سيارة قديمة في منطقة سور مجرى العيون بالقاهرة. الصورة: بول كيلر- فليكر، مفتوحة المصدر

سيوف المستهلكين في شمال أفريقيا من "خليها تصدّي" إلى "خليها تريب"

منشور الأربعاء 23 يناير 2019

منذ إطاحة المصريين برأس نظام الحكم في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011؛ لم تستطع مجموعة أو هيئة على القيام بحملة تغيير فعّالة على مستوى الاقتصاد تشبه ما حدث في السياسة رغم التقلبات الاقتصادية الحادة التي عانى منها المصريون، خاصة في الأربع سنوات الأخيرة.. حملة "خليها تصدّي"، ربما تكون بداية لشيء مختلف.

نقل موقع صحيفة أخبار اليوم عن عدد من تجار السيارات، تكدس الموانئ بالسيارات الجديدة الأمر الذي  اضطرت معه الإدارات الجمركية إلى استخدام الطرق والساحات والكباري المحيطة بمنافذ الجمارك كساحات انتظار كبرى، بسبب ركود حركة البيع والشراء. ووصلت تخفيضات أسعار بعض موديلات سيارات مرسيدس إلى نصف مليون جنيه، بينما وصلت أقل نسبة تخفيضات على عدد آخر من الموديلات إلى 50 ألف جنيه.

بالأمس؛ نفى أمين عام رابطة مصنعي السيارات خالد سعد في مداخلة هاتفية مع الإعلامية عزّة مصطفى على قناة صدى البلد عن حملة دشّنها مجموعة من الشباب لمقاطعة السيارات التي لم تتحرك أسعارها بعد بدء سريان قرار إعفاء السيارات الأوروبية من الجمارك المصرية. "السوق مش واقف علشان حملة خليها تصدى، ولكن الجزء الذى ينتظر حدث تخفيض أم لا، وهم يمثلون 70 %"، حسبما قال سعد.

في المقابل؛ قال رئيس رابطة تجار السيارات أسامة أبو المجد إن الحملة أصابت سوق السيارات بركود كبير، ما أدى إلى خفض الوكلاء والمستوردين لحصصهم لحين استقرار السوق.

حملات فاشلة

خلال الثماني أعوامٍ الماضية، وحتى قبلها، قاطع المصريون اللحوم والخضراوات والفاكهة، دون نتائج كبيرة. 

ينتشر مراسلو الصحف لتغطية الأسواق الخالية من الزبائن في بعض الأحيان، لكنهم قليلًا ما وجدوا استجابة من جانب التجّار لطلبات المستهلكين، أقرب مثال على ذلك حملة "خليها تحمض" التي دُشنت العام الماضي اعتراضًا على غلاء أسعار الفاكهة، والتي تزامنت بدايتها مع عيد الأضحى حيث يقل تواجد المعروض من الفاكهة.

في سبتمبر/أيلول الماضي، تحدث رئيس شعبة الخضراوات والفاكهة بالغرفة التجارية بالقاهرة، يحيى السنّي لموقع مصراوي عن عدم تأثر التجّار بالحملة، ذلك أن المعروض من الفاكهة وقتها كان أقل من العادي لقلّة المحصول "مافيش فاكهة في السوق أصلا عشان تحمض أو تعفّن".

صنع في الجزائر

في مارس/آذار 2018؛ خرجت حملة جزائرية باسم "خليها تصدّي" اعتراضًا على المبالغة في تسعير السيارات التي يأتي أغلبها من مصانع التجميع المحلية، بعد قرار الحكومة الجزائرية منع استيراد السيارات بهدف تشجيع إنشاء هذا النوع من المصانع.

وقتها خرج الهاشتاج #خليها_تصدي بعد نشر وزارة الصناعة الجزائرية أسعار السيارات عند خروجها من المصنع، ليكتشف الجزائريون فوارق في السعر تصل إلى أكثر من 13 ألف دولار في بعض الموديلات، في وقت يستفيد فيه أصحاب مصانع التجميع من إعفاءات جمركية وضريبية، بينما يشتكي المواطنون من استغلال الموردين والمصنّعين لحالة الندرة التي خلقها قرار منع الاستيراد، بهدف المضاربة في أسعار السيارات.

حينها، تحدّث رئيس جمعية حماية المستهلك الجزائرية لموقع أصوات مغاربية عن الحملة والظروف المحيطة بتدشينها قائلًا "مثل هذه الحملات تعتبر أمرًا منطقيًا ومحصلة طبيعية بالنظر إلى السكوت الذي ميّز أداء الجهاز التنفيذي، بجانب الوضع المتقلب في العديد من المجالات الاقتصادية في الجزائر، ومنها سوق السيارات".

نهاية سعيدة في الجزائر

الحملة لم تؤدّ إلى التأثير فقط على سوق السيارات الجديدة؛ ولكن وصل صداها أيضًا إلى السوق المستعملة التي تراجعت أسعارها هي الأخرى كما تراجعت أسعار السيارات الجديدة. يقول يوسف نبّاش وكيل معتمد لبيع السيارات في الجزائر لأصوات مغاربية "أسعار بعض الماركات التي يتم تركيبها في الجزائر تراجعت بـ 500 ألف دينار جزائري(4 آلاف دولار أمريكي)، وهو أمر لم يكن متوقعًا، وفاجأ العديد من المنتجين، وحتى بعض المسؤولين في الجزائر".

