هارالد باودير- شبكة الأبحاث الإنسانية
مسيرة في فرايبورج للترحيب باللاجئين في 2015

مع جرائم لاجئي الشرق: مدن ألمانيا على حافة الغليان

منشور الاثنين 12 نوفمبر 2018

هذا التقرير هو ترجمة بتصرُّف لتقرير نشرته مجلة شبيجل أون لاين الألمانية بعنوان "مدينة على الحافة"

بين الغابة السوداء ونهر الراين، تقع مدينة فرايبورج في جنوب غرب ألمانيا. في تلك المنطقة من البلاد التي تمتاز بتواجد الشركات العالمية والاقتصاد القوي والطبيعة الخلابة؛ تتركز تجمعات كبيرة من اللاجئين العرب. وهناك أيضًا، وقعت جريمة اغتصاب جماعي لفتاة في الثامنة عشرة، ظنت أن حياتها آمنة حتى أخذها رفيق سهرة في تمشية قصيرة في الغابة، تناوب فيها الاعتداء عليها مع سبعة لاجئين آخرين. 

"تغيرت المدينة كثيرًا منذ 2015، كل من يحاول المساعدة لا حول له ولا قوة، والسلطات مثقلة." بهذا الاقتباس على لسان سكان من مدينة فرايبورج، بدأ موقع شبيجل الإلكتروني – التابع لمجلة دير شبيجل- تقريره لتغطية حادث اغتصاب الفتاة، والمنشور في الثالث من نوفمبر/ تشرين ثان الجاري، تحت عنوان "مدينة على الحافة".

في ليل 13 أكتوبر/ تشرين أول، ذهبت الفتاة إلى ملهى تعرفه، وقابلت شابًا لا تعرفه. ووفقًا لتحقيقات الشرطة، أعطاها الشاب قرصًا مخدرًا- ترجح الشرطة انه مخدر الاكستاسي- تقول تحقيقات الشرطة إنه يبدو أن الفتاة والجاني كانت تربطهما علاقة ما، وقالت الفتاة إنها حصلت على دعوة مفتوحة للشراب منه طوال الحفل، وفي حوالي منتصف الليل، غادرا الملهى معًا. 

وفقًا للمحققين، فإن الفتاة أفادت في بلاغها أنها فقدت السيطرة بسبب مادة مجهولة في شرابها. وأن الجاني الرئيس اغتصبها وتركها، ثم جاء رجال آخرون. 

ثمانية من المشتبة بهم رهن الحجز الآن بينهم ألماني واحد. غير أن فريق التحقيق المكون من 13 عضوًا، لا يستبعد وجود المزيد من المتورطين في الجريمة، فعلى الأقل يوجد اثنان آخران استنادًا إلى نتائج تحليل الحمض النووي الذي وُجد على ملابس الفتاة.

في 14 أكتوبر، اليوم التالي على الجريمة، حررت الفتاة محضرًا لدى الشرطة، التي استطاعت الوصول للجاني الرئيسى بعد 6 أيام، استنادًا إلى مطابقة الحمض النووي.

الشاب البالغ من العمر 22 عامًا، لاجئ معروف لدى شرطة فرايبورج في جرائم أخرى سابقة، كالمتاجرة بالمخدرات واستعمال القوة والاعتداء على الممتلكات، واشتباه في اعتداءات جنسية سابقة. وأصدرت الشرطة أمرًا بإعتقاله في 10 أكتوبر - قبل ثلاثة أيام من الجريمة- ورغم التحذيرات من خطر المشتبه به، إلا أن أمر إعتقاله لم ينفَّذ إلا بعد عدة أيام. وأعلنت وزارة الداخلية في شتوتجارت (عاصمة ولاية بادن فورتِمبيرج التي تقع بها ضاحية فرايبورج) أن التأخير حدث لأسباب تكتيكية، وبعد ذلك بوقت قصير أعلنت الشرطة أنها لم تكن تعرف مكان الرجل فحسب. بعد أن تم القبض عليه إثر الجريمة الأخيرة؛ قادت التحقيقات معه إلى سبعة لاجئين آخرين، منهم سوريين، مشتبه بتورطهم في الحادثة بالإضافة لمتهم ألماني الجنسية، يعيش معظم المتهمين في مراكز اللجوء حول فرايبورج.

 

كاتدرائية فرايبورج التي يقدم متطوعوها خدمات للاجئين لمساعدتهم على الحياة والاندماج في المجتمع الألماني 

ليست تلك الحادثة الأولى من نوعها التي تشهدها فرايبورج؛ ففي أكتوبر 2016، هاجم اللاجئ الأفغاني حسين ك. الطالبة ماريا إل. البالغة من العمر 19 عامًا على شاطئ درايزام.

