غيبوبة الكائنات.. عن تامر عبد المنعم وأحمد بدير وأشياء أخرى

منشور الاثنين 22 فبراير 2016

 

في عام 2003 ذهبت إلى إحدى دور العرض لمشاهدة فيلم "المشخصاتي". في السينما وجدت عددًا من المشاهدين لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وبعد أقل من نصف ساعة اكتشفت أن أقربهم إليَّ غرق في نوم عميق في الفيلم الذي لم أسمع أثناء عرضه قهقهة أو حتى ضحكة واحدة رغم أنه "فيلم كوميدي".

بعد 13 عامًا، شهدت نفس الموقف كالعود الأبدي وكأن مكتوبًا علينا أن نطالع مثل هذا الهراء المحض وذلك أثناء مشاهدتي للجزء الثاني من "المشخصاتي".

بحكم اهتمامي بالسينما أشاهد كل الأفلام تقريبًا، لذلك قررت خوض التجربة ومشاهدة الفيلم، الذي لم يستطع حصد أكثر من 20 ألف جنيه في أول أيام عرضه، وهو مبلغ ضئيل جدًا مقارنة بأي فيلم في تاريخ السينما المصرية. 

طُبِع من الفيلم حوالي 40 نسخة وزعت على دور العرض المختلفة بأنحاء الجمهورية، وبعملية حسابية بسيطة سنجد أن ذلك يعنى أن 3-5 مشاهدين قد شاهدوا الفيلم في كل حفل في كل صالة عرض، ما يبين مدى وعي المشاهد المصري وتوقعاته بأن الفيلم لن يقدم له جديدًا، وأن أي شخص سيشاهد إعلان الفيلم أو أفيشه يستطيع التأكد من أنه فيلم متواضع للغاية.

 

غيبوبة أحمد بدير

نهاية العام الماضي ذهبت لمشاهدة مسرحية "غيبوبة" في مسرح السلام، ولأن الصالة كانت خاليةً تقريبًا، فقد طلب منّا العاملون في المسرح الجلوس في أول ثلاثة صفوف، فقدمت من مقعدي الخلفي -وقد كنت اشتريت تذكرة منخفضة الثمن- إلى المقاعد الأمامية، لأشاهد مسرحية من أسخف المسرحيات التي شاهدتها في حياتي.

ينفرد الممثل أحمد بدير بالعرض، يقف فوق خشبة المسرح ويلقي بالسخافات على الحاضرين وعلى أقرانه من الممثلين، يسخر من ثورة 25 يناير وممن قاموا بها، ويصف مرحلة ما بين 25 يناير/كانون الثاني 2011 و30 يونيو/حزيران 2013 بأنها غيبوبة للشعب المصري، ما دعا الناس، إضافة إلى هجرها في المسرح السابق ذكره، يرفضون عرضها في عدة محافظات بسبب سخافتها أكثر منه بسبب دعايتها السياسية المتناقضة والمتهافتة.

 

البروباجندا الرخيصة

بعد الثورات، تفوح دائما الروائح الكريهة المحملة بالبروباجندا أو الدعاية السياسية. مثل ذلك الفيديو الدعائي الذي أخرجته المخرجة ساندرا نشأت مطلع عام 2014 للحض على المشاركة في الاستفتاء على الدستور.

بعدها عمدت جهات مسؤولة إلى إعادة إحياء فكرة سلسلة أفلام إسماعيل يس الكوميدية والدعائية للجيش ولكن بشكل معاصر وهو ما حدث في فيلم فاشل فنيا وجماهيريا وهو "أسد سيناء" 2016.

ولكن اليوم نرصد هذه البروباجندا الرخيصة في الجزء الثاني من "المشخصاتي" 2016 من بطولة (مطلقة) وتأليف وإنتاج تامر عبد المنعم.

 

 

البروباجندا ليست عيبًا بل العيب هو..

الأفلام أو الأعمال الفنية التي يمكن تصنيفها بالبروباجندا ليست عيبا في حد ذاتها ولكن الأزمة في جودة هذه الأعمال أو بالأحرى إمكانية تصنيفها لتكون فنا بالأساس.

وإذا أردنا تعريف فيلم البروبجاندا فدعونا نستعير كلمات المؤرخ تود بينيت الذي يقول أنها "أفلام هدفها إقناع المشاهدين بفكرة سياسية أو أيديولوجية محددة أو التأثير على آراء أو سلوك المشاهدين وذلك بعرض محتوى غير موضوعي والذي يكون مضللا عن عمد".

ومن أشهر الأفلام التي تنتمي إلى هذه النوعية فيلم المخرجة الألمانية ليني ريفشنتال "انتصار الإرادةTriumph of the Will " 1934 وفيلم المخرج الروسي سيرجي أيزنشتاين "المدرعة بوتمكين" The Battleship Potemkin 1925 و"أكتوبر" October 1928 وفيلم المخرج والممثل البريطاني شارلي شابلن "الدكتاتور العظيم"  The Great Dictator 1940.

الفيلم الأخير بالذات كوميدي ينتمي إلى نفس النوعية من الأفلام التي ينتمي إليها فيلم "المشخصاتي 2"، إلا أن فيلم شابلن يتميز بأنه جيد من الناحية الفنية وأيضا له نسق فكري محدد وواضح قد تتفق معه أو تختلف ولكنك لا تستطيع أن تنكر أنه متسق مع محتواه وتقنياته.

 

https://www.youtube.com/embed/4sfJxdytYn4

الملاحظ على الأمثلة التي ذكرتها أنها جميعا أفلام ذات فنيات عالية على الرغم من أنها أفلام دعائية تريد أن توجه الجمهور إلى أفكار سياسية محددة ولكني بالتأكيد ذكرت فقط الأعمال الجيدة وأغفلت آلاف الأفلام الدعائية التي صنعت حول العالم التي نسيها التاريخ لأنها – ببساطة - سيئة فنيا.

أخيرا، أقول أن المشكلة التي تواجه مجتمعنا وتواجه صناع السينما بعد ثورة يناير هي أن مثل هذه الأفلام/ الخطاب قد تنجح إذا لما تقابلها أفلاما/ خطابا مضادا يقوم بعمل جدل فني وفكري، على الأقل حتى لا ينساق المشاهدون والمجتمع بشكل عام لتصديق والاقتناع بهذا الخطاب السائد الذي تصر جهات معينة على دعمه ونشره واستمراره. فحتى لو فشل "المشخصاتي2" في السينما – وهو أمر محسوم الآن - فسوف تعرضه وتحتفي به القنوات التليفزيونية الداعمة لهذه الأفكار السياسية ليل نهار. فنحن جميعا نعرف أن السينما مثلها مثل أي جنس فني آخر، ليست مجرد وسيط للترفية والتسلية فقط بل تجمع بين الترفية والرؤية التي يصبو صناع الفيلم إلى إيصالها للمشاهدين.