تصميم: أحمد بلال/المنصة

حسين سالم.. لعب مربح وخروج آمن

منشور الثلاثاء 13 أغسطس 2019

توفى، فجر اليوم الثلاثاء، حسين سالم، رجل اﻷعمال المُقرب من الرئيس اﻷسبق حسني مبارك، عن عمر 85 عامًا إثر تدهور حالته الصحية، وفق ما أعلنته عائلته.

وقضى سالم، الذي كان شبه مقيم في أسبانيا، أيامه اﻷخيرة في شرم الشيخ حيث كان يستجم منذ فترة، لكنه تعرّض ﻷزمة صحية شديدة، ونقل بطائرة خاصة لتلقي العلاج في أسبانيا حيث توفى، وفق ما ذكره مصدر مقرب منه لصحيفة الشروق.

حسين سالم لم يكن مجرد رجل أعمال بارز فحسب، إذ أن الرجل ولطبيعة التشابك بين أعماله الخاصة وسياسات نظام مبارك، وارتباطه الشخصي برؤوس ذلك النظام؛ يقترب من أن يكون واحدًا من أهم رجاله، وهو ما يُدلل عليه الساحات التي لعب فيها بأمواله والتي تحولت بعد ثورة 25 يناير، وبصورة رسمية، إلى قضايا فساد ضده، حسبما وثّقت السجلات الرسمية للمحاكم، وإن انتهى الأمر بتصالح مع الحكومة الحالية.

فساد الغاز والكهرباء

في كنف نظام مُبارك ذي العلاقات الجيدة مع إسرائيل، كان لحسين سالم مساحة للعب بأمواله عبر تصدير الغاز إلى تل أبيب، فيما سيُصبح واحدًا من أشهر القضايا التي سيُتّهم فيها ومعه عدد من المسؤولين الحكوميين، قبل أن يخرج من القضية بصورة آمنة.

ففي شهر مايو/ أيار لعام 2017، حصل سالم على البراءة في إعادة محاكمته بقضية تصدير الغاز لإسرائيل، وذلك بعد حُكم أولي صدر ضده في يونيو/ حزيران 2012، بالسجن المُشدد 15 عامًا، وهي العقوبة التي شملت وزير البترول الأسبق سامح فهمي وآخرين.

الفارق الوحيد تقريبًا في هذه القضية بين سالم والمتهمين اﻵخرين أنه لم يمثل أمام القاضي ولم يخضع لحبس احتياطي أو يدخل قفص المتهمين في المحكمة، إذ تمت محاكمته غيابيًا لوجوده في أسبانيا التي يحمل جنسيتها.

عبر شركة غاز شرق المتوسط، والتي يعدّ سالم واحدًا من مؤسسيها، كانت مصر تصدر الغاز لإسرائيل بأسعار تفضيلية وأقل من المستقر عليها عالميًا؛ وعلى الرغم من خروج أصوات معارضة لهذه الصفقة التي انتهت بحكم تغريم القاهرة 1.7 مليار دولار لصالح إسرائيل، وذلك بعد اتفاق تسوية بين الجانبين جاء كحل بعد تحكيم دولي ربحته تل أبيب ضد القاهرة، إثر توقف توريد الغاز لها بسبب تفجير خطوط الغاز المتكررة بعد الثورة.

تصدير الغاز لكل من إسرائيل وأسبانيا خطوة اتخذها سالم قبل اﻷلفية بأعوام كثيرة، ليس فقط ﻷنه مصدر طاقة "يظهر كثيرًا في مصر"، بل لأسباب أخرى ذكرها للصحفي محمد حسنين هيكل، تمثّلت في "دواعٍ سياسية أكبر منه" فيما يتعلق بالتصدير لإسرائيل، و"ردّ جميل" بالنسبة لأسبانيا التي اعتبر نفسه مدينًا لها بسبب حصوله على جنسيتها.

.. وغسيل الأموال

سالم، المولود في نوفمبر/ تشرين الثاني 1933، نال البراءة أيضًا في قضية متعلقة بالغاز وهي غسيل الأمول، إذ برأته المحكمة وابنه وبنته خالد وماجده، في أغسطس/ آب 2017، لبراءته في القضية الأصلية  (تصدير الغاز)، وذلك بعد صدور حكم ضدهم في ديسمبر/ كانون الأول 2011، بالسجن 7 سنوات لكل منهم والغرامة 4 مليارات و6 ملايين و319 ألف دولار، ﻹدانتهم بـ"غسل الأموال المتحصلة من بيع الغاز المصرى لإسرائيل".

"مخالفة القانون" لم تكن أمرًا اسثنائيًا أو قاصرًا على ملف الغاز، إذ كرره رجل الأعمال مع مصدر آخر للطاقة هو الكهرباء، وفق ما وثّقه حكم قضائي صدر ضده في سبتمبر/ أيلول 2014، يقضي بالسجن 10 سنوات له، ولابنه وابنته بالسجن 7 سنوات لكل منهما، ﻹدانتهم بـ"بيع الكهرباء لغير الهيئة العامة لكهرباء مصر بالمخالفة للقانون".