لاحقًا تم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة، وهي أقصى عقوبة وقِّعت على لاجئ نظير جريمة مماثلة. أصداء تلك الجريمة كانت واسعة، وحاولت بلدية المدينة منذ ذلك الوقت بذل الكثير من الجهد بالتعاون مع شرطة ولاية بادن فورتمبيرج حتى يعود للمواطنين الشعور بالأمان، فقاموا بمبادرة "حياة يومية آمنة"، التي كان هدفها إنارة كل الأزقة والزوايا المظلمة، وإرسال عناصر الشرطة لتفقد الأماكن العامة طوال الوقت. 

ربما لم يكن ذلك كافيًا لقاطنى فرايبورج الذين ما زال لديهم خوف من الغرباء، يتجدد مع كل جريمة . يقول احد سكان المدينة لشبيجل "المدينة تغيرت كثيرًا منذ 2015 (الارتفاع الكبير في عدد اللاجئين الوافدين من الشرق الأوسط وإفريقيا وشرق وجنوب آسيا)، فى الأزقة يترنح الكثير من السكارى، ولم يعد بإمكان السيدات الركض فى المنتزه وحدهن".

والآن تبدو الدولة قلقة على فرايبورج، حيث يسود العجز التام، وقضية اللاجئين أصبحت قضية مثيرة للتوتر على مستوى البلاد، بينما حزب "البديل من أجل ألمانيا"، وهو حزب يميني معادي للاجئين، يدعو مؤيديه لمسيرة في المدينة، مستغلًا الحادث من أجل أغراض سياسية.

وحسب ما نشرته شبيجل في تغطيتها، ففي يناير/ كانون ثان الماضي، أنشأت وزارة الداخلية لولاية بادن فورتيمبيرج قوة خاصة لمبادرة "أجانب خطرون "حتى يتم ترحيل كل الذين رُفضت طلبات لجوئهم بسرعة، وتتساءل شبيجل "ولكن كيف؟"، وتعلِّق "حوالى 60% من عمليات الترحيل في بادن فورتيمبيرج وحدها، فشلت في غضون عام واحد. وذلك لعدم العثور على طالبي اللجوء المرفوضين". وتضيف الصحيفة "أيًا كانت الإجراءات التى سوف يتم اتخاذها، فمن المؤكد أن المدينة قد لم تعد تحتمل المزيد"، وهو  ما أكدته كاترين سايمون الباحثة في العلوم الإسلامية في جامعة فرايبورج، وعضوة حزب الخضر في خطابها خلال المسيرة التي نظمها حزب "البديل من أجل ألمانيا".

تذكر سايمون كيف رحب السكان باللاجئين بحفاوة في أول استقبال لهم عام 2015، ورغم أن عدد اللاجئين في المدينة بلغ حوالي ثلاثة آلاف لاجئ؛ وصل عدد المتطوعين لمساعدتهم إلى ألفي متطوع، "لكن النشوة الأولى تبعتها خيبة أمل و بعد وقت قليل،  أدرك المساعدون أن الكثير من اللاجئين هم شباب مصابون بصدمات نفسية، يعانون من فقر التعليم والقدرة على الاندماج.. ليس المتعلمون وحدهم هم من فروا من مناطق الحرب". الآن يتساءل سكان المدينة وكثير ممن تطوعوا لمساعدة اللاجئين "ما مقدار ما يتعين علينا تحمله باسم التسامح؟"

فقر يرحل من الوطن إلى فرايبوج

 

لاجئون يصلون إلى محطة قطار في ألمانيا

ورغم تردد سكان الولاية الثرية في مسألة الاستمرار في استقبال اللاجئين؛ إلا أن "الطبقة البرجوازية المتعلمة" كما تصفها شبيجل،  لا تزال تحاول جاهدة دمج الغرباء من خلال تنظيم رحلات للاجئين للتعرف على مركز شرطة المدينة، والتنزه في الغابة السوداء قرب فرايبورج. ومع ذلك فالمشاكل الأساسية ما زالت بلا حلول، فلا يوجد شقق للاجئين وكثير منهم يعيشون في حاويات سكنية كما الحال في منطقة ليتنفايلر، وهو حي يقع شرق فرايبورج. وتقع حاوياتهم على بعد أمتار قليلة من مدخل المدينة على الطريق السريع في  "كابلر نوتن"، وهو عبارة عن حاويات سكنية يعيش فيها ما يقرب من 250 لاجئ من عشر بلدان، يتكفل بإعاشتهم المتطوعون.

وسط حاويات ليتنفايلر عاش أحد المشتبه بهم في اغتصاب الفتاة التي تبدأ بها قصتنا. يقبع هذا اللاجئ في الحجز الآن. يقول شريكه في السكن لشبيجل "أتذكره جيدًا، هو في منتصف العشرينيات. وكان ودودًا للغاية معي وفجأة أتت الشرطة واحتجزته". ويقول شريكه أيضًا انه كان حريصًا على تلقي دورات اللغة الألمانية التي تمولها بلدية المدينة في الجامعة الأهلية، لمساعدة اللاجئين على الحياة والاندماج. كما وجد فرصة عمل جيدة في مطعم في مركز المدينة. 

