تصميم: يوسف أيمن

صنع في الصين: كيف ولماذا يعيش مليون مسلم من الأويجور في معسكرات الاعتقال؟

منشور الخميس 14 مارس 2019

نشرت مجلة نيويورك بوك ريفيو الشهر الماضي موضوعًا عن الحملة التي تشنها السلطات الصينية على مسلمي منطقة شينجيانج في غرب البلاد، وأكثريتهم من أقلية الأويجور.

الموضوع المطول يتناول جذور الحملة التي تواجه انتقادات دولية واسعة تزايدت في الأشهر الأخيرة منذ أن بدأت وسائل الإعلام الدولية والمنظمات الحقوقية تسليط الضوء على ما يجري هناك من "معسكرات اعتقال" وغيرها من الإجراءات والتدابير، والتي تصفها السلطات الصينية، ردًا على الانتقادات الدولية والحقوقية، بأنها "تدريب مهني ضد التطرف".


في قاعة محكمة بمنطقة زاركنت بكازاخستان، في يوليو/ تموز 2018، وقفت مديرة حضانة سابقة تدعى ساياجول ساويتباي تصف بهدوء ما لا يزال المسؤولون الصينيون ينكرونه؛ تم إنشاء معسكرات عمل جديدة ضخمة "مراكز تدريب ضد التطرف"، للسكان المسلمين الأتراك في منطقة شينجيانج الواقعة غربي الصين، وهي منطقة بحجم ولاية ألاسكا الأمريكية. 

كانت ساويتباي، وهي من أصل كازاخستاني، فرت من شينجيانج وتطلب الآن اللجوء في كازاخستان، حيث زوجها وابنها من مواطني هذا البلد. أخبرت المحكمة كيف تم نقلها في نوفمبر/ تشرين الثاني من مدرستها إلى وظيفة جديدة تتمثل في التدريس للمعتقلين الكازاخستانيين فيما يفترض أنه "مركز تدريب". 

قالت "إنهم يطلقون عليه ‘معسكرًا سياسيًا’... لكنه في الواقع، سجن في الجبال". كان هناك 2500 نزيل في المنشأة التي عملت بها طيلة أربعة شهور، وكانت على دراية بمنشآت أخرى بها نزلاء آخرون. ربما هناك الآن ما يقرب من 1200 من هذه المعسكرات في شينجيانج، يُسجن فيها ما يصل إلى مليون شخص، بما في ذلك أشخاص من كازخستان وقيرغيزستان، وخاصة الأويجور، الذين يشكلون حوالي 46% من سكان شينجيانج.

وفرت شهادة ساويتباي أول دليل درامي من مواطن صيني عن معسكرات العمل المتزايدة في شينجيانج. لكن أخبار تلك المعسكرات بدأت تظهر رويدا وريدا منذ 2017، وذلك بفضل التقارير الرائعة التي كتبها جيري شيه (الآن في الواشنطن بوست) لصالح وكالة الأسوشيتد برس، وجوش تشين، وكليمينت بورج، وجوليا مارشي لصحيفة وول ستريت جورنال، بالإضافة إلى قصص مبكرة مهمة من باحثين ومراسلين آخرين، بما في ذلك مايا وانج لهيومان رايتس ووتش، وروب شميتز لشبكة إن بي آر، وميجا راجاجوبالان لبازفيد نيوز. ومما له أهمية خاصة خدمة إذاعة آسيا الحرة التي تتخذ من واشنطن العاصمة مقرًا لها، وقد قدمت لسنوات تغطية تفصيلية ودقيقة لما يجري على الرغم من الضوابط والقيود المفروضة على تدفق المعلومات في شينجيانج.

في البداية، نفى المسؤولون في جمهورية الصين الشعبية وجود أية معسكرات. ثم بثت وسائل إعلام رسمية لفترة وجيزة قصة مفادها أن 460 ألف من الأويجور من جنوب شينجيانج قد "نُقلوا" إلى "وظائف" في أماكن أخرى في منطقة شينجيانج. لم تكن هناك إعلانات أخرى حول برنامج الوظائف هذا، ويبدو أن هذا التفسير الذي يشير إلى وجود وظائف قد تم تجاهله. 

عندما واجه الوفد الصيني في جلسة استماع أممية في أغسطس 2018، عضو لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري جاي ماكدوجال، نفى الوفد وجود أي معسكرات "لإعادة التعليم"، مع الاعتراف بوجود "مراكز تدريب مهنية وتعليمية للتوظيف" و" تدابير" أخرى لمواجهة "التطرف". عند الضغط مرة أخرى خلال المراجعة الدورية الشاملة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في نوفمبر 2018، اتهم ممثل جمهورية الصين الشعبية "بضع دول" بتوجيه "الاتهامات ذات الدوافع السياسية"، وكرر أن المعسكرات ببساطة كانت لتوفير التدريب المهني لمكافحة التطرف.

ذهبوا للدراسة

بدأ الناس خارج شينجيانج في التعرّف على المعسكرات في عام 2017. وقد ازداد قلق الأويجور في الخارج حيث أن الأصدقاء والأقارب في بلدانهم توقفوا عن التواصل معهم؛ عبر الهاتف وشبكات التواصل الاجتماعي في البداية، ثم اختفوا تماما. بالمثل، اختفى الطلاب الوافدون الذين عادوا أو أجبروا على العودة إلى الصين بعد الدراسة في بلدان أجنبية. عندما استطاعوا الوصول لمعلومات، عرف الأويجور خارج الصين أن الشرطة نقلت أقاربهم وأصدقائهم إلى معسكرات إعادة التعليم؛ "ذهبوا للدراسة" هو تعبير مُلطف دقيق يستخدم في تطبيق الرسائل الصيني "وي تشات" الذي يخضع لرقابة شديدة (من جانب السلطات الصينية).

