"ذيب".. بدو الجزيرة العربية بطريقة "الويسترن"

منشور الأحد 14 فبراير 2016

ليست مبالغة اعتبار الفيلم الأردني "ذيب" واحدًا من أفضل الأفلام في تاريخ السينما العربية، والأفضل خلال العقد الثاني من القرن العشرين حتى الآن، ليس بسبب فنياته المتميزة فقط – من حيث الإخراج والتصوير والمونتاج والموسيقى – بل وأيضًا من الناحية الفكرية.

فيلم "ذيب" لا يعتبر فقط نقلة في السينما الأردنية – رغم أنه العمل الأول لمخرجه ناجي أبو نوار – بل أنه أيضا نقلة في السينما العربية بشكل عام علينا جميعا أن نشجعها ونحذو حذوها.

وتدور أحداث "ذيب" وهو إنتاج أردني إماراتي قطري بريطاني مشترك، في الجزيرة العربية عام 1916 أثناء اندلاع الثورة العربية الكبرى خلال فترة الخلافة العثمانية وفي خضم الحرب العالمية الأولى.

ويتناول قصة الطفل "ذيب" (جاسر عيد) البدوي الذي يتبع أخيه الأكبر "حسين" (حسين سلامة) فيتركان قبيلتهما ليصحبا ضابطا إنجليزيا (جاك فوكس) في طريق الحجاج الذي طمسه الزمن ونسته الأحداث ليواجهوا مخاطر عدة ناتجة عن التغيرات في المنطقة في هذه الوقت خاصة مع بداية بزوغ الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين.

في هذا الفيلم يواجه البطل الصغير التغيرات في المنطقة في هذه الفترة تماما مثلما تواجهها المنطقة نفسها حيث الحرب العالمية الأولى، والصراع بين الأتراك والإنجليز على السيطرة على المنطقة وأيضا بزوغ الثورة العربية الكبرى التي تحاول التخلص من المستعمر ولكن الأهم هو هذه التكنولوجيا وهذه الحداثة التي انفجرت في المنطقة – كالقنبلة التي يحملها الضابط الإنجليزي والتي قد تنفجر بأي وقت في وجه  البطل الفضولي – فأحدثت صدمة عصبية تتسبب في شلل دماغي للعقل العربي ربما لم ينجو منه العرب حتى الآن.

 

مُدنٌ أخرى للملح

وتقترب هذه الرؤية التي يطرحها كاتب ومخرج الفيلم الملحمي كثيرا من الرؤية التي تبناها وطرحها الروائي السعودي عبد الرحمن منيف في خماسيته "مدن الملح" (التيه – الأخدود – تقاسيم الليل والنهار – المنبت - بادية الظلمات)، والتي تتناول الحياة في الجزيرة العربية مع بداية اكتشاف النفط والتحولات المتسارعة التي حلت بالمنطقة إثر ذلك.

تستعرض أحداث الفيلم تأثير هذه التغيرات التي طرأت في المنطقة على بدو الجزيرة العربية وعلى أبطال الفيلم (الجيل الجديد) بشكل خاص، فأبطال الفيلم يواجهون 3 أعداء هم الأتراك والإنجليز وقطاع الطرق من البدو، ولكن الصراع الحقيقي والذي يظهره الفيلم يأتي من قبل قطاع الطرق الذين كانوا يصحبون الحجاج في طريقهم إلى الحجاز قبل إنشاء السكك الحديدية التي قطعت عيشهم كقطعها للصحراء والتي جعلت الحجاج يستغنون عن خدماتهم لتحولوا إثر بذلك إلى قطع الطريق من أجل الحصول على لقمة العيش.

