMed، والذي من المُتوقع أن ينقل الغاز الإسرائيلي حتى جنوب أوروبا. 

وكانت المنصة نشرت تحقيقًا حول خط أنابيب إيست ميد في يناير/ كانون الثاني الماضي، كشفت فيه عن الدول الداعمة للمشروع وتكلفته المادية التي تتراوح بين 6 إلى 7 مليار دولارًا. 


اقرأ أيضًا: حروب الغاز: كيف تحجب إسرائيل والإمارات عن مصر تصدير الغاز لأوروبا؟


ورغم اكتساب خط أنابيب إيست ميد، دعمًا أمريكيًا، خاصة مع التزام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشخصي تجاه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، إلا أن هذا الخط يواجه تعقيدات على المستويين السياسي والاقتصادي، بحسب كونستانتينوس فيليس، مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية، في حديث لصحيفة نيو أوروبا، إذ لم تحسم إيطاليا موقفها من الخط مع اعتراض حزب "حركة خمس نجوم - MS5" الشعبوي على المشروع.

بالإضافة إلى أن زيادة مبيعات الغاز بين دول شرق المتوسط تكشف عن أن خط أنابيب "إيست ميد" لن يكون "الخيار الأفضل"، في حال كانت هناك حاجة لصادرات خارج المنطقة، بينما يظل "تسييل الغاز" عبر المصانع المصرية "الخيار النموذجي"، بما في ذلك غاز حقل أفروديت القبرصي، وفقًا لنيكوس تسافوس، كبير الخبراء في برنامج الطاقة والأمن القومي بالمركز الاستراتيجي للدراسات، في ورقة بحثية له على الموقع الإلكتروني للمركز.

 

خط أنابيب إيست ميد  المصدر: شركة بوسيدون 

ويرى تسافوس، أن إيست ميد سيكون الخيار الأفضل لإسرائيل، بدلاً من الاعتماد على مصر، إذا اتجه الخط نحو تركيا وليس اليونان.

الهدف

لكن تظل "مصانع الإسالة في إدكو ودمياط الخيار الأرخص بالنسبة لمُنتجي الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، في حالة تطلّعوا لتصدير الغاز"، بحسب جاسر هانتر، رئيس شركة شل في مصر.

ويُضيف أثناء حضوره مؤتمر إيجيبس بالقاهرة، في شهر يوليو/ تموز الماضي، أن العقبات السياسية لن تُشكل عائقًا أمام وصول الغاز إلى مصر من دول مثل قبرص وإسرائيل، لافتًا إلى وجود اتفاقيات بين هذه الدول على بدء تصدير الغاز إلى مصر. (اتفاقية دولفينوس مع إسرائيل – اتفاقية قبرص ومصر).

ويُشير هانتر إلى أن اقتصاديات مصانع الإسالة في مصر لاتزال "مقنعة"، مما يُشير إلى أن إنشاء أي مشاريع إسالة في المستقبل قد تواجه صعوبات لأن المصانع المصرية بُنيت قبل عدة عقود في بيئة مختلفة، ومنذ ذلك الحين ارتفعت التكاليف، مضيفًا "إذا كنت تُريد بناء شيء مشابه اليوم، فأنت تنظر إلى عدد كبير من الدولارات".

هل تشتري إسرائيل حصص في مصانع الإسالة المصرية؟

بالفعل كشف مجموعة ديليك الإسرائيلية، قبل نحو 6 أشهر، في تقريرها السنوي لعام 2018، أنها تدرس شراء حصص من مصنعي إسالة الغاز في دمياط وإدكو، لأجل زيادة صادراتها.

ورأت وكالة بلومبرج في مارس الماضي، أن شراء نسبة من منشأة إدكو التي تسيطر عليها شركة رويال داتش الهولندية، أو منشأة دمياط التي تسيطر عليها شركة يونيون فينوسا الإسبانية، من بين الطرق الممكنة لإنجاح الصفقة المصرية الإسرائيلية لاستيراد الغاز.



وتقول يونا فايسز، مدير العلاقات العامة بشركة ديليك جروب الإسرائيلية، للمنصة في رسالة لها عبر البريد الإلكتروني "لايمكن للشركة حاليًا التعليق عن خطتها حول شراء حصص من مصنعي الإسالة سواء في دمياط أو إدكو".

لكن يكشف الموقع الإلكتروني لشركة ديليك عن وجود اتفاقية مع شركة شل في مصر، ماتزال تحت الدراسة. 

 

صورة من اتفاقية ديليك مع شل المصرية لإسالة الغاز المصدر: الموقع الإلكتروني لشركة ديليك

ويصف حسن المرعشي، المتحدث الرسمي لشركة شل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، شراء ديليك حصة في مصنع إسالة الغاز في إدكو، بـ "التكهنات والتوقعات"، لكنه رفض التعليق سواء بصحة أو نفي هذه المعلومة. 

كما خاطبت المنصة شركة يونيون فينوسا المالكة لمصنع إسالة دمياط، سواء عن طريق البريد الإلكتروني، حيث تم إرسال 3 إيميلات رسمية لهم، وتواصلنا معهم هاتفيًا، إضافة للتواصل مع مسئولي مصنع الإسالة في دمياط والمعادي، بعد اتصالات متكررة؛ لكن الشركة الإسبانية رفضت التعليق. 

مغازلة سيناء

وفقًا لصحيفة جلوبز الإسرائيلية، فإن مصر وإسرائيل تدرسان إنشاء مصنع تسييل للغاز الطبيعي على شواطئ البحر الأحمر في سيناء، بتكلفة تقدر بين 10 إلى 15 مليار دولار، لتصدير الغاز المسال إلى أسيا.