أصبحت الطبيعة العقابية لمعسكرات الاعتقال الجديدة التي ظهرت في الصحراء، والتي تحيط بها الجدران العالية والأسلاك الشائكة والمحاطة بأبراج الحراسة والشرطة، واضحة من الصور والتقارير بحلول خريف عام 2017. الجانب الأفضل من معرفة ما يحدث داخل المعسكرات جاء من سجناء سابقين، كتب أحدهم دون ذكر اسمه في مجلة فورين بوليسي، وآخرون أجروا مقابلات في كازاخستان مع شيه وإيميلي روهالا لصحيفة واشنطن بوست؛ يتوجب على المعتقلين إنشاد أناشيد الحزب الشيوعي الصيني، والتخلي عن الإسلام وتوجيه النقد لأنفسهم ولمعتقدات عائلاتهم ومشاهدة الأفلام الدعائية، ودراسة اللغة الصينية والتاريخ الصيني. يقال لهم إن ثقافتهم "متخلفة".

بعضهم يجب أن يحفظ الكلاسيكية الأخلاقية الثلاثية (سان زي جينج)، وهو كتاب أطفال صيني كلاسيكي ثلاثي الشخصيات (يُعتقد أنه كُتب في القرن الثالث عشر)، تخلت أماكن أخرى في الصين عن الاستعانة به كنص تربوي منذ أكثر من قرن من الزمان. الزنازين في المعسكرات مكتظة والغذاء محدود. يخاطر هؤلاء الذين يئنون بالشكوى بالوضع في الحبس الانفرادي والحرمان من الطعام ويجبرون على الوقوف ووجوههم للحائط لفترات طويلة، ويتم قيدهم في جدار أو ربطهم في مسامير من رسغهم أو كاحلهم في وضعية يُطلق عليها "المقعد نمر"، من المحتمل ايضا أن يكون الإيهام بالغرق والصدمات الكهربائية أدوات أخرى تُستخدم ضدهم.

من جانبه، قال شوهرات ذاكر، رئيس منطقة شينجيانج للأويجور التي تتمتع بحكم ذاتي، في مقابلة أجرتها معه وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا) في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، إن المعتقلين يجب عليهم تعلم اللغة الصينية، واكتساب المعرفة العلمية الحديثة، وتعزيز فهمهم للتاريخ والثقافة الصينية والظروف الوطنية. تعلم المعرفة القانونية، بما في ذلك الدستور والقانون الجنائي ولوائح مكافحة التطرف في شينجيانج، فضلا عن اكتساب مهارة مهنية واحدة على الأقل. حتى يتلاءموا مع الظروف المحلية وسوق العمل.

بالنظر إلى هذا المنهج الذي يتم فرضه، ليس مستغربًا ألا نعرف تقريبًا أي شخص أطلق سراحه بعد أن اعتقل في معسكرات شينجيانج، وألا نعرف ما سيواجهه المعتقلون إذا أطلق سراحهم، أو متى سيحدث ذلك. هناك أدلة متزايدة من روايات الأقارب وصور من الأقمار الصناعية ومستندات داخلية التي تتبع مسار التلقين، والتي تفيد بأن المعتقلين يجبرون على العمل في المصانع الموجودة في المخيمات أو بالقرب منها.

أكد بحث أجراه أدريان زينز، من المدرسة الأوروبية للثقافة واللاهوت، الحجم المخيف للمعسكرات وقدم تقديرات لعدد الأشخاص المحتجزين فيها. تتبع زينز مناقشة "إزالة التطرف" في شينجيانج و"التحول من خلال التعليم" في وسائل الإعلام والصحف الحزبية الصينية لعدة سنوات. حدد الباحث ثمانية وسبعين مزايدة من جانب مقاولين لبناء أو توسيع أو تحديث معسكرات الاعتقال؛ وكان من المخطط أن تتجاوز مساحتها 100 ألف قدم مربع في المنطقة، وأحدها وحده تبلغ مساحته حوالي 90 ألف قدم مربع. 

هناك أدلة موثقة على الاندفاع في بناء المعسكرات وتم تأكيد تلك الأدلة من خلال صور الأقمار الصناعية - تم تجميع العديد منها أولاً من تطبيق جوجل إيرث، كمشروع شخصي رائع من الباحث شون زانج، الذي يدرس القانون في جامعة كولومبيا البريطانية، ومنذ ذلك الحين تم تأكيده وتوسعته من جانب شركات محترفة للتصوير عن بعد تعمل مع هيئة الإذاعة البريطانية وغيرها من وسائل الإعلام. وهناك مؤشر آخر على اتساع الاعتقال يأتي من زائرين إلى شينجيانج، الذين علقوا على إغلاق متاجر الأويجور والنقص الملحوظ في أعداد من تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 45 سنة وخاصة الأويجور، من الشوارع.

بمقارنة بيانات وثائق مسربة وتصريحات أدلى بها مسؤولون محليون عن البيانات السكانية، قدر زينز وغيره من الباحثين أن مئات الآلاف قد يصل عدهم لأكثر من مليون شخص اعتقلوا في معسكرات إعادة التأهيل. في فبراير/ شباط 2018، كشف منفذ إعلامي من الناشطين الأويجور في تركيا عن وثيقة قال إن "عضوًا موثوقًا في الأجهزة الأمنية على الأرض" في شينجيانج سرّبها.

تحدد الوثيقة، التي يعود تاريخها إلى أواخر 2017 أو أوائل 2018، أعدادًا دقيقة من المعتقلين في مراكز الاحتجاز على مستوى المناطق، وبلغت 892.329 معتقلا (استبعدت الوحدات الإدارية على مستوى البلديات، ولا سيما المدن الكبيرة في أورومتشي، وخوتان، ويينج). 

