الدكتورة سوسن حسني والمهندس حاتم الهادي خلال نقاش منتدى الدين والحريات- تصوير: صفاء سرور

من الأزهر إلى البهائية: سيرة أسرة مصرية

منشور الخميس 18 أكتوبر 2018

أسرة تُشكك في ولاء أبنائها، نظام يسجنهم بتهمة "التخطيط لقلب نظام الحُكم"، وبطاقة هوية تصف سيدة بـ"الآنسة" على الرغم من كونها جدة.. هذا بعض ما مرّ به مصريون بهائيون في عقود مضت، ووثّقته سيدة منهم هي الدكتورة سوسن حسني في كتابها "رحلة من الإيمان إلى الإيقان".

الكتاب الذي صدر في أوائل العام الجاري 2018، كان محور حلقة نقاشية عقدها منتدى الدين والحريات بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، مساء أمس الأربعاء بحضور المؤلفة، وأدارها الباحث عمرو عزت، وتناولت السيرة الخاصة باﻷسرة وما واجهته من مصاعب.

 

في التجربة

"تجربة غير عادية ومررت فيها بمراحل كثيرة"، كان هذا هو السبب الذي أجابت به حسني، الحاصلة على الدكتوراة في علم اللغة التطبيقي والتي تعمل الآن كاستشارية تعليمية، عن سبب إصدار كتاب يوثّق تجربتها. أما عن فكرته فأكدت أنها "تنويرية، لا تعني أن هذا الدين صحيح وذلك خاطئ، بل أن يعرف الإنسان طريقه إلى الله بنفسه وليس عن طريق الآخرين".

تحكي حسني عن اعتناقها وأسرتها للبهائية، في عام 1978 حين كانت تعمل وزوجها مدرسين للغة العربية والتربية الدينية الإسلامية، قائلة إن ما سبقها كان تعمقًا منها وزوجها في الدراسات الدينية ولجوء إلى القرآن وتفسيره، وأنهما واجها تحديات كثيرة، كان أولها أنهما بلغا مركزًا أكاديميًا واجتماعيًا مرموقًا "كان من اﻷفضل لنا ألا نبحث في دين جديد؛ ﻷنه أمر ينطوي على خطر فقداننا لوظائفنا بينما نعول ثلاثة أطفال".

"وجدنا في الدين الجديد قيم ورسائل تتناسب مع العصر، وأيقنت أن رسالة الله لا تنقطع"، تقول سوسن التي عملت في مصر موظفة بوزارة الأوقاف، ثم سافرت إلى الإمارات وعملت مدرسة للغة العربية حتى عادت لمصر في 1979، بعد عام واحد من اعتناقها البهائية،  وعدم توفر فرصة عمل لها تسمح بتدريس اللغة العربية دون الدين الإسلامي الذي يُدرّس بطريقة "تخالف فهمهم للقرآن"، وفقًا لما ذكره للمنصّة ابنها حاتم الهادي، في اتصال هاتفي مع "المنصة".

وبعد عام واحد من اﻹقامة في مصر، انتقل الزوجان إلى السودان للعمل كمدرسين للغة عربية، ثم عادا لمصر أواخر 1984، ليلقى القبض عليهما 1985، وبعدها اتجها للعمل كمدرسين للعربية في الصين.

بجانب حديث الدكتورة سوسن حسني، استعرض ابنها المهندس حاتم الهادي، ذكرياته كطفل في السادسة من عمره، لحظة تحول أسرته للبهائية ووصفها بـ"المفاجأة"، قائلاً "كنا في رمضان، وبابا قال لي مش هنصوم النهاردة".

