من إحدى المظاهرات في العاصمة الجزائر. الصورة: محرز ربيع- بإذن خاص للمنصة

رسالة إلى صديقي الجزائري الذي لم أقابله بعد

منشور الأربعاء 3 أبريل 2019

صباح الخير يا عزيزي

صباح فيه أمل

أتعرف؟ منذ وقت طويل لم تصلنا أخبار تبعث على الأمل، الأمل غاب عنا، ولكن عندما بدأت أخبار تحركات الناس في السودان ثم عندكم في الجزائر، بدأ الأمل يداعبنا من جديد.

كلمات كثيرة غابت عنّا يا صديقي، الشارع، التظاهر، الجماهير، النظام، إسقاط، التغيير.. الثورة.

غابت الكلمات وما تدل عليه الكلمات، تحت ركام أشياء كثيرة، لا داعي لذكرها الآن، فقط كنت أود أن ألقي عليك تحية الصباح.


نحن لا نعرف بعضنا البعض، لكن الفرح بانتصاركم يجعلنا أصدقاء.

نحن هنا انعزلنا بعيدًا عن بعضنا البعض فالهزيمة تصنع العزلة، ويصنع انتصار الناس صداقات مع ناس آخرين ربما يكونوا بعيدين، لكن يشعرون أيضا بالفرح.

تعرف أنت أثر جناح الفراشة؟ أنت وأصدقاؤك صنعتم رفة جناح سعيد، وصلتنا أصداؤه، لذا صرنا أصدقاء.


أكتب لك الآن، كي أتذكر تلك الكلمات التي غابت هنا، وتولد على أيديكم هناك، لا أريد أن أثقل عليك بخبرات زائفة، أو بحكمة المهزومين، ولا أن أجتر حوادث سابقة، فقط أكتب لك كي أرى نفسي هناك، أبتسم في وجه آخرين مبتسمين لأننا شعرنا بالقدرة، وقدرنا بالفعل على أن نغيّر، أن نزيح جسدًا مريضًا جاثمًا على صدور البلاد، وأن نشعر بامتلاك مصائرنا، مصيري ومصيرك ومصير هؤلاء الماشين بجوارنا.

أعرف أن ضمير الجماعة يتغير هذه اللحظة، وبالتأكيد تشعر أنت بهذا الآن، في تلك اللحظة يتغير معنى "نحن" و"أنا" يتمازج المعنيان، يمكنك الآن بسهولة أن تقول "أنا"، "نحن".

في تلك اللحظة يدرك الفرد جمعيته، وتدرك الجماعة فرديتها، تتسع الـ "نحن" لتشمل كل الحالمين بعالم أفضل، صدّقني هناك صديق لك/لنا يبتسم الآن فرحًا في القاهرة، وأسوان، وقفصة، وطرابلس، ودمشق، وصنعاء، وداكار، ولاباز، ولاوس، فرحتك يا عزيزي فرحة لكل هؤلاء.


الثورة.. تلك الكلمة المصيدة، تجذبنا من الكتب في البداية، وإذا حالفنا الحظ، تندلع، وعندما تعيش هناك حيث الثورة، يجتاحك مشاعر وأحاسيس لا يمكن الشعور بها بدون رؤية هذا الجسد الضخم المكون من آلاف يسيطرون على الشوارع.

الجسد الضخم الذي لم نكن نعرف بوجوده، لكنه في تلك اللحظة التي تحركت أنتَ والآخرين فيها وُلد، وكبر، واستطاع أن يزيح الغول.

لست قادما من الغد كي أخبرك كيف سيكون، ولكن ما شاهدته هنا يقول أن الثورة ليست تلك الكلمة التي يوضع بها نقطة نهاية، الثورة هي أول السطر، والسطر هذا لا ينتهي، الثورة صيرورة لا تتوقف، فقط تبدأ، ثم تسير عجلة التاريخ الماكرة، بعد الغول الأول نكتشف باقي الغيلان، والوحوش الجالسين على الكراسي عاليًا، إلى أن نصل إلى وحوشنا القابعين في رؤوسنا، صدورنا، والقابضين على قلوبنا.

وتبقى الثورة هي الرهان على مواصلة الصراع، على كل المستويات. نعم أعرف.. نحن ضعفاء، لكن لحظة إدراك الضعف هي ذاتها لحظة بداية الثورة.

ستمضي الثورة بنا، وسنمضي بها نحن أيضًا، الثورة تجعلنا فخورين، حتى بالجروح النازفة، نفخر أننا فتحناها، وأننا سنشفى منها يوما ما.

سنفخر أننا امتلكنا حكاية، ليست حكاية ساحرات بنهاية سعيدة، ولكنها حكاية فرد خرج يوما ليكتشف، لمّا وجد آخرين بجواره، أنه عملاق، وقادر، على فعل أشياء لم تخطر على باله يوما.

الثورة هي الحكاية المليئة بالصراع التي سنحكيها للأبناء الذين سننجبهم يومًا ما.

هنا نحن لم نمت بعد، ربما تراكم علينا الكثير من الحجارة والأسوار، لكن مع كل رفة فراشة سعيدة، نبتسم، ونعرف أن هناك أملًا في غد مختلف، يصنعه أصدقاء لنا، سيصلنا يومًا، وسنواصل.

عزيزي..

لا أريد الإطالة.. فقط كنت أريد التحية، فلترسل سلامي/نا لكل أصدقائنا هناك، وأبلغهم أنكم رسمتم بسمة غابت عنا منذ سنوات.

دمت/م بخير


اقرأ أيضًا: مدن كرة القدم| هنا وهران.. أهازيج الكرة والراي والثورة


 

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.