على الرغم من أنه لا يمكن تأكيد مصدر الوثيقة، إلا أنها – حال كانت حقيقية - تدعم تقديرات وجود مليون معتقل أو أكثر في تلك المعسكرات. (تشير تقديرات وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن ما بين 800 ألف ومليوني صيني من مسلمي شينجيانج معتقلين في المعسكرات). هذه التقديرات لا تشمل الأعداد المتزايدة من الناس في السجون العادية؛ وفقًا لبيانات حكومة جمهورية الصين الشعبية، ازدادت عمليات الاعتقال الجنائية في شينجيانج بمقدار 200 ألف عامي 2016 و2017، وبلغت نسبتها 21% من مجموع الاعتقالات في الصين في عام 2017، على الرغم من أن شينجيانج يعيش فيها 1.5% فقط من سكان الصين. ويعتقد أن جمهورية الصين الشعبية احتجزت حتى الآن أكثر من 10% من السكان المسلمين البالغين في شينجيانج.

كيف وصلت جمهورية الصين الشعبية إلى هذا الأمر؟ أرى سببين رئيسيين؛ سوء فهم رسمي من جانب الحزب الشيوعي الصيني لما يعنيه الإسلام لمعظم الأويجور وغيرهم من الجماعات الإسلامية، ومؤخرا تأييد الحزب الشيوعي الصيني لاستيعاب عرقية الهان لهؤلاء الناس، وهي فكرة تتعارض مع صيغ التعددية الصينية التقليدية. (الهان هم المجموعة العرقية الأكثر عددا في جمهورية الصين الشعبية كلها، وإن لم تكن كذلك في الأراضي الاستعمارية السابقة، شينجيانج والتبت).

لقد تحول أهل حوض تاريم (وهو هو حوض صحراوي واسع مساحته أكثر من 900 ألف كيلومتر مربع، يقع في غرب الصين وتحيط به الجبال) أسلاف الأويجور المعاصرين، إلى جانب القبائل التركية من السهول والجبال (بما في ذلك أسلاف شعوب كازاخستان وقيرغيزستان)، إلى الإسلام في عدة موجات بداية من عام 1000 ميلادية. 

إسلام مناطق أواسط أسيا مختلف بشكل كبير عن إسلام منطقة الشرق الأوسط، لا سيما ذلك الإسلام الذي روجت له الجماعات الوهابية والسلفية التي خصها آل سعود (حكام السعودية) بالرعاية في العصر الحديث. صلاة الأويجور يمكن أن تنطوي على الهتاف والرقص، كما أن الموسيقى ليست محرمة. إن زيارة الأماكن المقدسة كأضرحة لرجال الدين وحكي قصصهم ليس فقط ضمن البناء الديني للأويجور، بل يشكل هويتهم الجغرافية أيضا، كما يوضح المؤرخ والباحث الإويجوري ريان ثوم في كتابه بالغ الأهمية "المسارات المقدسة للتاريخ الأويجوري" الصادر عام 2014. 

كتب ثوم أن رجال الدين الصوفيين يتمتعون بأهمية كبيرة لدى المسلمين الأويجور، حيث أن الحج وزيارة أضرحتهم، وجميعها اكتشفت داخل حدود شينجيانج، كان بديلا مقبولا للحج إلى مكة (وزيارة بيت الله الحرام).

منذ عام 1949، كانت السياسات الصينية تميل إلى تقويض الإسلام الأصولي للأويجور وممارساته، من خلال عمل الجمعية الإسلامية الصينية الخاضعة لسيطرة الحزب الشيوعي الصيني. وإسلام الأويجور يُعد نسخة مثالية من الإسلام القائم على الممارسات السنية (السلفية) تلك النسخة التي تروج لها المملكة العربية السعودية. وهذه السياسات تشير إلى فكرة صينية تقليدية مستمدة من التجربة البوذية. 

على الرغم من أن الحزب الشيوعي الصيني حوّل منذ ذلك الحين مساره ووقف ضد مخاطر "التعريب"، فإنه لم ينقح حساسيته المفرطة تجاه الممارسات الصوفية في الإسلام الإويجوري. من خلال قمع ثقافة الأويجور والتمييز ضدهم، والترويج عن غير قصد لنسخة من الإسلام تتماشى مع الممارسات السعودية، زادت حكومة جمهورية الصين الشعبية من جاذبية الأويجور للأفكار السلفية من الخارج بينما تقوض الدفاعات المحلية ضد هذه الأيديولوجية. وكان يمكن للعالمة رهيلة داووت، وهي عالمة أصول عرقية ذات شهرة عالمية وهي متخصصة في ثقافة الأويجور في جامعة شينجيانج، أن تفسر ذلك للسلطات الصينية - لكنها اختفت في أواخر عام 2017، وهي ضحية أخرى للاعتقال الجماعي الحالي.

ومنطقة شينجيانج هي جزء من جمهورية الصين الشعبية اليوم بعد أن ضمتها إمبراطورية تشينج التي حكمها مانشو (1636-1912) في القرن الثامن عشر، في سياق التوسع نحو الغرب والذي تضمن أيضًا ضم منغوليا والتبت. أدارت إمبراطورية تشينج السكان الأويجور من خلال النخب المحلية، تحت إشراف عسكري مخفف، مع تعزيز التجارة والتنمية الزراعية. 

حظر شعب "المانشو" الاستيطان الصيني في مناطق الأويجور ذات الكثافة السكانية خوفا من زعزعة استقرارها، ولم يتدخل "المانشو" في تدين أو دين السكان الأويجور أو طعامهم أو لباسهم. لقد عملت هذه التعددية الثقافية الإمبريالية بشكل جيد، وعلى الرغم من سلسلة من التوغلات البسيطة من آسيا الوسطى إلى جنوب غرب شينجيانج، من منتصف القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر، كانت المنطقة سلمية بشكل عام - بما يكفي لزيادة عدد السكان الأويجور خمسة أضعاف، كما توسع الاقتصاد. لم تبدأ المشاكل في المنطقة إلا عندما قطعت الثورات في بقية الصين تمويلات إمبراطورية تشينج لمسؤوليها وجنودها في شينجيانج. أدى ذلك إلى شيوع الفساد والتمرد والغزو.