وبحسب التقرير المنشور في يوليو/ تموز الماضي، فإن هذه الخطة تشبه تلك التي روجت لها شركة خطوط أنابيب إيلات عسقلان (EAPC)، حيث أرادت إنشاء مصنع إسالة في إسرائيل بالقرب من منطقة إيلات، لكن لاقت الفكرة معارضة قوية خاصة من وزارة البيئة الإسرائيلية.

لكن بناء المشروع على الحدود في الأراضي المصرية، لن يعرضه للتأخير بسبب الإجراءات البيئة، التي قلما يتم النظر إليها من ذلك المنظور في مصر، بالإضافة إلى أن المشروع سيُوفر فرص عمل لآلاف المصريين سواء خلال مرحلة البناء أو مرحلة التشغيل، وفقًا للصحيفة.

كما أن تصميم المنشأة على البحر، جاء لإتاحة خيار التصدير إلى الأسواق الأسيوية  "الهند – الصين – اليابان – كوريا الجنوبية ودول أخرى"، التي يصل استهلاكها إلى 70% من الإنتاج العالمي من الغاز المسال، بحسب الصحيفة.

فضلاً عن كون "المصنع" سيُقصر الطريق إلى الأسواق الأسيوية، حيث لن يضطر لعبور قناة السويس "الممر الغالي"، حسب وصف الصحيفة، مضيفةً أن تلك فكرة طُرحت خلال زيارة وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز، في يوليو، قبل أسبوع من انعقاد الاجتماع الثاني لمنتدى دول غاز شرق المتوسط. 

وتلفت إلى وجود تغيير في العلاقات المصرية الإسرائيلية، ذلك أن اجتماعات الوزير الإسرائيلي لم تعدّ كسابقاتها التي كانت تُجرى في "شقق خاصة" تحت غطاء من السرية، حيث تم استقبال الوزير الإسرائيلي بشكل رسمي، وزار الأهرامات برفقة وزير البترول المصري طارق الملا. 

 

زيارة وزير الطاقة الإسرائيلي برفقة المهندس طارق الملا وزير البترول المصري لأهرامات الجيزة

لكن الدبلوماسي الإسرائيلي السابق، عوديد عيران، زميل في معهد دراسات الأمن القومي، ورئيس فريق التفاوض الإسرائيلي مع المسؤولين الفلسطينيين عام 2000 يقول "لايوجد تأكيد حتى الآن على الأقل، من وجود خطة إسرائيلية لإنشاء مصنع لإسالة الغاز في سيناء".

ويُضيف في حديثه للمنصة عبر البريد الإلكتروني، أن المصنع سيكون مكلفًا من الناحية المادية، وقد يكون من الأرخص إضافة وحدات في المنشآت الموجودة في إدكو ودمياط.

يتفق مع ذلك الرأي الدكتور كمال شحادة، أستاذ العلوم السياسية والإعلام بجامعة القدس المفتوحة، ويقول في حديثه للمنصة عبر الهاتف، إن إنشاء مصنع إسالة في سيناء "تسريبات"، لم يتم تأكيدها، وإن كانت هناك اتفاقيات تجمع مصر وإسرائيل بشأن الغاز، تؤكد على توثق العلاقة بين الجانبين. 

وحاولت المنصة الاتصال بالمهندس حمدي عبد العزيز، المتحدث الرسمي لوزارة البترول المصرية، هاتفيًا ومراسلته عبر تطبيق "واتس آب"، لكنه لم يرد. 

 

خطوط مرور التجارة والغاز عبر قناة السويس والمحيط الهندي  المصدر: نشرة إنترابريز 

لماذا الآن؟

ينفي المهندس يسري حسان، المدير العام السابق للاستكشاف في شركة فيجاس للنفط والغاز اليونانية، وجود "جدوى اقتصادية" حال إنشاء مصنع إسالة للغاز في سيناء، موضحًا أن مصانع إسالة الغاز قد تبدأ من 2.5 مليار وحتى 15 مليار دولار. ويُدلل على عدم الجدوى بأن أسعار الغاز المُسال في انخفاض كبير، حيث انخفضت إلى 3.5 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية حاليًا.  

ويصف حسان في حديثه للمنصة عبر الهاتف، احتياطي إسرائيل من الغاز الطبيعي بـ "كوباية غاز" مقارنة بالاحتياطيات العالمية، معتقدًا أن الضجة التي تُثيرها إسرائيل حول غازها وراءها منحى سياسي، سواء بكونها تريد تصفية القضية الفلسطينية أو تطبيع علاقاتها مع جيرانها العرب. 

ويُضيف، أن احتياطيات إسرائيل كمية صغيرة، وتتراوح بين 70 إلى 80 مليار دولار، وهذا رقم صغير في صناعة الغاز والنفط، لافتًا إلى أن "السوق المصري" أفضل مستقبل للغاز الإسرائيلي.  

وتُقدر ورقة بحثية صادرة عن معهد أرون للسياسات الاقتصادية، في يناير/كانون الثاني 2015، حجم الاحتياطات الإسرائيلية بنحو 1000 مليار م3 من الغاز الطبيعي، متوقعةً أن تكفي احتياجات إسرائيل لمدة 40 عامًا. 

وبحسب الورقة، فإن تصدير الغاز الإسرائيلي سيؤدي إلى تحقيق الدخل خلال وقت قصير؛ لكنه سيعمل على تفريغ الاحتياطات الإسرائيلية، وخلال وقت قصير ستعود إسرائيل مرة أخرى، إلى استيراد الغاز.