من مظاهرات الخرطوم. الصورة: التغيير الآن- تويتر

تجمع المهنيين في السودان.. قاطرة الثورة على البشير

منشور الاثنين 1 أبريل 2019

منذ ثلاثة أشهر ومع اندلاع الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتنحي الرئيس السوداني عمر البشير ونظامه عن الحكم، ينتظر السودانيون حتى الحادية عشر مساء كل خميس، إعلان تجمع المهنيين السودانيين جدول ومواقيت المواكب الاحتجاجية في العاصمة وبقية المدن.

تولى تجمع المهنيين السودانيين، منذ 25 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، هذه المهمة بعد تنظيمه أول وأكبر موكب في السودان. ذهب الموكب يومها للقصر الرئاسي في وسط الخرطوم لتسليم مذكرة تنحي، ومنذ ذلك التاريخ كسب التجمع النقابي ثقة السودانيين الراغبين في التغيير. يتولى هندسة مواقيت الاحتجاجات عبر جداول ينشرها على فيسبوك وتويتر.

يعرّف التجمع نفسه بأنه امتداد لتاريخ طويل للمهنيين السودانيين وللمحاولات التي لم تستمر بسبب تضييق السلطة وحرمان المهنيين من حق التكون النقابي، وقد كانت هنالك محاولات تاريخية عديدة لتكوين أجسام للمهنيين تدافع عنهم وتعمل على تحسين وضعهم أبرزها تجربة تكوين جسم تحالفي للمهنيين في 2012 ثم 2014.

ويضم تجمع المهنيين حاليا ثمانية كيانات بينها ميثاق وأهداف مشتركة تم إعلانها في منتصف 2018، مع وجود عدد كبير من الكيانات المهنية التي أعلنت دعمها للتجمع في انتظار الانضمام الرسمي، حسبما تذكر صفحته على فيسبوك، تحت مظلة التجمع حاليا. 

وهذه الكيانات هي لجنة المعلمين ولجنة أطباء السودان المركزية والتحالف الديمقراطي للمحامين وشبكة الصحفيين السودانيين ورابطة الأطباء البياطرة الديمقراطيين وتجمع أساتذة الجامعات ونقابة أطباء السودان الشرعية ولجنة مبادرة استعادة نقابة المهندسين ولجنة الصيادلة المركزية وتجمع المهندسين السودانيين وتجمع التشكيليين السودانيين وجمعية اختصاصي الإنتاج الحيواني وتجمع ضباط الصحة.

وشكلت النقابات الموازية التي تشكلت في السودان منذ أن قرر البشير غداة انقلاب 1989 تشكيل اتحاد عام لنقابات السودان يضم النقابات المهنية وجميع قياداتها أعضاء في حزب المؤتمر الحاكم، ومع سيطرة الاتحاد على العمل النقابي لجأت اجسام مهنية عديدة لتكوين نقابات موازية وخاطت معارك منفصلة عديدة.

اقتصرت وثائق تأسيس التجمع في ديسمبر الماضي 2018 على رفع مطالب تهم المهنيين والعمال، فأعد مذكرة لتحسين الأجور، ثم نظم وقفة احتجاجية أمام اتحاد العمال وسط العاصمة، وأعلن عن موكب مذكرة الأجور للبرلمان في 25 ديسمبر، وقبل حلول الموعد المعلن لتسليم المذكرة إلى البرلمان السوداني، بدأ الحراك العفوي في عدد من مدن البلاد أبرزها مظاهرات مدينة عطبرة العمالية شمالي البلاد في 19 ديسمبر بعد مضاعفة أسعار الخبز، وهي المظاهرة التي واجهتها قوات الأمن بعنف أو واجهت قوات الأمن المتظاهرين بعنف مفرط أدى إلى مقتل ثمانية متظاهرين في المدينة وضواحيها.

فكّر التجمع على الفور بعد أن سبقته الجماهير إلى الشوارع رافعة سقفها برحيل النظام، في تغيير وجهة موكبه المعلن وغرضه من أمام البرلمان إلى القصر الرئاسي وتسليم مذكرة لتنحى الرئيس البشير عن الحكم. هذا الموقف دعمته قوى سياسية معارضة عديدة أبرزها الحزب الشيوعي السوداني، وحزب الأمة، والمؤتمر السوداني بتوجيه قواعدههم للمشاركة في موكب التنحي. 

تدفق الآلاف في يوم 25 ديسمبر مستجيبين لدعوة التجمع بالتظاهر وسط العاصمة وتسليم مذكرة التنحي إلى القصر الرئاسي، واحتشدوا في مواكب متعددة انتهت جميعها وسط المدينة، قبل أن تفرقهم قنابل الغاز والاعتقالات. 

كيف انتقل التجمع لقيادة الشارع

مساء 25 ديسمبر أصدر التجمع بيانا لتقييم لموكب التنحي قال فيه إن السلطات قد منعته وآلاف السودانيين من الوصول إلى القصر وتسليم مذكرة الرحيل، حيث حشد النظام قواته العسكرية والأمنية والمدرعات الثقيلة واستخدم الرصاص الحي.

نقطة التحول كانت بتأكيد البيان أنه "لم يكن هدفنا على الإطلاق هو أن نصل للقصر الجمهوري لكي نسلم مذكرة لسلطة تقتل المتظاهرين، بل كنا نعمل على تحقيق ما حدث وبكل جدارة وقوة - أن نتوحد جميعًا - قلنا كلمتنا معًا وعبرنا بصوت عال عن إرادتنا الشعبية الموحدة". قبل أن يدعو لموكب لاحق في 31 يناير/ كانون الثاني وحقق نجاحًا بعد أن احتشد الآلاف في شوارع العاصمة السودانية مطالبين برحيل نظام البشير.

