ECESR- فليكر، مفتوحة المصدر
من المظاهرات المطالبة برحيل مرسي في 30 يونيو 2013.

شهادة المحامي ناصر أمين: أين ذهب محمد مرسي بعد بيان 3 يوليو؟

منشور الأربعاء 3 يوليو 2019

قال مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ناصر أمين، إن الرئيس المعزول محمد مرسي وفريقه المصاحب كانوا منقطعين عن العالم طوال فترة احتجازهم بعد 3 يوليو/ تموز، إلا من قنوات التليفزيون الأرضي في قاعدة عسكرية بالإسكندرية، وحتى الكشف عن مكان احتجاز مرسي في قاعة المحكمة بعد 8 أشهر من عزله.

المحامي ناصر أمين، بصفته مديرًا لمركز حقوقي محلي، كان ممثلًا لواحدة من 3 جهات سمحت لهم السلطة الجديدة التي تشكلت بعد بيان 3 يوليو 2013، بزيارة الرئيس الأسبق في مكان احتجازه الذي لم يكشف عنه وقتها.

يقدم أمين للمنصة شهادته حول اللقاء الذي طلبه للكشف عن مصير مرسي عقب 4 أيام من انقطاع أخباره، وتلقيه ردًا من رئاسة الجمهورية بالموافقة على اللقاء نفس يوم التفويض في 26 يوليو 2013، وكيف كان طريقه في مساء رمضاني إلى مطار عسكري، ومنه إلى طائرة عسكرية أقلته ووزير الإعلام الأسبق محمد فائق (لم يكن قد تولى وقتها رئاسة المجلس القومي لحقوق الإنسان)، إلى مطار الإسكندرية ومنه إلى قاعدة عسكرية بعد منتصف الليل، وكيف تعامل الرئيس السابق مع طلب اللقاء المتأخر.

أوضح أمين أن مرسي كان متمسكًا، بعد مرور 3 أسابيع على عزله، بكونه رئيسًا للجمهورية، ولا يجوز إبلاغه بموعد مقابلة الوفد الحقوقي في وقت متأخر، وكيف أن مرسي والفريق المصاحب له والذي تكون من السفير رفاعة الطهطاوي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، ونائبه أسعد الشيخة، كانوا يعتقدون أن مظاهرات الجماهير خرجت لتنادي بالشرعية وعودتهم مرة أخرى. كاشفًا أن الطهطاوي، فقط أثناء الحوار معه، بدأ في استيعاب الموقف الحالي وأن هناك سلطة جديدة تحكم البلاد.

يكشف أمين في شهادته توصيات التقرير النهائي غير المنشور الذي رفعه للرئاسة. المنصة أضافت في فقرات منفصلة سياقات الأحداث التي تتقاطع مع نص شهادة ناصر أمين في هذا التقرير.

ما دفعه لتقديم طلب زيارة الرئيس الأسبق محمد مرسي، كان ملاحظته انقطاع أخباره الأيام التي تلت عزله في بيان 3 يوليو، فهاتف تليفونيًا مستشار الرئيس للشؤون السياسية، الدكتور مصطفى حجازي، يطلب منه زيارة مرسي في مكان احتجازه.

ومع ذلك لم يكن لديه أي أمل وقتها في الاستجابة للطلب، لكن بعد ثلاثة أسابيع تلقى مكالمة هاتفية بالموافقة على طلبه، وذهب في طائرة هليكوبتر للقاء مرسي في مكان لم يعرفه إلا فيما بعد، في مهمة كانت محاطة بالسرية وقتها.

ظهر الرئيس الأسبق محمد مرسي لأول مرة بعد أربعة أشهر على عزله، عندما حملته طائرة هليكوبتر فى 4 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2013 إلى مقر محكمة جنايات القاهرة في أكاديمية الشرطة، متهمًا في قضية فض اعتصام الاتحادية عندما تظاهر مواطنون ضد الإعلان الدستوري الذي أصدره ومنحه مجموعة من الصلاحيات المطلقة، وقُتل في الاشتباكات بين المتظاهرين وأنصار جماعة الإخوان 10 مواطنين من الجانبين بينهم الصحفي الحسيني أبو ضيف.