لكن أوراق القضية انطوت، وبالمثل قضايا أخرى وذلك إما كنتيجة لتصالح تم بين سالم والدولة عام 2016، دفع فيه رجل اﻷعمال مليارات الجنيهات، أو ﻷسباب أخرى.

الاستيلاء على محمية طبيعية

من بين أسباب خروج حسين سالم من قضايا فساد كان انقضاء الدعوى الجنائية بمضي المُدّة، وهو ما تم تطبيقه في قضية "محاكمة القرن"، التي صدر هذا القرار بشأنها في يونيو 2012، وهو ما أيدته محكمة النقض فيما بعد.

في تلك القضية كانت الاتهامات الموجهة لنجلي الرئيس السابق هي "استغلال النفوذ"، أما سالم فكانت تُهمته "تقديم 5 فيلات هدية لهما".

العطايا واستغلال النفوذ بين حسين سالم ورجال مبارك لم تقتصر على تلك القضية، فاﻷمر تكرر في قضية أخرى هي "جزيرة البياضية"، التي بدأت محاكمته ووزير الزراعة الأسبق يوسف والي في ديسمبر 2016، واتهم فيها الوزير بـ"بيع الأرض لسالم بسعر زهيد، على نحو أهدر ما يزيد على 700 مليون جنيه من المال العام".

وبالمثل، طالت آثار التصالح مع الدولة هذه القضية أيضًا، إذ صدر حُكمًا عام 2017 بانقضاء الدعوى الجنائية فيها.

البياضية ووقت حيازة سالم لها كانت محمية طبيعية، لكن في عام 2019، أي بعد عامين من عودة الجزيرة للدولة ضمن اتفاق التصالح مع سالم، أصدرت الحكومة قرارًا باستبعادها من قائمة المحميات.

التصالح كان له أثرًا إيجابيًا كبيرًا على سالم، فبفضله رُفع اسمه وعدد من أفراد أسرته من قوائم تجميد الأصول والأموال في أسبانيا وسويسرا وهونج كونج، في أغسطس 2016، بناء على مخاطبة لسلطات هذه الدول من اللجنة القومية لاسترداد الأموال والأصول والموجودات بالخارج.

صديق مبارك

الرجل الذي أفلت من قضبان سجن احتجز حتى مبارك  وولديه، والذي نجت أمواله من التحفظ، استطاع أيضًا البقاء في الخارج رغم ملاحقة اﻹنتربول له بناءً على طلب مصري بتسليمه لسلطاتها لتنفيذ اﻷحكام الصادرة ضده وموافقة محكمة الاستئناف الإسبانية على هذا القرار، إذ قضت محكمة إسبانية بتعليق إجراءات تسليمه، والسبب كان دعوى أقامها سالم قال فيها إن تسليمه لمصر "ينتهك حقوقه الدستورية".

في ظل نظام مبارك، تمتع سالم بحقوقه الدستورية، ليس بحكم حجمه في عالم المال، بل ولعلاقة شخصية جمعته والرئيس الأسبق في ملعب واحد على مستويات مختلفة بلغت حد لعب دور الاستشاري في اختيار ملابس الرئيس والهدايا التي تصل لزوجته من الحُكّام العرب، وهو ما كان سالم يعتبره أمر يستخدمه البعض في حكايات عنه بسياقات رسمت "صورة مُشوهة له عن قصد"، وفق ما نقله عنه الكاتب محمد حسنين هيكل في كتابه "مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان".

في هذا الكتاب، الصادر بعد ثورة 25 يناير ورحيل نظام مبارك، جاءت أقوال سالم عام 1988 لا تنفي عنه دور "التابع" لمبارك، بل وحاولت أن تنفي دوره في صفقات الأسلحة عبر شركة اتسيكو التي يمتلك سالم نسبة 51% من أسهمها ويشاركه فيها مبارك، وكانت مجالاً لقضية نظرتها محاكم فلوريدا الأمريكية.

في ذلك اللقاء البعيد مع هيكل قال سالم، تبرئة لنفسه، إنه لم يدخل فى تجارة السلاح، وإنما نقل السلاح. واعتبر أن هناك "فرق كبير بين النقل، وهو عملية شحن بضائع، حتى وإن كانت سلاحا، وبين تجارة السلاح فى حد ذاته باعتباره هذه البضاعة".

بتصالح مع الدولة وإعادة محاكمات انتهت إلى البراءة من أحكام غيابية، بإقامة في أسبانيا بعيدًا عن قضبان احاطت بمبارك ورجاله بعد ثورة 25 يناير والنجاة بأمواله من قرارات التحفظ، تبدو مسيرة حسين سالم منذ الثمانينات حين برز اسمه كواحد من كبار المستثمرين، كرجل نجح في اللعب بمهارة في كل من السياسة والبيزنس، وذلك في ملاعب اتسعت له بحكم علاقاته؛ فأجاد اللعب حتى مع تغيّر 3 أنظمة سياسية، وخرج منها رابحًا دون خسارات تذكر من بعد سقوط النظام الذي منحه فرصًا ذهبية وحتى تاريخ وفاته.