الصورة : موقع أرشيف صوت النساء
إلهام عيداروس

رجال مصر يفخرون بنسائها| إلهام عيداروس.. زميلة الأمل

منشور الأربعاء 9 مارس 2016

 

لم أعرف إلهام عيداروس قبل الثورة في 2011، ومعرفتي بها جاءت في سياق ما صاحب الثورة من اتساع مطرد لدوائرنا الاجتماعية ومساحات التواصل، وفي سياق ما أكسبته لنا الثورة من طاقة ووعود دفعتنا لقبول مغامرة إعادة اكتشاف حياتنا ووجودنا في سياق حر ووعر أيضًا.

اتسعت تجربتنا لتشمل مساحات جديدة من التضامن والمودة، كما عمّقتها الوحشية والعنف والمخاطرة التي حاصرتنا. فى هذا السياق الخاص في عمرنا وعمر المنطقة تعرفت على إلهام، التي - ومنذ اللحظة الاولي لمعرفتها - لا يمكن إلا أن تلفت انتباهك بهذا المزيج من الحيوية والوعي والبساطة، مزيج نادر يزيده ندرة هذه الجدية التى يقف خلفها إحساس أصيل بالمسؤولية وتحيزات راسخة وإيمان صلب بحقنا في المحاولة.

في اليوم العالمي للمرأة.. رجال مصر يفخرون بنسائها

ما جمعني مع إلهام هو إيمان مشترك بأن "مَن يشبهوننا" لا يمتلكون سوى التقدم والعمل الجاد كسبيل للتعامل مع كل ما كشفته الثورة عن واقع "لا يشبهنا" وفى مواجهة التحديات والمرارات، وفى مواجهة الخوف.

لم تكن زيارت إلهام المبكرة لقنا بعد الاعتصام الطائفي لإسقاط المحافظ القبطى في أبريل/نيسان 2011، أو زيارتها لأيمن ديمتري القبطي الذي قطع السلفيين أذنه فى عز الأزمة، أو البقاء ليلًا بجانب جثمان صديقها مينا دانيال في مشرحة المستشفى القبطي، أو مشاركتها في معارك قائمة "الثورة مستمرة" الانتخابية، أو تألمها الشديد من حوادث اغتصاب البنات في ميدان التحرير، وحربها من أجل اعتراف القوى السياسية بهذه الحوادث،  وعشرات المواقف من الدفاع عن سجناء الرأي والعمال المضربين أو مبادرات الدفاع عن المواطنة وعن حقوق النساء في كل ربوع مصر، مع دأبها المستمر بأن تدفع الجميع لإعادة اكتشاف القهر والاستغلال ومآزق النساء وأسئلة الثورة على أرضية جادة بعيدة عن الاستسهال والبلادة السائدة، سوى تعبير عن انخراط أصيل ودؤوب في عملية كفاحية للدفاع عن كل ما تؤمن به وتتحيز له، ودعم شجاع لكل من عانوا قهر أو عنف.

كما لم تكن زيارتها لكل محافظات مصر من أجل بناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي وهي حامل أو وهي تحمِل طفلها الرضيع، سوى لإيمانها بأن كل هذه المعارك لا يمكن أن نخوضها إلا ببناء تنظيم حي يشبهنا، وعندما تقدمت لمعركة الأمين العام في الحزب، كانت هذه إحدى محاولاتها الشجاعة لبناء هذا التنظيم كائنًا حيًا وملهمًا، وعندما خرجنا معًا من التحالف الشعبي لنؤسس حزب العيش والحرية كانت هذه مغامرة جديدة وأصيلة لبناء حزب قادر على الصراع باسم كل ما نؤمن به بالقطيعة مع كل ميراث التواطؤ والمحافظة والبلادة.  

من يعرف إلهام يعرف كيف تتابع وتدعم كل رفاقها، كيف لا تتخلى أبدًا عن شركاء تجربتها وأحلامها، وكيف أن قدراتها على العمل الدؤوب والمتابعة والإنجاز لا يجاريها فيها أحد.

إن من يقترب من إلهام عيداروس يعرف جيدًا أنها لا تتوقف ابدًا عن الصراع من أجل كل ما تؤمن به، صراع مستمر مع كل هذا التواطؤ الذي يحيط بنا، صراع يسبب لها إرهاقًا حادًا ولكنها لا تتوقف عنه، دفاعها عن حقوق المقهورين وعن النساء ليس دفاعًا عن قضية عادلة فحسب بل تراه دفاعًا عن وجودها وكرامتها، فكل غبن او قهر تسمع عنه: لبنت تعرضت لاغتصاب، أو زوجة تتعرض للضرب على أيدي زوجها، أو أى تحرش طائفي تعتبره قهرًا لها لا تحتمله ولا تتوقف عن مواجهته. تدافع إلهام عن ما تؤمن به بشجاعة تدفعها في أحيان كثيرة، ورغم كل ما يحيط بها من تقدير وحب، إلى حدود "المرارة والوحدة".  

وتبقى الشجاعة أهم ما يميز هذا النموذج من النساء، شجاعة تحررها من كل القهر والمخاوف الموروثة، شجاعة تعني الصراع اليومي مع كل هجمات الذعر الموروث، وكل التهديد والرفض لحضورها ووجودها المتحرر، رفْض من الأبنية الأبوية والمحافظة والغبية التي تحاصرنا والتي تكره كل ما تمثله إلهام، يدعمها فى هذا زوج محب وحر، وأبناء يشبهونها، وأصدقاء "جدعان" يرون في شجاعتها ما يلهمهم ويمنحهم فسحة جديدة من "الأمل".

إن مشاركة إلهام التجارب السياسية والشخصية منذ ثورة يناير بدلتنى كثيرًا، ودفعتني لإعادة اكتشاف الكثير عني وعن الآخرين. إن شراكة إلهام ليست أمرًا هينًا فهي طاغية الحضور وحادة في أحيان كثيرة، ولكنها أيضا نادرة في قدرتها على خلق التوتر اللازم لإعادة اكتشاف الأشياء والأحداث والناس، ونادرة في قدرتها على دفع من يحيطون بها للتمسك بالمسار الصعب المشترك.