طلب المقابلة

عن تقديم طلب المقابلة يوم 7 يوليو 2013، يقول أمين "طلبت من مستشار الرئيس للشؤون السياسية، مصطفى حجازي، زيارة مرسي في مكان احتجازه. أرسلت الطلب من باب المحاولة، ولم أنتظر الرد".

يشرح "أخبرت حجازي تليفونيًا أن التأخير في الإفصاح عن مصير رئيس سابق أمر خطير للغاية".

قبل يومين من طلب أمين مقابلة الرئيس المعزول؛ نشرت المصري اليوم في افتتاحياتها في 5 يوليو خبرًا يقول إن الجيش تحفظ على مساعدي الرئيس المعزول وطاقم مكتبه بدار الحرس الجمهورى، بعد إصدار مساعد رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية عصام الحداد بيانًا باللغة الإنجليزية على صفحته الرسمية "اتهم فيه الجيش بالانقلاب العسكري".

 

بيان عصام الحداد، مساعد مرسي، يوم 3 يوليو على صفحته الرسمية- فيسبوك

اتجهت مظاهرات الإخوان المسلمين، عقب يوم من الإفراج عن عدد من مستشاري مرسي، من ميدان رابعة إلى دار الحرس الجمهوري التي كان مرسي ومستشاروه محتجزين فيها. تحرك الآلاف نحو الدار على طريق صلاح سالم، قتل 3 أشخاص بطلقات نارية، وبعد يومين تحركت مسيرات أخرى، لكن تلك المرة قتل 51 شخصًا.

في مقابلة مع "سي إن إن" تعليقًا على الحادث، قال محمد كامل عمرو، وزير الخارجية وقتها "إن حركة مرسى مقيدة حرصا على سلامته وهو فى مكان آمن"، ولم يدل بأية معلومات حول مكان احتجازه أو إن كان متهمًا في أية قضية.

وفي حوار آخر للشبكة نفسها مع أسامة نجل مرسي قال إن آخر مرة تحدث مع والده كانت يوم 2 يوليو، لكنه لم يتطرق إلى الكلام عن احتجازه، كل ما أدلى به من تصريحات هو اتهام الجيش بمحاولة الانقلاب، وفي حوار لصحيفة "تسايت"، الألمانية، رفض المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان أحمد عارف، الحوار طالما بقي مرسي قيد الإقامة الجبرية. 

انضمت الولايات المتحدة إلى ألمانيا التي طالبت بالإفراج عن مرسي، وفى مؤتمر صحفى بمقر الرئاسة بالاتحادية، قال أحمد المسلماني، المتحدث باسم الرئاسة وقتها "إن الرئيس السابق محمد مرسي موجود فى مكان آمن، ويحظى باحترام كرئيس سابق".

الرد

في صباح 26 يوليو تلقى ناصر ردًا من الدكتور مصطفى حجازي بالموافقة على زيارته لمرسي "كانت مكالمة قصيرة جدًا، ختمها حجازي بإخطاري أن شخصًا سيتصل بي لتنسيق الزيارة، ولم يخبرني بأية تفاصيل أخرى".

بعد انتهاء المكالمة فكّر أمين أن الزيارة منفردًا ستكون بلا جدوى ﻷن القصد منها أن تكون بعثة لتقصي الحقائق لذلك يجب أن يكون حدها الأدني شخصين لضمان رؤية موضوعية للأحداث.