 

من مظاهرات السودان. الصورة: أمل أبو عيسى- تويتر

سارع التجمع في ظل تطورات الشارع إلى تبني إعلان سياسي هو "إعلان الحرية والتغيير" أبرز مطالبه هو التنحي الفوري للرئيس البشير عن الحكم دون قيد أو شرط، الأمر الذي أيدته قوى المعارضة الرئيسية المسلحة والمدنية ووقعت عليه.

قيادة سرية

مع تطورات الأحداث، أعلن تجمع المهنيين عن اعتقال عدد من قيادته بالداخل، بينهم أمينه العام، محمد ناجي الأصم ومحمد يوسف أحمد المصطفى، وأحمد ربيع.

ومع اكتساب التجمع ثقة السودانيين والاستجابة لكل دعواته في التظاهر أو تنظيم الوقفات الاحتجاجية طالت يد السلطات الأمنية القيادات العلنية الثلاث للتجمع، وآخرين، باتهامات ذات صلة بأنهم من يقودون التجمع بالداخل.

وتقول المتحدثة باسم التجمع في الخارج، نهى الزين، لـ المنصة، أن من يقودون التجمع هم تشكيل يتكون من أشخاص وطنيين وكفاءات يؤمنون بأن العمل في قيادة التجمع يجب أن يكون يدًا بيد مع القوى السياسية الأخرى الموقعة على إعلان الحرية والتغيير الذي أقره تجمع المهنيين وتنفيذ مطالب الشعب في تنحي الرئيس البشير ونظامه.

وتضيف الزين أن "الإشكالية تظل قائمة في الإعلان عن قيادات التجمع النقابي بالداخل وما يتوقع ان يتعرضون لمخاطر امنية كبيرة بالاعتقال". وزادات "بالفعل هناك عدد كبير من قيادات التجمع بالداخل في المعتقلات بينهم محمد ناجي الاصم ومحمد ربيع هذا زائد عدد كبير من الحلفاء السياسيين، وبالتالي ليست لدينا نحن في التجمع ثقة في النظام".

كيف اكتسب التجمع ثقة السودانيين

هناك أربعة أسباب ترى المتحدثة باسم التجمع نهى الزين، أنها أدت إلى تمكُن تجمع المهنيين من قيادة المظاهرات التي تنتظم المدن السودانية في الفترة الماضية "وما زال التجمع يواصل فيها بعد موافقة جموع السودانيين على استخدام كل الأساليب السلمية لإسقاط النظام، وأبرز هذه الأسباب وفقا للزين، هي انحياز التجمع ومنذ البداية الى مطالب الشعب السوداني بالحرية والتغيير من بداية الاحتجاجات وربط مصيره بكرامة الشعب السوداني، هذا إلى جانب أن رؤى التجمع لا تشمل أية طموحات قيادية أو مادية وإنما هي تكليف لتخطيط وتنفيذ ما تقتضيه كفاءته وقدراته وفق إشارة الشعب وقيادته المتوافق عليها".

وتابعت الزين قائلة إن "السبب الثالث، هو وجود التجمع بين الشعب السوداني في الميادين كتفا بكتف مع الثوار، ونحن الآن في الشهر الثالث للانتفاضة يواصل التجمع عمله مع الشعب السوداني، وهذا ما جعله قادرا على قراءة الحراك الجماهيري وتنظيم مواكب متعدده خلال كل أسبوع".

وأضافت أن "السبب الرابع والأخير، فإن التغيير الذي نعمل لإنجازه يتطلب عملًا مرحليًا أثناء مطالبتنا السلمية وصولا للهدف، وعليه كان الحرص بان يكون لدينا ميثاق مع القوى السياسية والذي وسمناه بميثاق أو إعلان (الحرية والتغيير) وهذا تزامن مع الشهر الأول من الحراك الجماهيري". وتضيف الزين "كل هذه الأسباب مجتمة أعطت التجمع ثقة الشعب واستجابة الشارع السوداني لكل ما يدعو له من مظاهرات أو وقفات احتجاجية وغيرها".

واشارت الى انه احد وسائلهم الاضراب العام، وتعتبره الزين، نقلة نوعية في الوسائل السلمية التي نتبعها لاجل اسقاط النظام مع جدول التظاهرات والمواكب التي لن تتوقف وانما وسيلة أخرى بدأ تبنيها في اتجاه التطور  النضالي وصولا للعصيان والاضراب السياسي.

وتشير الزين،  إلى أنه "ونتاجًا لما يحدث من احتجاجات منذ 19 ديسمبر الماضي، بدا واضحا أن الحكومة أُرهقت تماما وشلت فاعليتها بدليل إعلان البشير الطورائ والعودة مجددا للحكم العسكري، في مقابل تنوع أشكال المقاومة، وأن الاحتجاجات في البلاد لن تنحسر وعلى العكس إن التجمع يكسب يوميًا قوىً تحالفية جديدة".

وتوضح الزين الى مطالب التجمع في بداية الثورة، كانت تحسين الوضع المعيشي وزيادة الأجور وتوفير الحد الادنى لحياة كريمة "لكننا نعلم أن هذا مرتبط بالسياسات الاقتصادية الموجودة في البلاد، وطالما أن هذه السياسات التي يضعها النظام أثبتت فشلها خلال الثلاثين سنة الماضية وقادت إلى تدهور اقتصادي غير مسبوق، أصبحت هناك ضرورة لإصلاح اقتصادي شامل وهذا غير ممكن في ظل النظام الحالي وبالتالي إسقاطه".

وتقول الزين "مطلبنا منذ البداية لم تقتصر على الإصلاح الاقتصادي فقط بل تتصل بإعادة الديموقراطية وتحقيق مجتمع حرية وعدل ومساواة".