ومع سعي بكين لاستعادة السيطرة على شينجيانج والحفاظ عليها، ظهر جدل حول تشكيل التعددية العرقية الإمبراطورية على غرار تشينج، ضد الاستيعاب القومي المتمركز حول عرقية "الهان". وقد دعا المفكر السياسي في القرن التاسع عشر، جونج زهين، والجنرال تسو زونجتانج إلى الاستيطان الاستعماري لشينجيانج من قبل الصينيين "الهان"، وأن يتولى مسؤولون من "الهان" الحكومة (وليس من عرقية المانشو أو من السكان الأصليين). جرب زورو زو ذلك الأمر بطريقة محدودة حتى سقطت أسرة تشينجفي عام 1912. بعد ذلك، وخلال العقود الأربعة المضطربة حتى استولى الشيوعيون على السلطة في عام 1949، بنى معظم الحكام في شينجيانج المنقسمة، سواء كانوا أمراء الحرب "الهان"، أو المتمردين المسلمين، أو من هم دمىً في أيدي السوفيت، الأنظمة وفق أنماط مختلفة من التعددية العرقية، وسمحوا للأويجوريين بحكم الأويجور، وللكازخستانيين بحكم الكازاخستانيين، وللمغول بحكم المغول، وللهان بحكم الهان، وهكذا (كل عرقية يحملها أشخاص من نفس العرقية)، وذلك في مختلف أنحاء المنطقة.

 

إنفوجراف: المنصة

عندما تولى الحزب الشيوعي الصيني الحكم، طبق هذا النهج العرقي-التعددي، الذي ترسخ بالفعل في شينجيانج، على الصعيد الوطني. كحزب عرقي أعاد احتلال إمبراطورية تشينج السابقة في آسيا الوسطى، واجه الحزب الشيوعي الصيني نفس المشكلة التي واجهها السوفيت الروس مع تراثهم القيصري؛ كيف يديرون إمبراطورية دون أن يبدون مثل المستعمرين. على نحو فضفاض على غرار النمط السوفيتي، منحت جمهورية الصين الشعبية 55 شخصا ممن هم ليسوا من "الهان" وضعية رسمية مثل أقلية مينزو (جنسية أو جماعة عرقية)، مع حقوق خاصة مكرسة في الدستور الصيني. تم تسمية بعض المناطق الإدارية المستقلة اسميا، على غرار أقلية مينزو؛ ومن ثم أصبحت المناطق التي في حجم المقاطعات في شينجيانج والتبت ذاتية الحكم مثل الأويجور وذلك داخل جمهورية الصين الشعبية.

"الهانية مقابل الشوفينية"

كرر النظام الذي اتبعته جمهورية الصين الشعبية مع أقلية مينزو جوانب التعددية الإمبريالية التي اتبعتها إمبراطورية تشينج، تحت السلطة المركزية العليا للحزب الشيوعي الصيني، كان من المفترض أن يقف ما بين 56 من أقلية مينزو (بينهم الهان) على قدم المساواة. لم تكن حضارة الهان، من الناحية النظرية، متفوقة. تباينت الممارسات الفعلية، لكن في الخمسينيات ومرة ​​أخرى في الثمانينيات، استعرض الحزب دفاعه عن الأقليات ضد "الهانية العظيمة"، المقابل الصيني لـ"الشوفينية الروسية العظيمة" التي ندد بها في الاتحاد السوفيتي.

وباستثناء الثورة الثقافية، احتفل نظام مينزو بشكل عام بالتنوع الثقافي في الصين، وشجع على النشر بلغة غير لغة الهان، ووضع الأقليات على العملة، وأظهرهم في المناسبات العامة في ملابس "تقليدية" ملونة. وجد المراقبون الغربيون مواكب الغناء والرقص التي تقوم بها الأقليات غريبة بشكل مثير، لكنها بقدر ما تعزز ثقافاتهم، فإنها تدعم الأقليات الأخرى غير عرقية الهان، التعددية الثقافية التي تتمتع بها جمهورية الصين الشعبية. والانتقاد الأقوى لهذا الأمر جاء من الخبير الاقتصادي الأويجوري إلهام توهتي الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة لإدانته بالعمل لأجل "الانفصال" في 2014، إذ دعا ببساطة إلى الضغط من أجل المراقبة الحقيقية والالتزام الصادق بالقوانين والأحكام الدستورية الودودة للأقليات الصينية.

غير أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في 1991، والذي حمل الكثير من المنظرين السياسيين الصينيين، سياسات الجنسية السوفيتية، المسؤولية عن انهياره، بدأت عملية إعادة تقييم لنظام مينزو العرقي التعددي. ظلت مناطق تشينج الإمبراطورية السابقة في شينجيانج والتبت مثيرة للقلق والاضطرابات رغم النمو الاقتصادي السريع. بعد أعمال الشغب في التبت عام 2008 وشينجيانج في عام 2009، أشار بعض الباحثين في الدراسات العرقية في بكين والذين كانوا قريبين من قادة الحزب الشيوعي الصيني أن نظام مينزو الصيني كان جزءًا من المشكلة وبدأوا في مناقشة كيفية تنقيحه.

