تصوير: لمرابط محم مختار
مشجعو المنتخب الموريتاني في استاد السويس

الجمهور الموريتاني من نواكشوط إلى السويس: أكثر من مجرد كرة قدم

منشور الاثنين 8 يوليو 2019

عندما أحرز اللاعب الموريتاني إسماعيل دياكايتي هدفين في مرمى بتسوانا خلال تصفيات كأس الأمم الأفريقية ليقلب تأخر منتخب بلاده بهدف إلى فوز بهدفين، مؤكدًا تأهلها رسميًا للبطولة لأول مرة في تاريخها، بدأ المشجع موسى (26 عامًا) استعداداته لرحلة طويلة إلى مصر. 

الجميع كان يرقص ويغني فرحًا بإنجاز طال انتظاره، عمت الأفراح شوارع المدن الموريتانية وخرج المشجعون يرفعون الأعلام ويرددون الهتافات. امتزجت دموع الفرحة بنشوة الانتصار، ورافقت الجماهير أتوبيس المنتخب حتى وصل إلى فندق إقامة اللاعبين "كان شعورًا لا يوصف ويومًا لا يُنسى".

تمنى موسى مشاهدة فريقه في الملعب ومؤازرته في أسرع وقت، حتى ولو كلفه الأمر الركض من العاصمة نواكشوط إلى القاهرة.. أخيرًا فتحت الكأس أبوابها لموريتانيا بعد اشتياق ورغبة وسعي.

 

موسى خلال حضور مباريات المنتخب الموريتاني - تصوير لمرابط محم مختار

بين نوفمبر/ تشرين الثاني حيث أكد المرابطون تأهلهم إلى المونديال الأفريقي، وحتى يونيو/ حزيران حيث انطلقت فعاليات البطولة بالفعل، اجتمع لمرابط محم (28 عامًا) وأصدقاؤه في تجمع روابط مشجعي المرابطين، استعدادًا للسفر.

جمعوا المال من بعضهم وذهبوا إلى السوق واشتروا عددًا كبيرًا من الأعلام الموريتانية والطبول وكذلك الفوفوزيلا، وأقنعة لونوها بأيديهم وخططوا لتحديد "تيفو" لكل مباراة، أحدهم كان رسمة كبيرة تعبر عن التنوع الثقافي الموريتاني، مع علم كبير يُرفع في المدرجات أثناء عزف  النشيد الوطني.

 

أقنعة جماهير المنتخب الموريتاني - تصوير لمرابط محم مختار

على طائرة تابعة للخطوط الموريتانية، صعد المشجعون، منهم من سافر على حسابه الخاص وآخرين تكفل الاتحاد الموريتاني لكرة القدم بسفرهم وإقامتهم في السويس. 

توجهت الرحلة إلى مدينة مراكش المغربية ومنها إلى القاهرة، طوال تلك المسافة لم يتوقف التشجيع، يرددون الأناشيد وتزداد آمالهم باقتراب طائرتهم إلى أرض مصر، ليُعزف نشيدهم الوطني الجديد في الملاعب الإفريقية لأول مرة "بلاد الأباة الهداة الكرام وحصن الكتاب الذي لا يُضام".

بالطبول والأعلام وقمصان المنتخب استعد المشجعون لحضور مباريات المجموعة الخامسة بمدينة السويس، والتي ضمت مع موريتانيا منتخبات تونس وأنجولا ومالي.

ورغم توقعات المحللين بأن المنتخب الموريتاني سيظهر بأداء متواضع، فإن الجمهور كان متفائلًا خاصة بعد انتقال تنظيم البطولة من الكاميرون إلى مصر.

 

أدوات تشجيع المنتخب الموريتاني - تصوير لمرابط محم مختار

بقيادة المدرب الفرنسي كورينتين مارتينز، لعب المنتخب الموريتاني أولى مبارياته أمام نظيره المالي بتشكيلة تضم عدة لاعبين محترفين، أبرزهم إسماعيل دياكيتي وعلي عبيد وأداما با وحسن العيد، إلا أن رهبة المشاركة والتحفظ في الأداء كلفته خسارة قاسية بنتيجة 4/1. لكن هذا لم يؤثر على معنوياتهم.

جهل بالعروبة

قبل بدء البطولة بعدة أيام استضاف الإعلامي المصري مدحت شلبي مجموعة من الشباب الموريتاني، وطلب من أحدهم التحدث باللغة الموريتانية، ليُفاجئ بأن موريتانيا تتحدث اللغة العربية فكان يسأل الضيف عن الوسيلة التي تعلم بها اللغة ليخبره الأخير أنها دولة عربية، لتخرج حملة على مواقع التواصل الاجتماعي بهاشتاج ‫#‏موريتانيا_دولة_عربية_يامدحت، اعتراضًا وتعريفًا بموريتانيا وتاريخها وعروبتها.