أعاد أمين الاتصال بحجازي مرة أخرى ليخبره بما يدور في رأسه "يجب دعوة شخص آخر معي لتصبح بعثة تقصي حقائق ملتزمة بالمعايير" يقول أمين. مضيفًا "طلب مني مصطفى حجازي ترشيح مَن أريد وأن أبلغه باسمه فقط. لم يكن هناك وقت للتفكير، اتصلت بالأستاذ محمد فايق، كشخصية عامة، وأخبرته أن المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة قدم طلبًا لزيارة مرسي في مكان احتجازه، وأن الرئاسة وافقت على الطلب، وطلبت منه الانضمام لي. كان فايق عائدًا من لندن بعد إجراء عملية جراحية في قدمه، لكنه وافق على طلبي".

يضيف أمين "بعد إبلاغ حجازي بالعضو الثاني في البعثة، تلقيت اتصالًا من شخص عرّف نفسه باللواء عباس كامل يطلب مني التواجد في مطار ألماظة الساعة الثامنة مساء، وطلب مني المتصل ألا أتكلم مع أي شخص على بوابة المطار، وأنه علي فقط أن أخبر أي شخص يسألني عن سبب دخول المطار باسمي فقط دون أية تفاصيل أخرى. وشعرت أن المهمة محاطة بالسرية الشديدة".

كان تصرف أمين في هذا الموقف الذي يغلفه السرية أن فتح تويتر، وكتب عليه نحو الساعة السادسة مساءً "وفد الحقوقيين المصريين في طريقه لزيارة الرئيس السابق مرسي في محبسه"، وعندما بدأت الاتصالات التليفونية تنهال عليه؛ أغلق الهاتف وتناول وجبة إفطار رمضان ثم خرج بسيارته إلى زحام "شوارع التفويض".

 

تويت لناصر أمين قبل الذهاب إلى زيارة مرسي في محبسه

الرحلة إلى المطار

لم يكن ذلك اليوم عاديًا. نزل يوم 26 يوليو 2013 ملايين المصريين إلى الشوارع مرة ثانية استجابة لدعوة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي لتفويضه والجيش والشرطة في مواجهة العنف المحتمل.

يقول أمين "تحركت باتجاه مطار ألماظة من خلال طريق الأوتوستراد، وصلت متأخرًا ساعة عن الميعاد بسبب زحام الشوارع والكمائن التي وقفت فيها أكثر من مرة، استقبلني نحو الساعة التاسعة لواء من القوات الجوية لم أعرفه، ووجدت الأستاذ محمد فايق ينتظرني، طُلب مننا الانتظار حتى تجهيز الطائرة للرحلة".

يقول "دخلت الطائرة العسكرية بصحبة الأستاذ فايق نحو الساعة الحادية عشرة مساء، لم يكن موجودًا غيرنا على متن الطائرة سوى قائدها ومساعده، حاولت التقصي منهما لمعرفة وجهتنا لكن تم تجاهل أسئلتنا. لم أدرك فكرة الاتجاهات شمالًا أو جنوبًا أو شرقًا أو غربًا".

يقول ناصر "مرّت الطائرة على مساحة كبيرة مظلمة بداخلها دوائر مضاءة تبعد عن بعضها بشكل عشوائي، من حين لآخر ينبثق من كل دائرة مضيئة ضوء الليزر الأخضر الذي كان مستخدمًا وقتها في المظاهرات المليونية، كان الضوء الأخضر يسلط على الطائرة، ويدخلها أحيانًا، وكان فايق ينزعج منه، وسألني عن هذه الأضواء، فأخبرته أن الشباب اعتادوا توجيه الليزر الأخضر نحو الطائرات أثناء تظاهراتهم".

 

أقلام الليزر الخضراء من مظاهرات 30 يونيو. الصورة: التليفزيون المصري

يوضح "عرفت أننا متجهون شمالًا فوق الدلتا، لأن الجنوب عبارة عن مدن متراصة ليلًا على وادي النيل، وخمنت أننا في الطريق إلى الإسكندرية، ثم تأكدت بعد حوالي 45 دقيقة عندما هبطت الطائرة في مطار برج العرب، حيث كانت تنتظرنا سيارة دودچ رام، نصف نقل، على بعد مترين من باب الطائرة كل زجاجها مغلف بلون أسود عدا الزجاج الأمامي".