البطل "ذيب" لا يقبل أن يتحول إلى قاطع طريق حيث خيانة أقرانه من البدو وقتلهم وسرقة أموالهم ومتاعهم وبيعها للأعداء كالأتراك مثلا، وفي هذا السياق يتحول من الطفولة إلى "الرجولة" بمعناها الدارج وهي تحمل المسؤولية وخاصة مسؤولية نفسه، فهو يستطيع كذئب أن يعيش بداخل بئر عميق ومظلم وسط قطاع طريق يحملون مسدسات وبنادق وخناجر وأيضا جبال تحيط بالوادي من كل جهة تمنعه من الهرب وصحراء جرداء ومقفرة تمنعه من الوصول إلى قبيلته، ويستطيع في النهاية أن يتخطى كل هذه العوائق، بل ويستطيع أيضا أن ينتقم ممن قتل أخيه وخان العهد وخرج عن أعراف البدو.

 

 

لا حدود لـ "الويسترن"

ينتمي فيلم "ذيب" إلى نوعية أفلام الرحلة وأيضا أفلام الغرب الأمريكي. وعلينا أن نوضح هنا أن أفلام الغرب الأمريكي لا تقتصر فقط على الأفلام الأمريكية التي تدور في غرب أمريكا في القرن التاسع عشر بل أنها قد تخطت الحدود ليصبح أي فيلم يصنع في أي مكان حول العالم يتخذ سمات أفلام الغرب الأمريكي ينتمي لهذا النوع.

وفي هذا السياق يبين مخرج فيلم "ذيب" ماهية أفلام الغرب الأمريكي من وجهة نظره في أحد الحوارات معه: "أحب أفلام الوسترن (الغرب الأمريكي). ما هي المميّزات الرئيسية لأفلام الوسترن؟ اختيار زمن التغيّرات الكبرى، عادة بسبب حروب أهلية أو تغيّر جذري في المشهد العام في بلد ما، وسيادة حالة من الفوضى ومن عدم الاستقرار... في الغرب الأمريكي تزامن هذا التغيّر الجذري مع وصول خطوط سكك الحديد إلى تلك المناطق، وما انجرّ عن ذلك من انتشار مظاهر التمدّن والتحضّر. وفي المنطقة العربية، زمن الحرب العالمية الاولى، والثورة العربية الكبرى... نجد أن كل المحدّدات التي ذكرناها سلفا... كانت كلّها متوفّرة في تلك المرحلة... بداية القرن العشرين مرحلة رئيسية ومركزية لفهم التاريخ العربي الحديث والمعاصر. ليس هذا فحسب، فحياة البدو هي الأخرى شهدت تغيرات جذرية خاصة مع وصول خط سكك حديد الحجاز، والقوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية وطرد العثمانيين. كل هذه المفردات نجدها في أفلام الوسترن."

في هذا الحوار يؤكد مخرج الفيلم أنه استلهم نوعية أفلام الغرب الأمريكي ليصنع فيلما عربيا عن البدو تدور أحداثه في الجزيرة العربية وهو ما يبين مدى تأثر صناع الفيلم بالسينما الغربية وخاصة السينما الأمريكية، وهو أمر لا يعيب صناع الفيلم فالسينما والفن والثقافة بشكل عام لا ينتميان لشعب معين بل هما ملك لكل الشعوب، فمثلما أن الغرب في العصور الوسطى قد نهل كثيرا من الحضارة والثقافة العربية وبنى عليها حضارته وثقافته الحالية.

ما المانع إذن أن نأخذ من الغرب قوالب سينمائية معينة – خاصة أن السينما نفسها منتج غربي- طالما أن صناع السينما العرب واعون تماما باستخدامهم وتوظيفهم لهذه النوعية عبر وضعها في قالب محلي ومناقشة قضية تؤرق من يوجه إليهم العمل الفني من جمهور محلي قبل العالمي، وهو ما نجح فيه تماما صناع فيلم "ذيب" ليتأهل إلى الترشح لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي والذي جعل دور العرض العربية تتهافت على عرضه قبل إعلان نتيجة الأوسكار بنهاية الشهر الجاري.