أقوى المؤيدين لسياسة "الجيل الثاني من مينزو" التي تم تعديلها بشكل جذري، هو هو آنجانج (مدير مركز الدراسات الصينية بجامعة تسينجهوا) وهوان ليانهي (الذي كان حينها باحثًا في مكافحة الإرهاب، وهو الآن مسؤول كبير في إدارة عمل الجبهة المتحدة للعمل في جمهورية الصين الشعبية)، وهذان الباحثان جادلا بأن استيعاب الأقليات العرقية بشكل أوسع في العرقية الصينية الأكثر شمولًا (تشونجهوا مينزو)، من شأنه أن يجعل من الصين دولة مستقرة. أشار الاثنان في الواقع إلى التخلي عن التعددية الإمبريالية التقليدية في الصين، التي يتم العمل بها وفق نظام مينزو، لصالح مفهوم الهوية الموحدة الذي يذكرنا بالقومية الأوروبية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

دخلت مصطلحات مثل "الانصهار" و"المزج" و"الذوبان" في النقاش، وفي 2015 ناقش الباحثون والأيديولوجيون ما إذا كان إضفاء الطابع الصيني (هانهوا)، تلك الفكرة القائلة بأن الحضارة الصينية على مر العصور استوعبت شعوبًا مجاورة بشكل سلمي، قد جرى بالفعل. وفكرة إضفاء الطابع الصيني افتضحت على أيدي المؤرخين الغربيين والكثير من الصينيين، الذين يقبلون بإمكانية حدوث التبادل الثقافي بين المجموعات المتجاورة، ولكن ليس كأمر حتمي وليس في اتجاه واحد. ومع ذلك، فإن فكرة إضفاء الطابع الصيني كقوة سحرية للحضارة الصينية جذابة للقوميين في الحزب الشيوعي الصيني، إلى جانب الحكاية المصاحبة التي تقول إن الصين لم تتوسع بشكل سلمي على الإطلاق.

المرحلة التالية في انتقال جمهورية الصين الشعبية من التعددية الإمبريالية إلى نظام الهان الاستيعابية كانت تشوه صورة الدين. على الرغم من أن المصادر الرسمية اليوم ما زالت تعلق علنًا الاضطرابات العرقية في شينجيانج والتبت على الأفكار المتطرفة القادمة من الخارج وأعداد صغيرة من الأفراد، إلا أن المقالات في مجلات الأحزاب والمناقشات الداخلية المتسربة تكشف عن أن قيادة الحزب الشيوعي الصيني تنظر بشكل متزايد إلى الاعتقاد الديني نفسه على أنه متناقض مع الوحدة الصينية ذات الهوية الموحدة التي تريدها القيادة، وتأمل في علاج مجموعات كاملة من التفكير المنحرف المفترض.

 

إنفوجراف: المنصة

في كلمة تم توزيعها كتسجيل صوتي عبر الإنترنت في أكتوبر 2017 من جانب رابطة الشباب الشيوعي في شينجيانج، والتي تهدف على ما يبدو إلى طمأنة الأويجور، احتضنت تماما استعارة طبية: "إذا لم نستأصل التطرف الديني من جذوره، فإن الأحداث الإرهابية العنيفة سوف تنمو وتنتشر في جميع أنحاء البلاد مثل الورم الخبيث غير القابل للشفاء. رغم أن عددًا معينًا من الأشخاص الذين تم تلقينهم أيديولوجية متطرفة لم يرتكبوا أيًا من الجرائم، إلا أنهم أصيبوا بالفعل بالمرض (التطرف الديني). هناك دائما خطر أن يظهر المرض نفسه في أي لحظة، مما قد يتسبب في ضرر جسيم للجمهور. ولهذا السبب يجب أن يتم قبولهم في مستشفى إعادة التثقيف في الوقت المناسب لعلاج وتطهير الفيروس من أدمغتهم واستعادة عقلهم الطبيعي. يجب أن نكون واضحين في أن الذهاب إلى مستشفى إعادة التثقيف من أجل العلاج ليس طريقة لاعتقال الأشخاص قسراً وحبسهم للعقاب، بل هو جزء من مهمة إنقاذ شاملة للحفاظ عليهم."

مخاوف مشروعة

لدى جمهورية الصين الشعبية بعض المخاوف المشروعة بشأن اضطرابات الأويجور. اندلعت حوادث متفرقة للمقاومة في أواخر الثمانينات والتسعينات، بما في ذلك مسيرات طلابية، وانتفاضة صغيرة (في بارين، وخارج كاشجر)، وتفجيرات حافلة وفندق، ومظاهرة كبيرة تحولت إلى أعمال عنف في يينينج (جوليا) في عام 1997.

قبل عام 2001، نسبت لجان المقاومة الشعبية عمومًا مثل هذه الأحداث "المضادة للثورة" إلى "القومية التركية/ القومية الإسلامية" ، وهي تسميات اعترفت، رغم مفارقاتها في أواخر القرن العشرين، بالجذور العرقية القومية والهوية الدينية للأويجور.

لكن بعد هجمات 11 سبتمبر (2001)، مستغلة مصطلح "الحرب العالمية ضد الإرهاب" الذي صكته إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش (الابن)، اعتبرت جمهورية الصين الشعبية كل المعارضة الأويجورية إرهابًا إسلاميًا. وأصدر مجلس الدولة الصيني (رئاسة الوزراء) ورقة حكومية في أوائل 2002 ذكرت، مع القليل من التفاصيل، 162 حالة وفاة و440 إصابة من أعمال "الإرهاب" في التسعينيات، كما ضمت الورقة عددا من الجماعات الانفصالية الأويجورية. في حالات قليلة نسبت الورقة أعمال معينة لجماعات ذكرتها بالاسم.

في مقابل تصويت الصين في نوفمبر 2002 لصالح قرار مجلس الأمن رقم 1441 الذي يدين أسلحة الدمار الشامل العراقية المفترضة، وافقت إدارة بوش على إدراج مجموعة واحدة من الجماعات الأويجورية على قائمة المنظمات الإرهابية الدولية. وقع الاختيار على "حركة تركستان الشرقية الإسلامية" (ايه تي آي إم)، على الرغم من أنها كانت صغيرة جدا، بسبب أدلة على أنها كانت على اتصال مع أسامة بن لادن من قاعدتها في أفغانستان. (كان مصطلح "تركستان الشرقية" مصطلحًا احتضنته الجماعات التركية التي أقامت ولايتين مستقلتين قصيرتي العمر في أجزاء من شينجيانج في أعوام 1933 ثم 1944-1949. ويفضل العديد من الأويجور في الشتات الاسم الاستعماري "شينجيانج" ، والذي يعني حرفيًا "حدودًا جديدة.")

