خيارات معارضي التعديلات الدستورية: مليونية توقيعات.. وطعون قضائية على الاستفتاء

منشور الخميس 28 فبراير 2019

أعادت مقترحات تعديل الدستور المصري التي وافق عليها مجلس النواب مبدئيًا مطلع هذا الشهر الحياة إلى المشهد الحزبي في مصر بعد سنوات من الركود، إذ بدأت الأحزاب الرافضة للتعديلات تحركاتها وسط حصار أمني إذ يواجه أربعة من أعضاء حزب الدستور تهم الانضمام إلى "جماعة محظورة" بعد القبض عليهم أثناء مشاركتهم في حملة لجمع توقيعات ترفض التعديلات المقترحة.

وأعلنت الحركة المدنية الديمقراطية والتي ينضوي تحت لوائها عدد من الأحزاب هي الكرامة والتحالف الشعبي الاشتراكي والدستور والمصري الديمقراطي ومصر الحرية و الاصلاح والتنمية والعدل والعيش والحرية (تحت التأسيس) معارضة التعديلات، كما أعلنت أيضًا أحزاب الاشتراكي المصري والوفاق القومي الموقف نفسه من مقترحات التعديل.

بدأت الحملة نخبوية وسرعان ما حققت نجاحا لافتا لتتحول إلى حالة شعبية تضم آلاف التوقيعات لمواطنين مصريين عاديين. بجانب أعضاء سابقين في لجنة الخمسين هم الدكتور عبد الجليل مصطفى والمهندس محمد سامي والفنان التشكيلي محمد عبله والمخرج خالد يوسف وأحمد عيد وعمرو صلاح و وزاء سابقين هم أحمد البرعي وحسام عيسى وعمرو حلمي وكمال أبوعيطة وشخصيات عامة منها نقيب المهندسين السابق طارق النبراوي ونقيب الصحفيين السابق يحيى قلاش وأسامة الغزالي حرب والمخرج داوود عبد السيد وأستاذة الإعلام عواطف عبد الرحمن ونائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان عبد الغفار شكر وآخرين.

    و أسفرت تحركات التصدي لهذه التعديلات عن عدد من المسالك يعتزم خوضها بينها مسار قانوني وآخر للتوعية والتثقيف، فيما أطلقت الحركة المدنية خلال الفترة الماضية حملة لجمع توقيعات للرافضين للتعديلات، نجحت في جمع 30 ألف توقيع. 

    ولكن نيابة أمن الدولة العليا أول أمس الاثنين قررت حبس أربعة من أعضاء حزب الدستور 15 يومًا شاركوا في حملة جمع هذه التوقيعات، بعد أيام من اختفائهم قسريًا من عدة مناطق في الجمهورية، قبل ظهورهم في مقر نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس، وتوجيه الاتمجهام لهم بالانتماء لجماعة محظورة. 

    اتحاد الدفاع عن الدستور

    كما نتج عن الجهود الرامية لرفض التعديلات تدشين اتحاد الدفاع عن الدستور خلال شهر فبراير/ شباط الجاري، والذي يضم عددًا من الأحزاب المدنية والشخصيات العامة في إطار حملة هادفة لمواجهة التعديلات الدستورية وتجميع كل الطاقات والجهود الرافضة للمساس بالدستور و بخاصة تلك المواد المحصنة غير القابلة للتعديل والمتعلقة بمدد وفترات الرئاسة والتي تمس مبدأ التداول السلمي للسلطة الذي أقره دستور 2014.

    يضم الاتحاد نحو 12 حزبًا، هي أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية، بجانب أحزاب أخرى هي حزب المحافظين وحزب الوفاق القومي وحزب الاشتراكي المصري وحزب المؤتمر الناصري العام (تحت التأسيس)، ومازال المجال مفتوحا لمشاركات أوسع. إذ تسعى القوى المعارضة إلى مزيد من التوسع والانتشار.

    وانضمت إلى الاتحاد أخيرًا الجبهة الوفدية لمعارضة تعديل الدستور، التي أسسها ويقودها النائب الوفدي محمد عبد العليم داوود، إذ انقسم حزب الوفد إلى جبهتين إحداهما تتوافق مع التعديلات الدستورية يتزعمها رئيس الحزب بهاء ابو شقة، فيما أعلن المعارضون من الحزب للتعديلات الدستورية تأسيس هذه الجبهة، وشددوا في بيان على "رفض جموع الوفديين للتعديلات الدستورية"، مطالبين الهيئة الوفدية لعقد جمعية عمومية طارئة للتصويت على التعديلات الدستورية.