أين مرسي؟

عندما سأل المحامي المنتدب لمرسي عن مكان احتجازه في الجلسة الأولى لم تجد المحكمة إجابة، وقال المستشار إبراهيم صالح، ممثل النيابة العامة، إنه لا يعلم مكان احتجاز مرسي.

فى الجلسة الثانية للمحاكمة، يوم 1 مارس/ آذار 2014، أي بعد 8 أشهر على عزل مرسي كشف ممثل النيابة أن مرسي كان محتجزًا منذ عزله في وحدة الضفادع البشرية بقاعدة أبو قير العسكرية، سأله المحامي "إذا كانت القاعدة خاضعة لإشراف النيابة العامة والقضاء ومصلحة السجون، لأن ذلك شرطًا وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات، لو ثبت عكس ذلك للمحكمة ستكون جميع إجراءات التحقيق مع مرسي باطلة".

 

خبر من صحيفة الوطن بتاريخ 1 مارس 2014، تكشف فيه النيابة للمرة الأولى مكان احتجاز مرسي

سجن عمومي شديد الحراسة

في 9 نوفمبر 2014، أي بعد عام واحد على مثول مرسي أمام المحكمة، أنهت المحكمة المسألة، عندما أعلنت تسلمها قرار وزير الداخلية الصادر في مايو/ آيار 2013 باعتبار قاعدة أبو قير العسكرية سجنًا عموميًا شديد الحراسة قبل شهرين من انتقال مرسي إليه لتنفيذ قرار حبسه الصادر من النيابة العامة في 5 يوليو 2013، حيث ظل هناك لأربعة أشهر دون الإفصاح عن مكانه.

قبل 3 أيام من عزله خرجت الملاين إلى الشوارع في مظاهرات 30 يونيو/ حزيران للمطالبة برحيله، أذاعت القوات المسلحة في 1 يوليو بيانًا مسجلًا يطلب فيه من القوى السياسية تلبية مطالب الشعب المصري خلال 48 ساعة وإلا سيضع الجيش خارطة طريق بنفسه.

بحسب صحيفة المصري اليوم، غادر السيسي وزارة الدفاع، في 2 يوليو، إلى دار الحرس الجمهوري، للقاء مرسي الذي عرض تغيير الحكومة وإقالة النائب العام وإجراء بعض التعديلات الدستورية، وفي مساء ذلك اليوم، حذّر مرسي في خطاب بثه التليفزيون المصري "من انقلاب الجيش عليه".

لم يكن عرض مرسي كافيًا لتلبية الحد الأدنى من مطالب المتظاهرين في الشوارع، امتلأت الميادين فى القاهرة والمحافظات بالمتظاهرين، حلّقت طائرات الهليكوبتر فوق الميادين حاملة أعلام مصر، وحاصر المتظاهرون قصر الاتحادية وقرروا الاعتصام حتى إسقاط مرسي وجماعة الإخوان المسلمين التي كانت حشدت قبل أسبوع من مظاهرات 30 يونيو، أنصارها في ميداني رابعة العدوية في مدينة نصر والنهضة أمام جامعة القاهرة.

عزل الجيش مرسي في اليوم التالي، وصدرت قبيل إذاعة البيان "أوامر"، لم تنسبها الصحف إلى مصدر، بـ "التحفظ على مرسي تحت الحراسة بأحد منشآت الحرس الجمهوري"، وقالت صحيفة اليوم السابع إن مرسي متحفظ عليه في مكان غير معلوم.