الأمر لم يتوقف عند مدحت شلبي. يقول محم لـ المنصة "عند وصولنا لمطار القاهرة فوجئنا بوجود كل أعلام الدول العربية باستثناء موريتانيا!". 

أما موسى فقال إنهم لم يتوقعوا هذا الأمر خاصة في مصر "نحن من أكثر الدول التي تتحدث لغة عامية قريبة للفصحى، نتعلم القرآن والشريعة والفقه في شنقيط منبع العروبة".

تلقب موريتانيا ببلد المليون شاعر، وهو اللقب الذي أطلق للمرة الأولى في تحقيق أجرته مجلة العربي الكويتية عام 1967، بعد أن أذهلت القدرات الشعرية للشناقطة، وهم أهل مدينة شنقيط التاريخية التي تقع في وسط البلاد، كاتب التحقيق. 

 

مشجعو المنخب الموريتاني - تصوير لمرابط محم مختار

المرابطون

يُسمى الفريق الموريتاني بمنتخب المرابطين، نسبة إلى الدعوة الإصلاحية التي ظهرت في غرب أفريقيا لنشر الدين الإسلامي، لتتكون بعد ذلك حركة المرابطين عند مصب نهر السنغال، وتتوسع دولتهم وتسيطر فيما بعد على ثلث إفريقيا.

لم يقتصر هذا اللقب على منتخب كرة القدم فحسب، بل امتد إلى كل موريتاني، يتبادلونه فيما بينهم ويُستخدم كأسلوب للنداء، حتى تجد أي موريتاني عند التعريف بنفسه يستخدم كلمة "المرابط" قبل اسمه.

 

أحد المشجعين الموريتانيين بمدينة السويس - تصوير لمرابط محم مختار

مساندة حتى النهاية

تمتلئ المدرجات في كل مباراة لمنتخب المرابطين، تنتشر الألوان الخضراء والصفراء، تُقرع الطبول وترتفع نغمات التشجيع.. الأعين تترقب كل هجمة، تتعالى الأصوات كلما لُعبت الكرة باتجاه مرمى الخصم أو مررها أحدهم بطريقة احترافية.

بين أصدقائه يحرص محم على توثيق لحظات التشجيع بكاميرته، منذ خروجهم من مطار نواكشوط وحتى المباراة الأخيرة. يجد مختار في هذه المشاركة فخرًا وعزة بما وصلت له الكرة الموريتانية.

تعادل المنتخب الموريتاني في مباراتيه المتبقيتين، أمام منتخبي أنجولا وتونس بعدما أرهقهما فنيًا وتكتيكيًا، ليحصد بذلك نقطتين تاريخيتين في أول مشاركة إفريقية.

الجمهور المثالي

يقول محم إن "التنظيم كان رائعًا ومحكمًا"، ولم يكن شكل المدرجات مختلفًا عن ملاعبهم، إلا أن أرضية الملعب أفضل كثيرًا، إضافة إلى السعة الكبيرة للجماهير التي تصب في صالح الملعب السويسي.

أكثر ما ساند الجماهير الموريتانية هو التواجد المصري في مدرجهم وتشجيعهم جنبًا إلى جنب طوال المباريات الثلاث.

ترك الجمهور الموريتاني بصمته داخل الملاعب بعد انضباطهم خلال التشجيع وعزمهم على تنظيف المدرجات بعد كل مباراة، فمنحتهم اللجنة المنظمة جائزة الجمهور المثالي في التشجيع.

 

الجماهير الموريتانية تنظف المدرجات بعد المباريات - تصوير لمرابط محم مختار

ثورة رياضية

لم تكن الكرة الموريتانية على هذه الدرجة قبل بضع سنوات، كان منتخبها يحتل المركز 206 في التصنيف الدولي، كرابع أسوأ منتخب في العالم، حتى جاء الشاب أحمد ولد يحيى رئيسًا للاتحاد الموريتاني لكرة القدم.

عزم ولد يحيى منذ أول أيامه على تطوير الكرة الموريتانية والفكر الرياضي، وإحداث تغييرات جذرية تنتشلها من مؤخرة التصنيفات العالمية والإفريقية، حتى وإن كانوا أمة كروية ناشئة.