    اقرأ أيضًا: يوميات صحفية برلمانية| 20 تعديلًا: 12 عامًا للرئاسة بعد المُدتين.. والجيش يصون الدستور والديمقراطية 


    تحركات مبكرة

    ويرى معارضو التعديلات الدستورية أن المطلوب هو احترام الدستور وتطبيق مواده واختبارها أولًا قبل طرح تعديلها، ويحذرون من أن التعديلات ستهدر مبدأ تداول السلطة بشكل سلمي ويطرح سابقة تاريخية غير مسبوقة بتعديل دستور أقر بنسبة تتجاوز 97% بعد مرور أربع سنوات فقد على إقراره. 

    وقال رئيس حزب التحالف الاشتراكي الشعبي مدحت الزاهد لـ المنصة إن تحركات الأحزاب المدنية المعارضة لرفض التعديلات الدستورية بدأت مبكرا حددت خلالها موقفها المبدئي بعد إطلاق الدعوات لتعديل الدستور وهو "لا للعبث بالدستور" لأن التعديلات لم تحدث بشكل مباغت بل جرى التمهيد لها خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

    ويرى الزاهد أن "هذه التعديلات تأتي كتطور سياسي مفهوم ومكمل للمناخ السائد والهادف لاغلاق المجال العام وتأسيس حكم سلطوي في قبضة الحاكم وتوحيد كل مؤسسات الدولة تحت هيمنته وضرب فكرة الدولة المدنية والديمقراطية، و مبدأ توازن السلطات وتأكيد ما رفضناه في كل العهود وهو معصمومية الحاكم سواء في الصلاحيات أو المدد الرئاسية وهو ما تأسس عليه موقفنا، ومن ثم شاركنا في الدعوة لتأسيس اتحاد الدفاع عن الدستور كي يكون هناك مظلة أوسع لكل القوى الرافضة للتعدي على الدستور".

    وحول الخطوات المقبلة التي ستنتهجها القوى المدنية لمواجهة التعديلات الدستورية كشف الزاهد لـ المنصة أن "المستهدف هو توسيع هذه الحملة الى آخر مدى لتكون حملة المليون توقيع، وهناك مزيد من الحراك الذي تقوم بها الحركة عبر أنشطة توعوية وثقافية والتي تتسع لها ندوات الاحزاب والدراسات القانونية والسياسية وتباعا سيكون هناك جدول بالمناقشات التي ستحدث بالتبادل بين الأحزاب حول الجوانب المختلفة للمساس بالدستور، وفي نفس الوقت مستمرين في التفاعلات لتكوين جبهة أوسع تضم أعضاء من لجنة الخمسين وكتلة 25/30 البرلمانية، إضافة إلى شخصيات عامة واتحادات نقابية وأحزاب سياسية ومواطنين من مختلف الأطياف".

    ونوه لأن "أمامنا شهران من العمل الشاق لأن نصنع كتلة ومع مرور الوقت ستبلور الموقف الخاص بالمشاركة أو المقاطعة والميل الأبرز حتى الآن هو المشاركة والتصويت بـ لا، وثمة وجهة نظر ترى أنه بما إن التعديلات غير دستورية فإذن الموقف هو المقاطعة لأن الاستفتاء غير دستوري".

    وكشف الزاهد كذلك أن الاتحاد سيلجأ إلى "المسار القانوني والعمل على إعداد الدفوع القانونية الواجبة وثمة محامين بادروا برفع طعون، وتعكف هيئات قانونية وكبار خبراء القانون الدستوري لدراسة هذه الملفات، ولكن ربما الجانب الغالب هو الانتظار حتى اتخاذ قرار بالدعوة إلى الاستفتاء باعتباره قرارًا إدرايًا، فيمكن التدخل حينها بالطعن على أساس ان هذه الدعوى قائمة على الاعتداء على الدستور".

    وأضاف "نحاول تطوير أدواتنا الإعلامية لأن الإعلام الحكومي وحتى الخاص مفتوح لوجهة النظر الرسمية فقط دون اتاحة الفرصة للمعارضين، مشددا أن الحصار الذي تواجهه كل القوى التي تعارض تعديل الدستور، لن يثنيها عن المُضي في خطواتها وتحركاتها".