لم تدّعي الورقة الحكومية الصينية أن "حركة تركستان الشرقية الإسلامية" ارتكبت أي أعمال عنف، لكن بيان الحكومة الأمريكية نسب عن طريق الخطأ كل أحداث السنوات العشرة المذكورة في الورقة الرسمية الصينية إلى الحركة. وهكذا ولدت الفكرة، التي لا تزال سائدة داخل الصين وخارجها، بأن جماعة إرهابية منظمة مسؤولة عن العنف الانفصالي في شينجيانج. (انهارت الحركة في عام 2003 بعد أن قتلت القوات الباكستانية زعيمها حسن محسوم، في وزيرستان، على الرغم من أن شخصًا ما، تحت راية "الحزب الإسلامي التركستاني" الجديد، ادعى في وقت لاحق في مقاطع فيديو أن الحزب ارتدى عباءة "حركة تركستان الشرقية الإسلامية").

على الرغم من التحذيرات المستمرة في الدعاية الصينية ووسائل الإعلام الأجنبية، فإن الإرهاب الإسلامي المتنبأ به لم يحدث منذ سنوات. منذ عام 1990 حتى أولمبياد بكين 2008، في الوقت الذي لم تكن فيه شينجيانج تتمتع بهدوء كامل، لم تكن الحوادث التي وقعت ملائمة للنمط الجهادي للهجمات العشوائية التي تستهدف المدنيين.

رغم أن التصريحات الرسمية الصينية ووسائل الإعلام الرسمية تصف كل المقاومة الأويجورية بأنها "إرهاب" و"انفصالية"، إلا أن معظم أحداث العقد الماضي في أفضل ما يمكننا الحديث عنه في ظل الضوابط المشددة على الإعلام في شينجيانج، هي ما يصفه المراقبون الغربيون بـ"الاضطراب" أو "المقاومة" بدلا من "الإرهاب"، مثل مظاهرات الشوارع أو الهجمات على المكاتب الحكومية المحلية أو أهداف الشرطة من قبل المزارعين المسلحين بالسكاكين أو الأدوات الزراعية.

مظاهرة واحدة في منطقة أورومتشي يوم 5 يوليو 2009، بعد قمعها من قبل الشرطة المسلحة، تطورت إلى اضطرابات هي الأكثر دموية في شينجيانج منذ الثورة الثقافية. قتل ما يقرب من 200 شخص من عرقية الهان، واعتقل آلاف من الأويجور، وقتل كثيرون عندما نزل أفراد الأمن من الهان إلى الشوارع في الأيام التالية. أبدا لم يتم الكشف عن عدد الضحايا من الأويجور في أعمال الشغب ولا في ردة الفعل العنيفة عليها. في أعقاب ذلك، قطعت السلطات خدمة الهاتف والإنترنت في شينجيانج لمدة عشرة أشهر. (أفيد بأن هذه الاداة "قطع الانترنت" موجودة الآن في مختلف أنحاء الصين.)

رغم أنها كانت مروعة، إلا أن أحداث "أورومتشي 7-5" كانت شغبًا عنصريًا، ولم تكن هجومًا إرهابيًا متعمدًا ولم تعبر عن التطرف الديني. مع ذلك، فإن بعض الأحداث منذ عام 2008 تشبه الإرهاب الجهادي في استهدافهم العشوائي للمدنيين ودوافعها الدينية المحتملة. في مارس/ آذار من ذلك العام حاولت امرأة من الأويجور إشعال سوائل قابلة للاشتعال على متن طائرة بعد إقلاعها.

في أكتوبر 2013، قام رجل من الأويجور بقيادة سيارة دفع رباعي مع زوجته ووالدته واصطدم بها في حشد في ميدان تيانانمين، مما أسفر عن مقتل سائحين اثنين. وقتل ركاب السيارة عندما اشتعلت فيها النيران.

في مارس 2014، قتل ثمانية من الأويجور مسلحين بالسكاكين 31 شخصًا في محطة السكك الحديدية في كونمينج بجنوب غرب الصين. في الشهر التالي، بينما كان الرئيس شي جينبينج يزور شينجيانج، استخدم ثلاثة أشخاص سكاكين و متفجرات (يحتمل أنها غير جاهزة للتفجير) لشن هجوم على محطة أورومتشي للسكك الحديدية، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص.

وفي مايو/ أيار 2014، قتل خمسة مهاجمين في سيارتين دفع رباعي ثلاثة وأربعين شخصًا في أحد شوارع سوق أورومتشي بالمتفجرات. وفي سبتمبر/ أيلول 2015، في حادثة غريبة كان يمكن أن تكون نزاعًا عماليًا أكثر من كونها هجومًا إرهابيًا، أفادت التقارير أن 17 شخصًا من الأويجور، بينهم نساء وأطفال، قتلوا خمسين شخصًا في منجم في بلدة بايتشينج النائية في شينجيانج، ثم فروا إلى كهف في الجبال، حيث قامت القوات الصينية، بعد مطاردة، بإخراجهم وإطلاق النار عليهم.

مبالغة وتشويه

الأمر ليس أن الصين لا تواجه تهديدا من عنف الأويجور، لكنها تبالغ في قوة هذا التهديد وفي الأغلب تشوهه وتصفه بالإرهاب، وتتبنى إجراءات وتدابير مفرطة شديدة العشوائية ردا على ذلك العنف. بعد سنوات من حملات القمع "الصارمة"، ساء وضع الجماعات المسلمة التركية في شينجيانج بشكل حاد بعد أغسطس/ آب 2016، عندما تم تعيين سكرتير جديد للحزب في شينجيانج، تشن كوانجو.