وردًا على سؤال للمنصّة حول وقع أمر التحول من دين ﻵخر على اﻷطفال، وحقّهم في تقرير مصيرهم، ردّت اﻷم بقولها "كُنا بنصلي ونصوم مع بعض؛ فكان لازم يعرف إحنا ليه مش هنصلي تاني"، لكنها أكدت أن "اﻷطفال عندما يبلغون سن الخامسة عشر؛ يصبح من حقهم تقرير اتباع الدين الذي يختارونه. وأن ذلك قانون بهائي، وأنهم على الرغم من وضعهم في إطار اجتماعي معين ﻷنهم مختلفون، إلاّ أنهم يدرسون في المدارس دين إسلامي أو مسيحي".

وفقًا لتعاليم البهائية، التي طالعتها المنصّة والمتوفرة على الإنترنت؛ فإن الخامسة عشرة هي سن التكليف بالعبادات، وإعلان الطفل كونه بهائيًا أم لا، لكن هذه التعاليم لا تذكر تخيير الطفل بين البهائية ودين آخر.

يقول الهادي "15 سن النضج والإدراك الفهمي ﻷن يختار ويصبح مسؤولاً عن نموه الروحاني بنفسه، بعد أن يكون تربى على المبادئ البهائية وقرأ عن الأديان الأخرى".

تحديات واتهامات

واجهت سوسن وأسرتها كبهائيين مصريين عددًا من التحديات على مستويات عدة، حسبما ذكرت "فقدنا وظائفنا لكننا عوُضنا عنها بعمل آخر، واتهمتنا العائلة بتلقي أموال لبيع ديننا، لكن منهم من عاد لصداقتنا ومنهم من اعتنق البهائية. أما ثالث التحديات؛ فكان السجن الذي لم أتصور أن أودع به يومًا بسبب عقيدتي، لكن التجربة مرّت بسلام وخرجنا بعد 9 أيام، ثم انتهت القضية بالبراءة".

سُجنت سوسن حسني ضمن عشرات البهائيين ألقي القبض عليهم عام 1985 من محافظات مختلفة، وكان بينهم الفنان التشكيلي حسين بيكار، حسبما ذكرت خلال الندوة "كانت اﻷحراز كُتبًا، وكانت أسئلة النيابة عن الصوم والصلاة، أما التهمة فكانت اتباع تنظيم بهدف قلب نظام الحكم".

 

جانب من حضور نقاش منتدى الدين والحريات- تصوير: صفاء سرور

تتوافق هذه التهمة مع تهم أخرى توجه للبهائيين بـ"الخيانة والعمالة"، وبـ"الربط بينهم وبين إسرائيل والصهيونية أو الماسونية"، وهو ما ردّ عليه الهادي بقوله إن هذا بالفعل هو تاريخ الاتهامات الذي واجهته البهائية، مضيفًا "لكن أي شخص على وعي ودراية صار يُدرك أن كافر أو خاين أو عميل صارت الشماعة اﻷقرب واﻷكثر استخدامًا لتعليق نبذ وكراهية اﻵخر".

وأوضح الهادي أن "ربط البهائية بإسرائيل سببه مدينة عكّا التي كانت محمية عثمانية، وتوفي في أحد سجونها حضرة بهاء الله، الذي أعلن رسالته من بغداد وصارت معروفة في مصر قبل قيام إسرائيل بـ70 أو 80 عامًا". مُضيفًا "هل عكّا مكان مقدس لنا؟ نعم. لكنها الآن في حدود إسرائيل؛ فهل لنا علاقة بإسرائيل؟ لا وألف لا. كما لا يمكن أن أوجه هذا الاتهام لمسلمين أو مسيحيين بسبب وجود أماكن مقدسة لهم هناك".

"من طاعة الله"

وردّت سوسن، خلال النقاش، على اتهام العمالة بقولها "من سنة 60 وبيقولوا عننا خونة. لكن هل اتقبض على أي جاسوس بهائي؟ إذن هي تهمة ساذجة. ثم أن طاعة الحكومات بالنسبة لنا كبهائيين هي من طاعة الله، أيًا كانت الحكومة.. فلا يُمكن أن نكون معارضين ولا خونة".