في خطابها خلال المسيرة تقول كاترين سايمون أستاذ الدراسات الإسلامية "من يقبعون فى الحجز الآن قلة قليلة من اللاجئين العرب الذين يعيشون في فرايبورج، معظمهم هرب من الحرب والبطش إلى عالم غريب عنهم لا يقل فيه شأن المرأة عن غيرها، بل هي متحررة، وكلا الجنسين يتحدد له دوره منذ الصغر"، ويبدو أنها كانت تشير إلى وضع النساء المختلف في ألمانيا عن وضعها في العالمين العربي والإسلامي، وهو ما لم يستوعبه - في رأيها- هؤلاء اللاجئين؛ فتتكاثر جرائمهم في حق النساء.

 

مدينة فرايبورج حيث تقع جرائم متتالية للاعتداء على النساء وقتلهم من قبل لاجئين عرب ومسلمين 

لكن هل ذلك مجرد إحساس أم أكثر من ذلك؟

حسب إحصائيات الجريمة التي أفاد بها برنارد روتسينجر مأمور نقطة شرطة فرايبورج، "تقييم الأمان نسبي وفق كل شخص، هناك من يشعر أن ذلك (اعتداءات اللاجئين) مجرد انطباع، وهناك من يراه واقعا، فالوضع الأمني في فرايبورج مستقر، ولكن الجريمة في الشارع تعود". لكن هروستينجر لم يخف انزعاجه وزملائه من نوع معين من الجرائم "منذ عام 2016 كثرت بلاغات الاعتداءات الجنسية، وذلك يرجع إلى زيادة وعي النساء (ما يدفعهن للإبلاغ) وتشديد عقوبة الجرائم الجنسية".

استقرار سوريا شرط إعادة المجرمين

في تحقيقها استعادت شبيجل الانتقادات التي وجهها حزب المعارضة اليميني "البديل من أجل ألمانيا" لوزير الداخلية توماس شتروبل، عضو الحزب المسيحي الديمقراطي (الذي تنتمي إليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل). وطالب اليمينيون والرافضون للاجئين وزارة الداخلية الألمانية بتوضيح أسباب ما يرونه "تقاعسًا" في ترحيل المهاجرين واللاجئين الخطرين إلى بلدانهم. الخبير الأمني في المجموعة البرلمانية للحزب الديمقراطي الحر - يمين- أولريش جول، قال إن وزير الداخلية لم يكن في الصورة "وفي هذه الحالة فإن المشكلة تكمن في الإدارة. هناك مشكلة إنقاذ في البلاد".

ومع ذلك، برر وزير الداخلية تأخر الترحيل بأن جنسية اللاجئ أو المهاجر الخطر ربما كانت هي ما يعوق ترحيله "لا نستطيع ببساطة ترحيل المجرمين السوريين إلى سوريا في الوقت الراهن". ودعا الحكومة الفيدرالية إلى إعادة تقييم الوضع منذ 2012، والتحقق من إمكانية إعادة المجرمين على الأقل إلى مكان آمن في سوريا.

ربما أصبح الضغط على الحكومة الألمانية أكبر، غير أن مع كل جريمة يرتكبها مهاجر أو لاجئ، تتأجج المشاعر السلبية تجاههم  مجددًا، وهناك ازدياد في مطالبات موجهة الحكومة بإعادة تقييم الوضع في استقبال اللاجئين منذ 2012، خاصة بالنسبة للمجرمين اللاجئين من سوريا، الذين تتباطأ الحكومة في ترحيلهم حتى لا تتعرض حيواتهم للخطر في دولة لا تزال تعاني ويلات الحرب والقصف الذي لا يتوقف. تتساءل شبيجل "هل أصبح قرار ترحيلهم إلى موطنهم على المحك؟"

الضغط كبير حتى على عمدة فرايبورج مارتن هورن، الذى حذر ضد الأحكام المسبقة، وطالب في الوقت نفسه بمواصلة ملاحقة المجرمين أيًا كان وضعهم القانوني في البلاد. جاء ذلك في محادثة وصفتها شبيجل بأنها "قصيرة للغاية" أنهتها المتحدثة الرسمية له معلقة بأنه "قال كل شيء" ولكن وراء الكواليس، علمت الصحيفة أن العمدة يخضع لسيل لا يتوقف من المقابلات بسبب هذه القضية، واضطر لإغلاق حسابه على تويتر بسبب ما وجه إليه من إهانات وتهديدات بالقتل.