ينحدر كوانجو من أسرة فقيرة في مقاطعة هينان، حيث صعد في صفوف الحزب الشيوعى الصيني وخدم هناك تحت قيادة لي كه تشيانج (الآن رئيس الوزراء الصينى). في عام 2011، تم إرسال تشن إلى التبت، التي كانت قد شهدت أعمال شغب وسلسلة من عمليات هدم الذات من جانب الرهبان البوذيين. قمع تشن المقاومة في التبت من خلال نشر شبكة كثيفة من "مراكز الشرطة الملائمة" في المناطق الحضرية في التبت، وآلاف من عناصر الشرطة الجديدة. جلب تشن هذه التقنيات إلى شينجيانج، ومن عام 2017 تكاملت الشبكات الشرطية مع معسكرات إعادة التعليم المتسعة بشكل سريع. منذ ذلك الحين تم تعيينه في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني.

منذ وصول تشن، قامت شينجيانج أيضًا بتجنيد عشرات الآلاف من أفراد الأمن، مما يجعل المنطقة الأكثر كثاقة في أعداد رجال الشرطة بالنسبة للفرد الواحد، مقارنة بألمانيا الشرقية* قبل انهيارها عام 1989.

تتميز شبكة شين الأمنية بوجود أماكن للشرطة كل بضع مئات من الأمتار، ودوريات ثابتة وناقلات جند مدرعة ونقاط تفتيش في كل مكان. كما كشفت التقارير الأخيرة عن وجود شبكة مراقبة واسعة من كاميرات التعرف على الوجوه، وتلك التي تتبع الهواتف الخلوية والمركبات عبر نظام تحديد المواقع العالمي والحامض النووي وبصمات الأصابع وطبقات العين الصوتية والرسومات الضوئية وحتى طريقة السير، وهذه الشبكة ترتبط بقاعدة بيانات متنامية تضم معلومات شخصية تم جمعها من الدراسات الاستقصائية الإلزامية لتاريخ السفر والممارسات الدينية لسكان شينجيانج وعائلاتهم.

 

إنفوجراف: المنصة

في هذه الاستطلاعات؛ يفقد المسلمون المتدينون نقاطًا على الصلاة المنتظمة التي تعتبرها الدولة عامل خطر محتمل للتطرف. ببساطة كونك من أصل أويجوري يسفر عنه تلقائيًا خصم 10% في التقييم.

تم فرض قيود على الممارسات الدينية التي تميز الأويجور أو حظرها قانونا. وقد تم القضاء على التعليم المدرسي باللغة الأويجورية، الذي كان متاحًا من رياض الأطفال حتى المستوى الجامعي. تحدد سلطات شينجيانج الآن التطرف على أنه يشمل ارتداء الحجاب وغطاء الرأس، وترك اللحية طويلة بشكل غير طبيعي ارتداء الملابس الطويلة والصيام في شهر رمضان وتجنب الكحوليات وعدم التدخين وإلقاء تحية الإسلام بالعربية (السلام عليكم) وإطلاق الأسماء الإسلامية مثل محمد وفاطمة على الأطفال، ورموزًا مثل النجمة والهلال والتعليم الديني والذهاب إلى المساجد وحفلات الزفاف البسيطة والزفاف الديني والزفاف بدون موسيقى وغسل الجسد قبل تكفينه ودفنه والدفن نفسه (بدلا من حرق الجثة)، وزيارة الأضرحة الصوفية والرقص الصوفي وكذا السفر والدراسة في الخارج والولع بالسفر للخارج أو الدراسة في الخارج، والتواصل مع الأصدقاء أو الأقارب خارج الصين، وحيازة "أنواع خاطئة" من الكتب أو "محتوى خطأط في الهاتف وتجنب الإذاعة أو التلفزيون الرسمي. ورغم كونهم غير متدينين سواء علنا أو سرا، خضعت النخبة الثقافية والأكاديمية ورجال الأعمال من الأويجور، بما في ذلك كبار مدراء الجامعات ورؤساء تحرير وسائل الإعلام، لدورات في مراكز الاحتجاز.

ويشجع المسؤولون الصينيون هذه السياسات كعلاج "للتطرف". (ومع ذلك، فإن التعريف الرسمي "للتطرف" قد توسع تدريجيا، وحصرت السلطات الأشخاص في معسكرات إعادة التعليم فقط لقيامهم بالممارسات الإسلامية العادية، وكان كون الشخص من الأويجور يعني أنه متطرف.) يقول ريان ثوم "من المستحيل أن نكون من الأويجور دون انتهاك هذه القواعد الجديدة". في تصريحات حصلت عليها إذاعة آسيا الحرة، اعترف المسؤولون المحليون بأنهم منحوا حصصا (كوته) معينة من المسلمين لإرسالهم إلى مراكز إعادة التأهيل.

حذر كيو يوان يوان، الباحث في مدرسة حزب شينجيانج، في ورقة بحثية عام 2016 تم رفعها من على الإنترنت، بشكل صريح من نظام الحصص (الكوته) المفروضة لإعادة التعليم، على أساس أن مثل هذا النهج الرقمي غير الدقيق قد يؤدي إلى نتائج عكسية. هذا يشير إلى أن الحزب كان يناقش الأمر داخليًا في ذلك الوقت. واستنادًا إلى الأرقام الواردة من المناطق المحلية في المنطقة، يقدر أدريان زينز أن ما بين 10% إلى 11% من سكان الأويجور والكازاخستانيين محتجزون حاليًا، على الرغم من أنه تم الاستشهاد بحصص تصل إلى 40% في بعض المناطق، ويستمر المخيم في الاتساع.

 

تصميم: المنصة

المسؤولية الجماعية

هناك خصوصية ثقافية غريبة لبعض التدابير في شينجيانج؛ هذه دولة أمنية ذات خصائص صينية. تم إحياء الممارسة التقليدية الصينية المتمثلة في تكليف مجموعات من عشر أسر إلى وحدات مساءلة متبادلة في أجزاء من شينجيانج، حيث أصبحت الآن أسر الأويجور مسؤولة بشكل جماعي.