    تفعيل نشاط الدفاع عن الدستور

    وأكد الرئيس السابق لحزب الدستور والقيادي بالحركة المدنية الديمقراطية خالد داوود لـ المنصة أن "حملة جمع التوقيعات الرافضة للدستور مستمرة، بجانب تفعيل نشاط اتحاد الدفاع عن الدستور، شارحا أن الهدف من هذا الاتحاد هو توسيع نطاق المعارضين للتعديلات الدستورية خارج التحالفات التقليدية الموجودة على الساحة السياسية خلال الفترة الماضية و بغض النظر على الاختلافات السياسية القائمة، فالحركة المدنية الديمقراطية معظمها مكون من أحزاب معارضة للسلطة منذ البداية، بينما هناك أحزاب يفترض أنها مؤيدة للسلطة الحالية والرئيس عبد الفتاح السيسي ومنها حزب المحافظين، بجانب شخصيات عامة تؤيد الرئيس لكن كل هذه الأطراف لا تقبل المساس بالدستور، ومن ثم نتفق فقط على رفض تعديل الدستور".

    وأضاف داوود أنه سيكون هناك تنسيق مع كل الجهات الرافضة للتعديل ومنها الاستعانة بنواب 25/30، وعند تمرير التعديلات عن طريق مجلس النواب كما يتوقع الجميع، سنعمل على التنسيق القانوني، واللجوء إلى محكمة القضاء الاداري ثم المحكمة الدستورية للطعن على صحة هذه القرارات.

    وأشار إلى إلى أنه ستجري الاستفادة قدر الإمكان من وسائل التواصل الاجتماعي المتوفرة "نظرا لكوننا محرومين من شرح وجهة نظرنا في الإعلام المحلي من أجل حشد الناس على الأقل للتوصيت بـ لا فهناك توجهات تدعو لمقاطعة لاستفتاء لكن أرى أن التوجه أكبر نحو الدعوة للمشاركة والتصويت بـ لا على أساس ان يكون هناك رسالة واضحة للنظام ان هناك عدم رضا عن التوسع بشكل غير عادي ليس فقط في مدد الرئاسة ولكن في سلطات الرئيس والحق في تعيين القضاة والنائب العام وغيره، و تلك هي الخطة والنهج الذي نعمل عليه على المدى القصير".

    وتواجه الاحزاب والمعارضة حصارًا أمنيًا وإعلاميًا بالغًا، فهي محرومة من إقامة الفعاليات الجماهيرية لشرح أسباب رفضها للدستور للرأي العام، وغير مسموح لأعضائها بالظهور عبر وسائل الإعلام الحكومي أو الخاص، وحتى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لشرح وجهة نظرها بات أمرًا محفوفًا بالمخاطر، وهو ما يؤكده داوود بقوله "وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت خطيرة فهناك من يتم القاء القبض عليهم بشكل رئيسي بسبب ما يكتبونه على مواقع التواصل الاجتماعي".

    ويرى خالد داوود أرى ان حملة جمع التوقيعات مرضية نسبيا حتى الآن مستدركًا "لكن ما زال امامنا الكثير من العمل لتوسيع حملة التوقيعات لأن المواطنين يبدون تخوفا، إضافة إلى الدعوات الداعية لمقاطعة الاستفتاء في ظل انتشار حالة اليأس والاحباط المتصاعدة لدى قطاع من المواطنين يرون أنه لا طائل من تلك التحركات وأن السلطة ستفعل ما تريد في النهاية وهذا النوع من الخطاب يلقي بأثره على الحملات التي نقوم بها، ويبث الاحباط، بينما نرى أن معركة الدستور من اكثر المعارك التي يمكن ان يكون لها جاذبية لدى قطاع عريض، لأنها لا ترتبط بدعم أو رفض الرئيس السيسي لكنها تتعلق باعتقاد الجميع انتهاء فكرة الرئيس الأبدي بعد قيام ثورة 25 يناير وموجتها 30 يونيو، و العودة لذات النهج استفز الكثيرين".

    وأضاف داوود أنه "خلال الحملة الاخيرة لجمع التوقيعات، التي بلغت حتى الأن نحو 30 ألف توقيع، تلقينا رسائل كثيرة من مواطنين عاديين يسألون حول مدى تعرضهم لمخاطر الحبس في حال وقعوا على وثيقة رفض التعديلات، فمن المؤسف أن أجواء التخويف التي نعيشها تجعل الكثيرين يشعرون بالقلق من المشاركة وهو ما دفعنا لنشر توقيعات تضم أسماء شخصيات عامة وشهيرة في محاولة لتشجيع المواطنين وبث الطمأنينة بداخلهم، فقد يتم القبض على المئات ولكن لا يمكن القبض على الآلاف أو مليون شخص إذا وصلت التوقيعات لهذا العدد".


    اقرأ أيضًا: تداول السلطة كل ثماني سنوات: وعود رئاسية تبخرت تحت قبة البرلمان