تصميم: المنصة

محمد صلاح: هل فقد الملك المصري عرشه أم أنها سحابة صيف لا أكثر؟

منشور الأربعاء 17 أكتوبر 2018

بين أغسطس 2017 وأغسطس 2018، انقلبت حياة محمد صلاح رأسًا على عقب. إذ لم يتوقع أكثر المتفائلين بانتقاله لليفربول أن ينتهي به الحال كما انتهى في موسمه الأول تحت قيادة يورجن كلوب، أحد أفضل ثلاثة لاعبين في العالم، حتى أن كلوب نفسه يعترف بأن صلاح فاق حتي توقعاته.

قدم الجناح المصري موسمًا استثنائيًا بأتم معنى للكلمة؛ تمكن من احتلال صدارة هدافي الدوري الأقوى في العالم محطمًا أرقام أكبر أساطيره. قاد فريقه إلى نهائي دوري أبطال أوروبا بعد أن أذاق خصومه الأمرين. ووسط ذلك كله انهالت عليه إشادات المحللين، ولم تتوقف جماهير الريدز عن الغناء "إنه يركض بامتداد الخط.. إنه الملك المصري.. صلاااااح لا لا لا".

بدأ الموسم الجديد وازدادت تطلعات تلك الجماهير في قدرات نجمها الأول، خصوصًا بعد التدعيمات الكبيرة التي أجراها ليفربول خلال نافذة الإنتقالات الصيفية. هل حان وقت الفوز بالبطولة؟ ربما. لكن الأكيد أن استمرار أداء صلاح بتلك الدرجة من القوة والفاعلية سيساهم في تعزيز فرص ليفربول.

لكننا نقف اليوم بعد مرور ثمان جولات من الموسم، لنكتشف واقعًا مختلفًا غير ذلك المأمول في صلاح، إذ تخلى المصري عن صدارة قائمة هدّافي فريقه قبل قائمة البريمييرليج، وبدا أداؤه متراجعًا بشكل ملحوظ، لتطفو على السطح سلسلة من الأسئلة؛ ماذا حدث لصلاح؟ ولماذا؟ وهل تراجع مستواه حقًا؟ أم مجرد تهويل؟  

الأرقام لا تكذب، لكن السياق يفعل

أنا أدرك مدى حبك لصلاح، ولا أريد أن أعكر عليك صفو مزاجك، لكن دعني أخبرك بأن مقارنة أرقام صلاح بين الموسم الحالي والماضي التي لا بد أنها مرت عليك أثناء تجولك على فيسبوك، مقارنة مغلوطة تمامًا.

تخبرنا المقارنة أن صلاح سجل إلى الآن ثلاثة أهداف وصنع هدفًا أخر، بينما نجح بعد مُضِي سبع جولات من الموسم الماضي في تسجيل أربعة أهداف وصناعة هدف. وبما أن الفارق بين الرقمين ضئيل للغاية ولا يكاد يذكر، فبالتالي لا وجود لأزمة، وكل شيء مع أبو مكة على ما يرام. وهنا تكمن المشكلة.

المشكلة تحديدًا في هذه المقارنة أنها تهمل السياق بين الموسمين. فعندما أتى صلاح للأنفيلد كان مجرد جناح جيد في إيطاليا، عاش فترة متميزة مع المدرب لوتشانو سباليتي الذي حوّله للاعب أشمل، لكنه لم يكن أبدًا هدافًا خارقًا أو ذا مهارة إستثنائية. أما بنهاية موسمه الأول مع ليفربول، أصبحنا أمام نسخة مختلفة تمامًا من صلاح، خصوصًا بعد أن أجرى كلوب تعديلًا تكتيكيًا على مركزه بالتوغل أكثر إلى العمق وعمل على تطوير لمسته الأخيرة، فبات عامل الحسم الأول في ليفربول، وتحوّل لشبح أي حارس مرمى بالبريمييرليج، واعتلى صدارة الهدافين. وبناء على ذلك كله فإن السياق الأول لا يمكن أن يكون المرجعية الدقيقة عند النظر لصلاح أو تقييم مستواه حاليًا.

