الكتب الخمسة التي صدرت من سباعية مارتن حتى الآن

أغنية الجليد والنار (1-3).. كَسْر قواعد الفانتازيا

منشور الثلاثاء 23 فبراير 2016

يتذكر جورج ر. ر. مارتن أنه قال لنفسه ذات يوم "سأكتب رواية فانتازية، وستكون رواية ملحمية ضخمة، وسأضع فيها كل الشخصيات والأحداث والمعارك التي أرغب فيها"، لكنه على الرغم من هذا لم يكن يعرف عما ستدور تلك الملحمة المزمعة بالضبط، إلى أن أتاه الإلهام في شكل مشهد تخيله لعثور مجموعة من الرجال على الذئاب الرهيبة الوليدة بين الثلوج، المشهد الأول الذي بدأ به كل شيء في ما أصبح أشهر وأهم أعماله على الإطلاق، سباعية "أغنية الجليد والنار".

هكذا، في سنة 1996 نشر مارتن رواية وقعت في أكثر من 800 صفحة بعنوان "لعبة العروش"، الجزء الأول مما كان يخطط له وقتها أن يكون ثلاثية تتناول الصراع على السلطة بين عدد من العائلات الكبرى في العالم الخيالي الذي صنعه شبيهًا بعالمنا في القرون الوسطى. وعلى الرغم من أن "لعبة العروش" لم تحقق بمجرد نشرها النجاح الباهر الذي نعرفه اليوم، إلا أنها وجدت تشجيعًا لا شك فيه من عدد كبير من باعة الكتب المستقلين الذين رشحوها لزبائنهم، والذين رشحوها بدورهم لأصدقائهم، وهكذا بدأ جمهور مارتن يتشكل ببطء في البداية، وأخذ ينمو مع مرور الوقت وخروج الأجزاء التالية من السلسلة التي قرر مارتن أنها لم تعد تصلح لأن تكون ثلاثية فقط، عندما فرغ من كتابة الجزء الثالث ووجد أنه لم يحك نصف ما يرغب في حكايته بعد، قائلًا إن "الحكاية طالت في الحكي"، واستقر على أن تكون "أغنية الجليد والنار" سباعية.

وقعت الأجزاء الخمسة التي صدرت حتى الآن في أكثر من خمسة آلاف صفحة، وباعت أكثر من 60 مليون نسخة في أكثر من 40 لغة وفازت بعدد كبير من الجوائز الأدبية المهمة بخلاف الترشيحات، وبكل تأكيد ساهم إنتاج مسلسل "Game of Thrones" المأخوذ عن السلسلة في مضاعفة جمهور مارتن في جميع أنحاء العالم عدة مرات، حتى أن مجلة "TIME" وصفته بأنه أقوى رجل في هوليوود في الوقت الحالي، وهو الوصف الذي أنكره مارتن.

بالإضافة إلى النجاح التجاري الضخم، لاقت السلسلة نجاحًا موازيًا من النقاد الذين أشادوا بها، فبينما كان البريطاني تولكين Tolkein هو صاحب الفضل الأول في تأسيس أدب الفانتازيا الملحمي في تحفته الخالدة "سيد الخواتم" والحكايات الأخرى التي تدور أحداثها في أرضه الوسطى، فمنذ ذلك الحين والغالبية العظمى من كتاب الفانتازيا يحذون حذوه، بينما مارتن هو صاحب الفضل في تناول هذا النوع من الأدب الخيالي بأسلوب أكثر جدية وحرفية ممن كتبوا الكثير جدًّا من الأعمال التي لم تتعد محاكاة رديئة لما قدمه تولكين، والتي تدور بشكل أو بآخر دائمًا حول شخص تقليدي يكتشف قواه الكامنة وينقذ العالم بتدمير شيء سحري ما للقضاء على الشرير الرئيس الذي يملك آلاف الأتباع، ثم النهاية السعيدة دون أن يموت أحد من الأبطال على الرغم من كل المخاطر الضخمة التي واجهوها، بينما ما قدمه مارتن في حكايته لشخصيات رمادية من الممكن أن نجدها في عالم الواقع، تركيباتها المعقدة ودوافعها وأهدافها وما ترتكبه من أفعال لا يمكن الحكم عليه ببساطة، بالإضافة إلى المحتوى الأدبي الثري الذي حرص مارتن تقديمه بلغة ظلت بمنأى عن التعقيد والتكلف وبأسلوب لا يعرف الملل له طريقًا، هو ما دفع النقاد إلى الإشادة بكتابته.

أوجد مارتن لنفسه كذلك قاعدة عريضة من المعجبين بين كبار المؤلفين، حيث قال ستيفن كينج Stephen King إن "مارتن راوي قصص بالفطرة يتمتع بخيال واحد في المليون، والمسلسل المأخوذ عن سلسلته رائع، لكن الكتب أفضل بكثير"، بينما قال تشاك بولانك Chuck Palahniuk مؤلف "نادي القتال" إن مارتن "كتب حبكة محكمة لا يعوزها التشويق والإثارة"، وقال نيل جايمان Neil Gaiman صاحب "آلهة أمريكية" إن "مارتن يأخذ راحته في الكتابة وله مطلق الحرية في هذا طالما أن هذه هي نتيجة عمله".

أصدر مارتن الجزء الثاني من السباعية بعنوان "صدام الملوك" في سنة 1998، والجزء الثالث "عاصفة السيوف" في سنة 2000، والجزء الرابع "وليمة للغربان" في سنة 2005، والجزء الخامس "رقصة مع التنانين" في سنة 2011، وما زال قراؤه حول العالم ينتظرون بشغف شديد صدور الجزء السادس "رياح الشتاء" الذي تأخر طويلًا ولم يُعلن بعد عن موعد صدوره، ناهيك عن الجزء السابع "حُلم بالربيع" الذي قد يتأخر خمس سنوات أخرى إذا استمر مارتن في الكتابة بهذا المعدل البطيء، وقد اشتكى كثيرون من بطء مارتن الشديد في الكتابة، وأعلن بعضهم عن تخوفه من وفاته قبل الفروغ من السلسلة، خصوصًا أنه رفض أن يكملها أحدهم بعده إذا مات قبل أن ينهيها كما حدث مع روبرت جوردان الذي توفى قبل أن يكمل الكتاب الأخير من ملحمته، وكان رد مارتن على هؤلاء ببساطة هو: "اذهبوا إلى الجحيم!".