لقطة من الفيلم

ولاد رزق 2: بطولات شعبية على طريقة الوجبات السريعة اﻷمريكية

منشور السبت 10 أغسطس 2019

* تنويه: هذا الريفيو يحتوي على حرق ﻷحداث الفيلم

الأجزاء الثانية هي أهم سمة تميز موسم عيد الأضحى السينمائي، والذي بدأ بعرض الجزء الثاني من الفيل الأزرق بطولة كريم عبد العزيز ونيللي كريم وهند صبري، وتأليف أحمد مراد وإخراج مروان حامد، وتلاه الجزء الثاني من فيلم الكنز بطولة محمد رمضان ومحمد سعد وهند صبري وأمينة خليل وروبي، وتأليف عبد الرحيم كمال وإخراج شريف عرفة.

وأخيرًا الجزء الثاني من فيلم ولاد رزق بعنوان "ولاد رزق 2: عودة أسود الأرض"، الذي نعيش فيه مغامرة جديدة من مغامرات أولاد رزق مناسبة تمامًا لمن يبحث عن اﻹثارة في دور العرض السينمائي في إجازة عيد الأضحى، حيث يمتلئ الفيلم بالإثارة والحركة والمتعة.

بطولة جماعية

ومع نجاح البطولات الجماعية في السينما المصرية في السنوات اﻷخيرة، يأتي الجزء الثاني من فيلم ولاد رزق ببطولة مجموعة كبيرة من الممثلين، ومنهم أحمد عز (رضا) وعمرو يوسف (ربيع) وأحمد الفيشاوي (رجب)، وكريم قاسم (رمضان) وأحمد داود (عاطف) ومحمد ممدوح (الضابط رؤوف)، وخالد الصاوي (الدبلوماسي كمال) وباسم سمرة (عباس الجن)، وإياد نصار ونسرين أمين وريم مصطفى وغادة عادل، وظهور خاص لآسر ياسين ومحمد لطفي وماجد المصري ويسرا، والمطربة أصالة نصري وسيد رجب وسوسن بدر. والفيلم من تأليف صلاح الجهيني وتصوير مازن المتجول، وموسيقى هشام نزيه وإخراج طارق العريان.

عملية نصب

ويحكي الفيلم عن أولاد رزق الذين تعرفنا عليهم في الجزء الأول والذين يعرض عليهم الضابط رؤوف عملية نصب جديدة، ولكن هذه المرة يكون فيها كمشارك لا خصم، والتي يقبلونها بسبب حاجتهم للمال بسبب ظروفهم الاقتصادية الصعبة.

ولكن تنقلب الأحداث عليهم مرة أخرى حيث الخصم، وهو هنا الدبلوماسي كمال، ليس سهلا مثلما كانوا يتوقعون، فيتلاعب بهم حتى يجعلهم يخسرون كل ما يملكونه مما يضطرهم إلى عمل خطة للتغلب عليه، حتى يمروا من الأزمة التي تسبب فيها والتي تهدد حياتهم وحياة أحبائهم، وخاصة زوجة وابن الشخصية الرئيسية في الفيلم، وهو رضا الذي يقوم بدوره الممثل أحمد عز.

أفلام مستنسخة

أحيانا ما يكرر الفنان نفسه في الموضوع وفي الشكل طوال مشواره الفني كله، فهل معنى ذلك أنه ليس لديه ما يقوله أم أنه يريد أن يوصل أفكاره بأي طريقة حتى لو أعاد تكرارها مليون مرة، متخذًا من المثل المصري الأصيل وهو "الزن على الودان أمر من السحر" منهاجا له.

هذا ما يميز بالفعل، وأحيانًا ما يعيب أعمال المخرج المخضرم طارق العريان، الذي وعلى الرغم من قله أعماله السينمائية، التي بلغت ثمانية أفلام فقط، في مسيرة سينمائية بلغت حتى الآن 29 سنة، إلا أن لديه أعمالا مهمة يحبها الجمهور، ويشاهدها مرارًا كأفلامه؛ الإمبراطور، 1990 بطولة أحمد زكي، والباشا، 1993 بطولة أحمد زكي ومحمود حميدة، والسلم والثعبان، 2001 بطولة هاني سلامة وحلا شيحة وأحمد حلمي، وتيتو، 2004 بطولة أحمد السقا.

فمنذ أول فيلم أخرجه وهو فيلم الامبراطور، المقتبس عن فيلم Scarface، بطولة الممثل الأمريكي آل باتشينو واخراج براين دي بالما، والذي عرض بعام 1983 والمقتبس بدوره من فيلم يحمل نفس العنوان والذي عرض بعام 1932، وهو من إخراج هوارد هوكس، حتى آخر فيلم له وهو الجزء الثاني من فيلم ولاد رزق، يتجلّى هذا التكرار الناجم عن التغريب الشديد في الشكل الفني والسينمائي، الذي صنع به المخرج أفلامه الثمانية حتى الآن.