ولأن بعض الهجمات الإرهابية شملت السكاكين (ويعتقد الصينيون أن جميع الرجال الأويجوريين يجب أن يحملوا شفرة حادة)، فإن السلطات في شينجيانج طبقت رقابة صارمة على السكاكين؛ قبل البيع، يجب حتى حفر سكاكين المطبخ باستخدام رمز الاستجابة السريعة الذي يحمل رقم بطاقة الهوية الشخصية للمشتري وبيانات أخرى. الطهاة الأويجور في مطابخ المطاعم يقطعون بسواطير مثبتة في الجدران.

في تكرار لممارسات الثورة الثقافية المتمثلة في "ترحيل" سكان المدن إلى الريف، تم إرسال المسؤولين الصينيين والمثقفين، ومعظمهم من الهان، منذ عام 2014 ليعيشوا لفترات معينة في منازل عائلات الأويجور. خلال حملة بعنوان "وحدة العرق" أصبحت تسمى "أسبوعًا عائليًا".

في ديسمبر/ كانون الثاني 2017، انتقل مليون شخص من كوادر الحزب الشيوعي الصيني للعيش وتناول الطعام والعمل مع الأويجور. في هذه الإقامات المتكررة، يعمل مسؤولو الهان على تعليم الصينيين الأويجور "الأخوة الصغار" و "الأخوات الصغيرات"، وإرشادهم بفكر جين جينبينج، وإنشاد النشيد الوطني الصيني، بينما يساعدونهم في أعمال المنزل.

في مقطع فيديو موسيقي يحتفل بالحملة، أنتجته رابطة الشباب الشيوعي في شينجيانج، يصل مسؤولو الهان إلى القرية مرتدين حذاء المشي لمسافات طويلة ويحملون حقائب ظهر، كما لو كانوا في رحلة استكشافية للتخييم. تمر الصور من الهان والأويجور وهم ينظرون إلى الكتب، يكنسون الباحات القذرة ويتناولون الطعام معا. في الموسيقى التصويرية، يغني مغني موسيقى صينية بأن العيش بين الأويجور يساعد على استعادة الروح الثورية الرومانسية لسنوات تولي شي جينبينج، السكرتير العام للحزب، مسؤولية "الشباب المتعلم" في قرية شانشي الريفية.

غير أن منشورًا على وسائل التواصل الاجتماعي من جامعة بينجتوان للبث التلفزيوني، التي بعثت بفرق إلى قرية "اكيكي كانل" التي يقطنها الأويجور، كشف أن الزيارات المنزلية تتعلق بالمراقبة أكثر من الصداقة بين الأعراق "إن فريق عمل [الجامعة] عاقد العزم. يمكننا أن نزيل الستار تمام عن آكي كاين تماما، وننظر خلف الستار، ونقضي على أورامها". وبعد بضعة أشهر من زيارات فرق العمل في بينغتوان، اختفى خمس السكان البالغين في "آكيكي كانل" في المخيمات.

تهدف إجراءات الحزب الشيوعي الصيني من اعتقالات جماعية وتلقين قسري للأقليات المسلمة، إلى إعادة تشكيل الهويات بشكل قسري. تظهر كلمة "تربوي أو اهتداء" (zhuanhua) في الأسماء الصينية الرسمية للمعسكرات (مثل مركز التدريب التربوي- jiaoyu zhuanhua peishun zhongxin)، وفي لوائح "القضاء على التطرف". ويجد الحزب الآن بصورة متزايدة إيمانًا إسلاميًا وحتى ثقافة عرقية غير هانية معادية لهدف الوصول إلى هوية صينية متجانسة.

هناك مخاطر جسيمة لحبس مليون شخص من أجل التلقين القسري على أيدي حراس حشدوا على عجل وغير مدربين. حتى لو تجنبت حملة إعادة التعليم في شينجيانج التعذيب والاغتصاب والقتل على نطاق واسع، تلك الأفعال التي صاحبت التطعير العرقي في أماكن أخرى، يمكن للأويجور وغيرهم من الشعوب التركية الصمود وتحمل الصدمة النفسية التي تسببها المعسكرات، فإن من شأن التخلي عن التقاليد الصينية في إدارة التنوع لصالح الأيديولوجية القومية الغربية، يشكل مأساة لجمهورية الصين الشعبية، وهو أمر غير ملائم لعصر العولمة الذي تريد الصين أن تساعد في تشكيله. مع كل ذلك اخترعت الصين مناطق الحكم الذاتي والمناطق الاقتصادية الخاصة وفكرة "بلد واحد ونظامين."

كانت جمهورية الصين الشعبية قد اختبرت ذات مرة بشكل خلاق نماذج للسيادة السياسية والاقتصادية المعاد تخصيصها من أجل معالجة القضايا الحدودية التي خلفها ماضي تشينج الإمبراطوري (شينجيانج، التبت، هونج كونج، تايوان). وقد فعلت ذلك من خلال الأفكار السياسية المستمدة من ذلك الماضي (التعددية الإمبريالية، الجيوب التجارية الحدودية، المناطق المعفاة من الضرائب، موانئ المعاهدات). ما يُطلق عليه أحيانًا "مشكلة شينجيانج" ليس سوى بُعد واحد لمسألة أوسع: هل يمكن للصين بالشكل الحالي أن تتقبل التنوع؟ أم أنها تخطط لحل مشكلة التبت، ومشكلتها في هونج كونج، ومشكلة تايوان، كما تقعل مع مشكلة شينجيانج: بمعسكرات الاعتقال؟


* قارن الكاتب بألمانيا الشرقية باعتبارها الدولة البوليسية مضرب المثل في العصر الحديث في العالم الغربي


قراءة طويلة أخرى من المنصة: القاهرة.. شيء يشبه قصة الحب