تولى المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية منصب الرئيس المؤقت لحين انتخاب رئيس جديد، وبعد يومين عُيّن مصطفى حجازي، مستشارًا لرئيس الجمهورية للشؤون السياسية.

محمد مرسي في القاعدة

محاولات أمين معرفة إلى أين وجهتهم لم تتوقف "كنت أحاول التدقيق لمعرفة معالم الأماكن التي نسير فيها بعد الخروج من مطار برج العرب، كان السائق يعتذر لنا عن سوء الطريق غير الممهدة. تصورت أننا نتوجه إلى طريق الساحل الشمالي عندما أتيحت لنا الرؤية من الزجاج الأمامي للسيارة، لكن السيارة كانت تمر في طريقها على مناطق شعبية ثم ريفية ثم ترع ومصارف، وانتهت بنا الرحلة داخل معسكر تابع للجيش المصري. عرفنا ذلك من اللافتة على مدخله".

"كانت الساعة الآن قد تجاوزت الواحدة بعد منتصف ليل 27 يوليو 2013، ونحن أمام البحر الآن"، قال ناصر لنفسه "لكن لم أستطع رسم خط الطريق الذي سرنا فيه".  يضيف "نزلنا من السيارة في نهاية المعسكر، ودعانا أحد الضباط للجلوس على طاولة وأخبرنا أنه سيذهب لإبلاغ مرسي بوصولنا، ودخل إلى المبنى المجاور للمكان الذي نجلس فيه".

يصف أمين المكان الذي احتجز فيه مرسي "المبنى كان يطل مباشرة على البحر، وكانت هناك لنشات سريعة متوقفة بجانبه".

لقاء بعد منتصف الليل

"خيم الصمت على المكان وأزاحت الإضاءة الليلية بعضًا من التفاصيل القليلة للمكان، الصوت الوحيد كان صوت أمواج البحر، ولم يقطعه سوى نقاش محتد بين صوت أعرفه لمرسي وقائد الحرس الذي ذهب إليه قبل لحظات. كان مرسي يعترض على المقابلة واحتد بصوت عال قائلًا "أنا رئيس جمهورية ولا يجوز إبلاغي بموعد مقابلة في وقتها".

بعد هذا النقاش خرج قائد الحرس بصحبة السفير محمد رفاعة الطهطاوي، الذي كان يشغل منصب رئيس ديوان رئيس الجمهورية المعزول.

"رحب الطهطاوي بنا، وشكرنا على الزيارة، ودارت مناقشات قصيرة واعتذر لنا قائلًا  إن الرئيس لم يعرف أنكم موجودون. قال لنا إنه علم بقدوم وفد حقوقي لكنه لم يعرف مَن هم، وإنه إذا كان يعرف بوجودكم لأختلف الأمر، أعطوني فرصة خمس دقائق لأبلغه مرة أخرى. قال لنا الطهطاوي ذلك، وعاد مرة أخرى للمبنى المجاور المحتجز فيه مرسي"، يقول أمين.

يضيف المحامي الحقوقي "وفقًا لصلاحيات الوفد يمكننا زيارة مكان الاحتجاز والتأكد من كونه مناسبًا ولائقًا ولا يتسبب في مضايقة للمحتجزين، لكن حرصًا على احترام رغبة الرئيس السابق استجبنا لطلبه واكتفينا بالجلوس خارج المبنى".

يفيد أمين "دخل الطهطاوي وخرج بعد عشرة دقائق دون الرئيس المعزول، وقال لنا إن الرئيس يشكركم على حضوركم لكنه كان يفضل أن يكون الدكتور محمد سليم العوا، محاميه، ضمن الوفد، قلت للسفير رفاعة الطهطاوي أننا لجنة تقصي حقائق حقوقية ولسنا هنا كمحامين، وأن هذه اللجان تتشكل وفقًا للجهة التي تطلب الإذن بالزيارة والتقصي، وليست وفقًا لطلبات الأشخاص، لكنني وعدت الطهطاوي بأن أنقل تلك الرغبة إلى سليم العوا".