بالتأكيد لدى المخرج طارق العريان أسلوب خاص استحدثه من السينما الهوليودية خاصة، التي تعلمها في بداية حياته في جامعة ساوث إلينوي بالولايات المتحدة، والتي تعتمد على الإثارة والحركة المستمرة، مع مونتاج يعتمد على لقطات قصيرة وإيقاع سريع، وتصوير من زوايا شديدة التباين، تُشعر المتفرج دائمًا بالخطر.

إعادة إنتاج

ولكن هذه الشكلانية تتحول أحيانًا، مثلما حدث في الجزء الجديد من ولاد رزق، إلى عيب يطغى على كل شيء، بداية من القصة مرورا بالحبكة والحوار والشخصيات حتى التمثيل نفسه.

الحبكة أشبه ما تكون بحبكة الجزء الأول، وكأن صناع الفيلم يستغلون فقط نجاحه بكل الطرق، عبر استنساخ الشخصيات والأجواء وحتى الحبكة نفسها، حيث قبض الضابط رؤوف في الجزء الأول على عاطف أو بالأحرى رجب وهو يقوم بدور عاطف، بينما يقبض كمال الدبلوماسي على عاطف في الجزء الثاني. ليحكي عاطف لكمال مثلما حكى لرؤوف حكاية أولاد رزق ومغامرتهم الجديدة التي تنتهى بالتأكيد بفوز امبراطورية راء (رضا وربيع ورجب ورمضان) وتابعهم "عاطف العبيط". هذا الاستغلال للنجاح جنح إلى تكرار الشكل والمضمون بلا أي تجديد يذكر.

بل هذه الشكلانية نفسها هي التي جعلت المخرج طارق العريان يصر دائمًا على القيام ببعض المشاهد، حتى لو لم يكن لها أهمية درامية في الحَدَث، فتحول الفيلم إلى مجموعة من الاسكتشات الأقرب إلى الاسكتشات المسرحية، بخلاف أنها اسكتشات أكشن وكوميديا، وليست كوميدية فقط مثلما نجد مثلا في الاسكتشات التي يقدمها مسرح مصر. فما أهمية شخصية مثل شخصية نانسي التي قامت بدورها الممثلة غادة عادل، سوى تقديم مشاهد سادية، حيث تربط رمضان الذي يقوم بدوره الممثل كريم قاسم وتضربه بالكرباج، في مشهد أقرب للكوميديا منه بالتأكيد إلى الإثارة الجنسية.

وهي نفسها الأفكار التي يهتم بها ويكررها طارق العريان في الكثير من أفلامه، من حيث مشاهد تبين العالم السفلي للدعارة ومشاهد الجنس الشاذة، مثلما شهدنا في فيلمه الباشا كمثال. أو مشهد المطاردة الذي يجب أن ينتهي بسقوط السيارة من فوق الكوبري، وهو نفسه نفس المشهد الذي نجده في أغلب أفلام طارق العريان، مثل الباشا والخلية، الذي عرض عام 2017، ومن بطولة أحمد عز ومحمد ممدوح أيضًا.

وغيرها من المشاهد التي لم يكن لها أي أهمية، لا في القصة ولا في الحبكة، وغالبًا هي من إضافة المخرج طارق العريان، وليس المؤلف صلاح الجهيني، لأنها ببساطة تعتبر من تكرارات طارق العريان التي نجدها في كل أفلامه.

 

روبن هود ولاد رزق 

ويستمر المخرج في حالة التغريب لا في الشكل الفني الذي يستخدمه لإخراج فيلمه الجديد فقط، ولكن أيضًا في رسم الشخصيات التي يقدمها في الفيلم؛ فيتجه مثل الجزء الأول، إلى تقديم مجموعة من الشخصيات الشعبية الأقرب إلى الأبطال الشعبيين، أو الشطار والعيارين في تاريخنا العربي القديم، من حيث إنهم شخصيات جليلة في أعين الثقافة الشعبية والعامة، على الرغم من أنهم مجرد مجموعة من النصابين والمجرمين الهاربين من العدالة، ولكن لأنهم يسرقون شخصيات فاسدة مثل الضابط رؤوف أو الدبلوماسي كمال، فهم في أعين الناس مثل روبن هود، الذي كان يسرق الأغنياء من أجل أن يعيد الحق والمال إلى الفقراء.

بالتأكيد المنطق في فيلمي "ولاد رزق" مختلف عن شخصية روبن هود، لأن أولاد رزق لا يقدمون أي معاونة للفقراء حينما يسرقون الأغنياء، ولكن هم وحدهم المستفيدون من عمليات النصب والسرقة التي يقومون بها.

 عزاؤنا في الجزئين هو أننا نعرف أنهم سيخرجون دائمًا من كل عمليات السطو والنصب التي يقومون بها خاليي الوفاض، بعد تسديد ديونهم أو ضياع أموالهم لسبب أو لآخر، وهو نفسه السبب الذي يجعلهم لا يكفون عن عمليات النصب والسرقة هذه المرة تلو الأخرى.