خليه يعوم في تونس والجزائر

بعد النجاح الباهر الذي أثارته حملة #خليها_تصدي في الجزائر؛ انتقل المواطنون في الجزائر ومعهم مواطنو تونس إلى مقاطعة الأسماك من خلال هاشتاج #خليه_يعوم الجزائري، و#خليه_ينتن التونسي.

أسعار السمك ليست وحدها التي أرهقت جيوب المواطنين التونسيين، فبحسب المعهد التونسي للاستهلاك وصلت الزيادة في أسعار المواد الغذائية في تونس بشكل عام إلى 8% خلال شهر مارس/آذار 2018، لكن الأسماك ارتفعت في ذات الشهر بنسبة 10.4%، في ظل نسبة تضخّم وصلت إلى 7.6%.

 

https://www.facebook.com/plugins/video.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fbbcarabic%2Fvideos%2F10156605669580139%2F&show_text=0&width=560

نهاية سعيدة في تونس

تبادل المواطنون صور الأسماك المرميّة في صناديق القمامة العموميّة، ولافتات الأسعار التي توضّح انخفاض أسعار الأسماك. وبحسب رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، لطفي الرياحي، فإن مضاربات التجّار على الأسعار انتهت وانخفضت الأسعار بالفعل كنتيجة مباشرة لحملة المقاطعة. منظمة الرياحي نفسها دشّنت حملة في بداية 2018 لمقاطعة الدواجن اعتراضًا على رفع أسعارها.

قطع شريان المياه عن شركات المغرب

بالتزامن مع مقاطعة الأسماك في إبريل/نيسان؛ خرجت إلى النور حملة في المغرب لمقاطعة 3 منتجات استهدفت تسليط الضوء على تزاوج المال بالسلطة وارتباط ذلك بالأسعار التي يدفعها المواطن المغربي مقابل هذه المنتجات من جيبه. بدأت الحملة بـ #خليها_تريب لمقاطعة الألبان، ومن ثم شملت الحملة 3 منتجات تحت هاشتاج #مقاطعون.

شملت الحملة محطات توزيع الوقود "أفريقيا" ومياه "سيدي علي" المعدنية، ومنتجات "دانون" للألبان.

ونقل موقع فرانس 24 استطلاعًا للرأي نشرته جريدة محليّة مغربية شمل أكثر من 3700 مستهلك يفيد بأن 74%  سمعوا عن حملة المقاطعة، وأن 57% من المواطنين استجابوا وتفاعلوا معها. وذكرت الجريدة أن "الطبقة الوسطى تقود المقاطعة"، وهو مارآه محللون رسالة سياسية برفض التلاعب الناتج عن زواج المال بالسلطة أكثر منها مطلب اقتصادي بتسعير متوازن للسلع، لهذا كان اختيار علامات تجارية كشركة  أفريقيا لصاحبها عزيز أخنوش وزير الفلاحة (الزراعة) في المغرب منذ 2007.

تعرض أغنوش لانتقادات كثيرة تركز على "تضارب المصالح"، خصوصًا في أعقاب تقرير برلماني عن استفادة شركات توزيع المحروقات من أرباح وصفت بـ "غير المستحقة" منذ تحرير القطاع في 2015.

كان لحملة المقاطعة هذه أثر واضح اهتمت به الصحف حول العالم، تجسّد هذا الأثر في بيانات شركة دانون عن خسائرها الكبيرة بسبب المقاطعة التي توقعت أن تصل إلى 150 مليون درهم (نحو 16 مليون دولار أمريكي)، إضافة إلى قرارها بتخفيض كميات الحليب الذي تجمعه من المزارعين بنسبة 30%. وهو الأمر الذي جعل الحكومة تصر على أن المقاطعة تضر بالاقتصاد المغربي، وهو ما ظهر في تصرّفات أعضاء الحكومة، مثل وصف وزير المالية محمد بوسعيد للمقاطعين بالمداويخ، ما اعتبره مواطنون مغاربة تحقيرًا لهم.

نهاية سعيدة في المغرب

زاد هجوم الحكومة على المقاطعين إصرارهم على الاستمرار في المقاطعة، ظلّت الحملة مشتعلة من نهاية إبريل/نيسان 2018 وحتى نهاية مايو/آيار من العام نفسه عندما خرجت شركة دانون بحملة #خلينا_نتصالحو اعتذارًا منها للمستهلكين بعرض تخفيض درهم على لتر حليب تنتجه الشركة، وقدم رئيس الحكومة سعد الدين العثماني اعتذارًا إلى المقاطعين "الحكومة تسهر على حماية المستهلك، لأن القدرة الشرائية مهمة بالنسبة إليها".

هكذا انتهت الحملات الشعبية في دول الشمال الأفريقي الثلاث. فهل تحقق #خليها_تصدي المصرية نفس النتيجة؟