صورة جوية بتاريخ 14 أكتوبر 2013 للمكان الذي قالت المحكمة إن مرسي كان محتجزًا فيه

رئيس آخر معزول يرفض

بعثة تقصي الحقائق التي شكلها ناصر أمين تعرضت لموقف مشابه مع رئيس معزول ثانٍ أيضًا. يتذكر أمين "لم أشعر بالضيق وقتها، حدث معي نفس الأمر في زيارة مبارك بعد الثورة، الأمر بالنسبة لي حق شخصي للمسجون أو المحتجَز، وبالتالي لا تجوز زيارته بغير إرادته رغم رغبتنا كحقوقيين في المعرفة والتأكد من عدم تعرضهم لأية انتهاكات جسدية".

يشرح أمين "لهذا النوع من اللجان معياران تجب الموازنة بينهما: الأول هو الحفاظ على حقوق السجين الشخصية ورغبته في عدم مقابلة أي شخص، وبين حقنا في المعرفة أو الاطمئنان على عدم حدوث أي تجاوزات أو انتهاكات. وعند تعارض المعيارين نُعلي قيمة الحق الفردي للشخص المسجون في عدم الزيارة، ونحاول التقصي عن حقيقة الأمور بأية وسيلة أخرى متاحة، ومحاولة إيجاد مصادر موثوق فيها والاستماع لشهادتها. وهو ما حدث في حالة مرسي، عندما استمعنا لشهادة السفير رفاعة الطهطاوي باعتباره كان ملاصقًا للرئيس المعزول، وتعاملنا مع ما أدلى به لنا باعتباره مصدرًا لما حدث".

يقول أمين "أخبرنا الطهطاوي أن مرسي وفريقه من المستشارين والمساعدين نُقلوا من قصر الاتحادية إلى دار الحرس الجمهوري يوم 3 يوليو، وبقوا هناك لمدة يومين".

دار الحرس الجمهوري

بحسب صحيفة المصري اليوم فإن الجيش تحفظ على مساعدي الرئيس المعزول وطاقم مكتبه في دار الحرس الجمهورى، مصادر لم تسمها الصحيفة قالت إن من المتحفظين عليهم عصام الحداد، مساعد الرئيس لشؤون العلاقات الخارجية، وباكينام الشرقاوى، مساعدة الرئيس للشؤون السياسية، وأحمد عبد العاطي، مدير مكتبه، وخالد القزاز، سكرتيره، وأسعد الشيخة، نائب رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وأيمن علي، مستشار الرئيس لشؤون المصريين في الخارج، والسفير رفاعة الطهطاوي، رئيس الديوان.

وأضافت مصادر المصري اليوم أن قرار التحفظ جاء كإجراء وقائي بعد إصدار الحداد بيانًا تحريضيًا.

وفي يوم 5 يوليو خُيّر الفريق المصاحب لمحمد مرسي ما بين تركه أو البقاء معه، فقرر الطهطاوي البقاء معه ثم انضم له أسعد شيخة، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، أما الباقين فغادروا دار الحرس الجمهوري إلى ميدان رابعة.

 

المحرر السياسي للمصري اليوم نشر تفاصيل التحفظ على مساعدي مرسي

إحنا فين

محمد فايق وناصر أمين لم يبدآ الأسئلة، وإنما جاء السؤال الأول من السفير رفاعة الطهطاوي. يقول أمين "أول سؤال سأله لنا السفير رفاعة 'أين نحن؟' أخبرته أننا لا نعرف أكثر من تواجدهنا في مكان قريب من قلب مدينة الإسكندرية داخل قاعدة بحرية تتبع القوات المسلحة".