تمثيل متباين المستوى 

وبسبب أن عاطف الحقيقي (أحمد داود) هذه المرة هو الذي يتم الإمساك به، يتراجع دور رجب (أحمد الفيشاوي)، وتتراجع أيضًا الشخصية بسبب أنها انغمست في تناول المخدرات وخاصة "البرشام أو الكيميا" التي جعلته لا يركز لا في عمله، ولا حتى بعد ذلك في الخطة التي يرسمونها للنصب والسرقة.

ولكن هل معنى انحسار أهمية الشخصية انحسار في أداء الممثل الذي يقوم بدور الشخصية؟ من المفترض لا. ولكن هذا ما حدث بالفعل في الجزء الثاني من "ولاد رزق" حيث نجد أن أداء أحمد الفيشاوي أقل كثيرًا من أداءه المبهر في الجزء الأول، حيث كان يمثل شخصية مركبة للغاية أقرب إلى شهرزاد التي لديها خطة مسبقة، وهي تغيير عقلية الملك شهريار عبر حكاياتها التي تتلوها في ألف ليلة تنتهي بتغلبها على الملك وانصياعه لها.

لعب أحمد الفيشاوي في الجزء الأول من ولاد رزق شخصية رجب، الذي يمثل أنه عاطف أمام الضابط رؤوف، فيخدعه بحكايات لا وجود لها في الواقع من أجل الوصول إلى هدفه، وهو اللعب بعقل الضابط وجعله يكشف نفسه، وبالتالي ينهزم أمام عائلة رزق، وهي حبكة بالتأكيد أقرب كثيرًا إلى حبكة فيلم The Usual Suspects والذي عرض بعام 1995، ومن بطولة الممثل الكبير كيفين سبايسي، وإخراج براين سينجر.

وبالعكس من الفيشاوي، نجد أن الممثل أحمد داوود قد تألق في دور عاطف، الذي قام به هذه المرة من بدايته حتى النهاية. فلقد استطاع أن يمسك بتلابيب شخصية عاطف العبيط من حيث حركة الجسد العصبية والعنيفة، وأيضًا طريقة كلامه وانفعالات وجهه وخاصة عيناه وذقنه، وبالتأكيد حركة رقبته العصبية.

بالإضافة إلى عدم خروجه لثانية واحدة من أسر وسحر شخصية "العبيط"، على الرغم من أنه أغلب الوقت كان جالسًا على كرسي مكبل اليدين والساقين، وبالتالي ليس بقادر على التعبير عن نفسه وعن الشخصية التي يمثلها، بكل إمكانياته الجسدية والحركية. ولكن وعلى الرغم من ذلك، استطاع أن يقدم لنا أداءً جيدًا جدًا، ناتج عن وعي شديد بهذه الشخصية الصعبة، وتمكُّن شديد من إمكانياته التمثيلية.

اقتباس الروح الهوليودية

بشكل عام فشخصيات أولاد رزق تنتمى بشكل كبير، شكليًا وعقليًا وتاريخيًا، لا إلى العقلية المصرية الشعبية، ولكن إلى الصورة النمطية التي تقدمها أفلام هوليود عن العصابات وأعضاءها في أمريكا.

نجد أولاد رزق وهم يعيشون في مسكن واسع جدًا رغم أنه فوق السطوح وفي منطقة شعبية، ولديهم أحدث السيارات ويستطيعون أن يقودوها أسرع من مايكل شوماخر، أسطورة قيادة السيارات في العالم. بل أنهم يفهمون في التكنولوجيا الحديثة لدرجة استخدامهم لأجهزة التتبع وغيرها، وكأنهم تدربوا تدريبًا عاليًا على يد وكالة الاستخبارات الأمريكية. كل هذه الأمور وغيرها تبين مدى النسخ الذي يقوم به صناع الفيلم للأفلام الأمريكية بلا أي نوع من التمصير من حيث جعل الأجواء والشخصيات أكثر مصرية منها أمريكية.

وجبات سريعة

هذا ما يجعل طارق العريان وأفلامه أقرب إلى الوجبات السريعة الأمريكية كماكدونالدز أو دجاج كنتاكي، منها إلى الوجبات المصرية الأصيلة التي تحتاج إلى مكونات مصرية، والأهم احتياجها لروح ونكهة مصرية لتقدم وجبة دسمة بقادرة على امتاعنا وبنفس الوقت إفادتنا عقليًا ونفسيًا، فالاقتباس لا يعني أبدًا ألا نجد الروح المصرية في الفيلم.

وفي مصر تاريخ سينمائي طويل شهد الكثير من أفلام الإثارة والعصابات، مثل قلبي دليلي، الذي عرض عام 1947، من بطولة أنور وجدي وليلى مراد، وإخراج أنور وجدي، أو الرجل الثاني، الذي عرض عام 1959، بطولة رشدي أباظة وصباح وسامية جمال وإخراج عز الدين ذو الفقار، أو اللص والكلاب الذي عرض عام 1962، بطولة شكري سرحان وشادية وإخراج كمال الشيخ. هذه القائمة تؤكد أن لدينا رصيدًا كبيرًا من أفلام الجريمة والحركة، يستحق أن نبني عليه لا أن نستعير نبتة غربية غريبة، فنحاول أن نغرسها غصبًا في أرض مصرية شرقية.