 

الجمهور الموريتاني في استاد السويس - تصوير لمرابط محم مختار

عمل الاتحاد تحت القيادة الجديدة على الشغف الجماهيري، ومع الدعم المتواصل والفكر المختلف شارك المنتخب الموريتاني في بطولة الأمم الإفريقية للاعبين المحليين مرتين متتاليتين، وارتقى للمركز 103 في التصنيف العالمي متقدمًا نحو 100 مركز.

بمرور الوقت ازدهر وتقدم الدوري الموريتاني الممتاز بـ14 ناديًا بالإضافة إلى مسابقات الناشئين والشباب، فضلًا عن كرة القدم النسائية، وأُنشئت المزيد من الملاعب وأكاديميات الناشئين، الأمر الذي انعكس على بيع المتاجر للكثير من قمصان المنتخب وازدهر كل شيء يتعلق بكرة القدم.

 

مشجعون للمنتخب الموريتاني في السويس - تصوير لمرابط محم مختار

ظهرت عدة روابط لتشجيع المنتخب منها مجموعة كرة القدم الموريتانية والتي تم تأسيسها عام 2013، ورابطة مشجعي المرابطون، ورابطة ألتراس المرابطون، وتجمع أوفياء الوطن. 

يحضر أعضاء كل رابطة جميع مباريات المنتخب سواء الودية أو الرسمية داخل موريتانيا، وخارجها كانوا يرسلون عددًا لمساندة المنتخب على حسابهم الخاص، حتى تجمعت كلها تحت مسمى "تجمع روابط مشجعي المرابطون" والذي سافر وساند المنتخب في أمم إفريقيا.

 

جمهور المرابطون في استاد السويس - تصوير لمرابط محم مختار

هذه الروابط تشجع المنتخب الوطني وأي فريق يمثل موريتانيا في البطولات القارية، ما دون ذلك يشجع أعضاؤها مختلف الأندية الموريتانية، من أبرزها: تفرغ زينة، ونواذيبو، ونواكشوط كينج، وكونكورد، وتجكجة، وكيديا, وتكون الشعبية والقاعدة الجماهيرية الكبرى للأندية التي تمثل المقاطعات والمحافظات.

أكثر من مجرد تشجيع

بلغ مختار من عمره 47 عامًا، يتابع منذ الصغر منتخب بلاده ويتمنى وصوله لبطولة دولية بفريق جيد، كلفه ذلك عقودًا من الانتظار. لم يكن يتوقع أن الاهتمام بكرة القدم سيصل إلى هذا الحد في بلاده وأن الجمهور سيملأ الملاعب عن آخرها حتى في المباريات الودية.

تحقق حلم الرجل الأربعيني فلبى النداء وتوجه إلى مصر. يرتدي الزي الموريتاني في كل مباراة ولا يمل من التحدث عن بلده وتراثها وهويتها بحماس لكل من يقابله، خاصة بعدما وجد جهل عروبتها من البعض، فهو يعتبر رحلته "أكثر من مجرد تشجيع لكرة القدم".

 

مختار بالزي التقليدي الموريتاني - تصوير لمرابط محم مختار

يتفاءل المشجعون بعد الأداء الذي ظهر به اللاعبين آملين أن تُكثف المجهودات ليكونوا ضيوفًا دائمين على البطولة، "أرهقنا الفرق وكنا شايفين في عيون الجماهير التونسية قلق من الأداء وخوف من الخسارة، العالم العربي هايعطوا موريتانيا قيمة وحساب وهاتتغير نظرة العالم للكرة الموريتانية.. يشرفنا النقطتين".

محمد عياد (27 عامًا) حالفه الحظ بإقامته في مصر للدراسة، فكان أكثر استعدادًا للتشجيع، يرى أن كثيرين كانوا يتوقعوا خروج المنتخب دون نقاط، وأنه متواضع فنيًا، لكن أداء اللاعبين في البطولة الإفريقية سيدعم ويحفز الفرق والمنتخب لتقديم كرة أفضل والمشاركة وإحراز بطولات قارية، وتحقيق الهدف الأكبر وهو المشاركة في كأس العالم.

 

مشجعون بالزي التقليدي - تصوير لمرابط محم مختار

يقول عياد "منتخبنا ظهر بأداء ممتاز لكن الحظ عاندنا، رغم خروجنا من الدور الأول إلا أن العالم العربي والإعلام تحدثوا عن أدائنا وعاداتنا وتمثيلنا لبلدنا في أول مرة.. الآن عرفوا من هم الشعب الموريتاني رياضيًا وثقافيًا".

 

تشجيع بالطبول - تصوير لمرابط محم مختار