بعدها سأله أمين وفائق عن ظروف الاحتجاز "أخبرنا الطهطاوي أنالمعاملة جيدة جدًا من الحرس ولم يُقدِم أي شخص على فعل أي شيء خارج ضدنا"، يضيف أمين "أخبرنا أن النيابة حضرت إليهم يوم 16 يوليو، وكان أول تحقيق مع الرئيس، والزيارة الثانية للنيابة كانت في القاعدة البحرية الإسكندرية يوم 24 يوليو".

يقول أمين "كان هناك بعض الضباط يحيطون بنا في المكان المكشوف الذي نجلس فيه مع السفير رفاعة الطهطاوي، فطلبنا منهم الابتعاد قليلًا بحيث يتمكنون من رؤيتنا دون أن يسمعونا، وذلك بغرض إتاحة الفرصة للطهطاوي للحديث بحرية عن أي انتهاكات قد يكونوا قد تعرضوا لها، فوافق الضباط وابتعدوا بالفعل".

يفيد أمين بأن "الطهطاوي كان يريد التحدث في مسائل سياسية لكننا أخبرناه أننا وفد حقوقي، ومهتمون أكثر بالاطمئنان على سلامتهم والإجراءات التي تُتخذ بحقهم، وطريقة التعامل معهم وظروف احتجازهم إن كانت لائقة أم لا. فأعاد مرة أخرى بأن المعاملة معهم في مكان الاحتجاز بالإسكندرية كانت راقية من قبَل الضباط المكلفين بالحراسة. وأن شكواهم تتمثل في وجودهم بمكان لا يعرفونه وبالتالي يصعب الاتصال بأهلهم أو بمحاميهم".

يضيف "أخبرنا الطهطاوي أيضًا أن القنوات المتاحة لهم هي قنوات التليفزيون الأرضي المصري، وأنهم يرغبون في متابعة قنوات أخرى".

يقول أمين في شهادته "قال لنا الطهطاوي إن التحقيقات بدأت صباح اليوم مع الرئيس مرسي الذي رفض الرد على أي سؤال للنيابة وفقًا لحقه الدستوري كرئيس للجمهورية"، يقول ناصر "سألت الطهطاوي إن كان قد خضع للتحقيق وأسعد الشيخة، نائب رئيس ديوان رئاسة الجمهورية وقتها، فقال لنا لم يحدث أي تحقيق معنا". يقول أمين "هذا الوضع الذي حكاه الطهطاوي يكشف أن وضعهم القانوني هو أنهم محتجزون بقرار دون توجيه أي اتهامات، وأنهم لا يعرفون أي شيء عن مصيرهم".

 

صورة جوية بتاريخ  21 مارس 2014 للمكان الذي قالت المحكمة إن مرسي كان محتجزًا فيه، ويظهر فيها ما يبدو إنشاءات جديدة

حصانة رئاسية

"أخبرنا الطهطاوي أن مرسي كان متمسكًا بحقه في عدم الحديث مع النيابة وأن لديه حصانة إجرائية باعتباره رئيسًا للجمهورية، وهناك إجراءات خاصة منحها الدستور للتحقيق مع رئيس الجمهورية، وأخبرنا الطهطاوي أن المحقق أثبت هذه الأقوال في المحضر، وأثبت أن الرئيس رفض الإجابة على أسئلته تمسكًا منه بحصانته كرئيس للجمهورية" يلخص أمين ما رواه الطهطاوي لهما.

يشرح أمين التكييف القانوني لمثل هذه التحقيقات "وفقًا للمعايير الدولية عدم حضور محام للتحقيقات مع المتهم تعتبر مخالفة، لكن وفقًا للقانون المصري فهي ليست مخالفة، إذ يجوز للنيابة التحقيق قبل حضور المحامي أو في غيابه".

يستخلص ناصر من حوارهما مع الطهطاوي أنه "كان يعتقد أنه فقط يرافق الرئيس المعزول، وأعرب لنا عن رغبته في الانصراف بسبب المشاغل العائلية، وتأكدنا وقتها فقط أنه لم يكن مدركًا تمامًا لوضعهم كمحتجزين".