وفقًا لما تذكره تعاليم البهائية التي طالعتها المنصّة والمتوفرة على الإنترنت في موقع الدين البهائي، لا يوجد نص يقول إن "طاعة الحكومة من طاعة الله". فقط تحض النصوص الواردة في الديانة البهائية على طاعة الحكومة وعدم تقويض أركانها، وعدم الانخراط في اﻷنشطة السياسية الحزبية.

لهذا السبب؛ شارك البهائيون في فعاليات عامة، على مدار السنوات السابقة، إذ أنهم وجهوا رسالة مفتوحة للمصريين عام 2011 بعد الثورة، تحمل دعوة للتشاور وتحذير من التفكير في أمور طائفية أو من التصارع على السلطة. يقول الهادي "عدم المشاركة في السياسة الحزبية، لا يعني عدم الاكتراث بالمجتمع وخدمته".

ربما كان هذا هو الدافع الذي حرّك وفد من البهائيين للقاء رئيس لجنة الخمسين عمرو موسى، والمتحدث باسمها محمد سلماوي، وقت كتابة الدستور الحالي. تقول حسني "كانت مقترحاتنا للجنة عامة، لا تطالب بشيء للبهائيين، فقط المواطنة والمساواة، وحقوق ذوي اﻹعاقة".

لا يعترف الدستور الحالي إلاّ بثلاثة أديان فقط هي الإسلام والمسيحية واليهودية.

وردًا على سؤال حول ما إذا كان هذا الاعتراف الحصري من الدولة بالأديان الإبراهيمية الثلاثة الأولى، يعد استبعادًا للبهائيين، قالت حسني "نعم، شعرنا باستبعاد بعد كتابة الدستور، لكن هناك نص على إنشاء مفوضية ضد التمييز"، ما اعتبرته أمرًا جيدًا.

ردًا على سؤال للمنصّة حول ما يرد في مناهج تعليمية كالتي تُدّرس في اﻷزهر من نصوص ضدهم، وعما إذا كان هناك محاولات للتواصل مع المؤسسة الإسلامية اﻷكبر في مصر، قال الهادي "ماعندناش مشكلة مع أي حد، إحنا جزء لا يتجزأ من المجتمع المصري"، وعن المناهج قال "لن نصحح أخطاء قرر الآخرين نشرها عنّا، لن نكرس حياتنا لهذا، فالمواقع والكتب والمراجع موجودة".

مصاعب الأوراق

الاتهامات والسجن لم تكن كل المصاعب التي واجهتها الأسرة البهائية، فهناك مشكلة وثائق الهوية التي لا تزال قائمة حتى اليوم.

تحكي الدكتورة سوسن حسني عن مشكلة شخصية لها مع اﻷوراق وتقول "أنا في البطاقة ما زلت آنسة، رغم أني جدّة، والسبب في ذلك أني تزوجت بعقد إسلامي، وحين حصلنا على حكم الشرطة، وضعت في خانة الديانة ببطاقتي، لكنهم سجّلوني في خانة الحالة الاجتماعية آنسة".

يحق للبهائيين وضع شرطة (-) في خانة الديانة، وذلك بقوة قرار وزير الداخلية رقم 520 لسنة 2009، بناءً على حكم صدر عام 2006 عن محكمة القضاء الإداري، ويقضي بأحقيتهم في إعلان هويتهم الدينية.

عن اختصام الحكومة وما إذا كان هذا اﻷمر يتعارض مع التعاليم المنصوص عليها في البهائية بطاعة الحُكام، أجاب الهادي على سؤال المنصّة، بقوله "أنا لم أكن في صراع مع الدولة، فقط كنا نريد استخراج شهادات ميلاد ووفاة ووثائق رسمية لنا"، مختتمًا بقوله إن مشكلة الزواج في الوثائق أيضًا في طريقها للحل.