محمد فائق وناصر أمين حضرا في اليوم الذي احتشد فيه ملايين المواطنين في الشوارع استجابة لطلب تفويض وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، لكن السفير رفاعة الطهطاوي لم يستوعب أيًا من ذلك، وهو ما ظهر في الأسئلة الأخرى التي توجه بها لفائق وأمين.

يقول أمين "سألنا الطهطاوي ماذا يحدث في الشارع، أخبرناه أن المتظاهرين خرجوا بكثافة، فأومأ برأسه تأكيدًا على كلامه وقال لنا أيوة طبعًا الشعب لازم يخرج يدافع عن الشرعية. هذه جملة أخرى أكدت لي وضع مرسي ومرافقيه، وأدركنا أنهم في حالة عزلة تامة عما يجري في الشارع".

إيه اللي جابك هنا؟

يضيف أمين "هنا تدخل الأستاذ محمد فايق وقال له 'يا رفاعة فوق، الناس خارجة ضدكم'، فانتبه الطهطاوي ونظر لأعلى ودام صمته لـ 10 ثوان أو أكثر، وعرفنا أنه بدأ يدرك الأمر الذي وضع نفسه فيه، فسأله الأستاذ محمد يا ابني أنت إيه اللي جابك هنا أصلًا".

يضيف أمين "أخبرنا الطهطاوي أن مرسي بصحة جيدة ولا يعاني من أية مشكلة صحية، وأن التأمين يُشعرهم بالارتياح، وأن وجودهم في هذا المكان لتأمينهم خوفًا من اقتحام الجماهير لمكان تواجدهم سواء من المؤيدين أو المعارضين وبالتالي تعريض حياتهم للخطر"، هكذا كانت رؤية الطهطاوي للوضع بحسب شهادة أمين للمنصة.

يقول أمين "استمرت الجلسة مع الطهطاوي لمدة ساعة تقريبًا، وكتبت تقريرًا بعد رحلة العودة مباشرة، ورفعته للدكتور مصطفى حجازي في رئاسة الجمهورية، لم أتحدث فيه عن وسيلة الانتقال العسكرية لأني شعرت أن المسألة كانت خطرة وحساسة بسبب طبيعة التأمين، وقلت إن مرسي ومرافقيه موجودون في أحد المعسكرات التابعة للجيش المصري، وأنه رفض مقابلتنا لكننا التقينا رئيس ديوانه السفير رفاعة الطهطاوي".

يوضح أمين "أنهيت التقرير بمجموعة محددة وواضحة من التوصيات".

وجاء في نص التوصيات التي حصلت عليها المنصة "يوصي الوفد باتخاذ التدابير الآتية كلما أمكن ذلك؛ أولًا: أن يكون احتجاز الرئيس السابق في مكان محدد ومعلوم، وإخلاء سبيل مرافقيه إلا إذا كانت هناك اتهامات محددة موجهة لهم. ثانيًا: تمكين الرئيس السابق ومرافقيه من الاتصال بذويهم وزيارتهم. ثالثًا: العمل على تمكين الرئيس السابق ومرافقيه من الاتصال بمحاميهم والحصول على المساعدة القانونية من محامين يختارونهم". 

يقول أمين "في النهاية لم يلتق مرسي أو مرافقيه إلا ثلاث جهات: منظمة حقوقية محلية، كنت أمثلها والأستاذ محمد فايق، ووفد عن الاتحاد الإفريقي كهيئة قارية، وهيئة دولية هي الاتحاد الأوروبي ممثلة في مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، وقتها، كاترين أشتون، التي التقت مرسي يوم 30 يوليو وخرجت في مؤتمر صحفي في القاهرة قالت فيه إن مرسي بخير ويطلع على الصحف ويتابع التلفزيون، لكنها لم تفصح عن مكانه أيضًا".