الأرقام غالبًا لا تكذب. والإحصاءات مؤشر يمكنك الإعتماد عليه. وتلك الأرقام تقول التالي؛ أولًا، صحيح أن صلاح سجل ثلاثة أهداف، لكنه في المقابل أهدر ستة فرص محققة التهديف بحسب موقع البريمييرليج. والسبب في ذلك هو ما يقودنا للأمر الثاني، حيث انخفضت دقة تصويبات صلاح من 61% أنهى بها الموسم الماضي إلى 41% فقط هذا الموسم. كما أنه سجل أقل تقييم في الملعب خلال مباراتي باريس سان جيرمان ونابولي في دوري الأبطال.

أضِف إلى ذلك، وقوعه المتكرر في مصيدة التسلل بسبب تمركزه غير الدقيق، إذ احتسبت عليه عشرة أخطاء خلال ثماني لقاءات فقط، وهذا معدل كبير قياسًا بوقوعه 17 مرة في التسلل خلال 36 لقاء الموسم الماضي.

بداية متعثرة وفقط

القصد من استعراض الأرقام السابقة ليس التقليل من امكانيات صلاح أبدًا، بل للإشارة فقط أن الرجل يواجه مشكلة، وهذه المشكلة تحتاج لحلول مبكرة، وإنكار وجودها لن يفيد صلاح في استعادة تألقه، بل على الأرجح سيضر به.

وكما أن إنكار المشكلة قد يضره، فالتهويل والتشاؤم أيضًا لن يكون في محله أبدًا. والأجدى هو البحث عن أسباب ذلك التراجع بالإضافة للتعامل مع الأمر كما هو دون زيادة أو نقصان. الأمر باختصار هو أن لاعبًا كبيرًا يواجه بداية متعثرة وحسب.

تائه في روسيا

منذ مايو الماضي وتحديدًا مع إصابته في نهائي دوري الأبطال، دخل صلاح دوامة من الضغوط العاصفة، وأصبح عليه مواجهة ظروف للمرة الأولي في مسيرته.

أول تلك الضغوط بالطبع هي الإصابة. فقد حرمته بشكل صادم من استكمال المباراة الأهم في الموسم، وأفقدته القيمة الكبيرة التي يمثلها دوري أبطال أوروبا في سباق الجوائز الفردية. وبات مطاردًا في كل زاوية وركن من الصحافة.

لم يفِق من هلع الإصابة، ليجد نفسه أمام سؤال يشغل عقول 90 مليون مشجع؛ هل سيلحق بجولات المونديال؟ أم سيتركنا لا حول لنا ولا قوة نواجه سواريز وكافاني وكتيبة روسيا على أرضها بين جمهورها؟ وإذا فعل، فلابد أنه لن يتخلى عنا أمام السعودية حتى لو لعب بذراع واحد ونصف قدم.

بوسي وتركي ورمضان

لم يمر وقت طويل حتى بدأ المسلسل الذي نعرفه جيدًا ويجمع بين أبطاله كلًا من هيكتور كوبر، ورئيس جمهورية الشيشان، وطائرة تركي آل الشيخ الخاصة، وأخيرًا وليس آخرًا الإعلامية المرموقة بوسي شلبي.

خلال مباراة السعودية، بدت على صلاح بوضوح علامات الغربة وعدم الرضا. سجّل هدفًا فلم يحتفل، وأهدر انفرادًا فلم يحزن. وهنا ظنّ البعض أن السبب هو الهجوم الذي شنته الصحافة الإنجليزية بعد لقاءه برئيس الشيشان، لكن في مساء نفس اليوم خرج الناقد إيهاب الفولي ليكشف تفاصيل في منتهى الغرابة عن كيفية إدارة المعسكر.

يحكي الفولي عن مدرب اصطحب ابنه للمعسكر، ولاعب حجز غرفة لأخيه، وآخر أبرم صفقة مع قناة فضائية في مقابل تيسير أعمالها داخل المعسكر، والأهم هو سهولة الوصول للاعبين سواء من الصحفيين أو من الجمهور العادي. ليصف الناقد المعسكر بأعلى درجات التسيّب والإهمال.

لم يكن لدينا دليل على صدق ادعاءات الناقد، لكن صلاح فاجأنا جميعًا وقرر الخروج عن صمته في مقاطع فيديو نشرها عبر حساباته لانتقاد إدارة معسكر المونديال وتقديم لائحة من الطلبات باسم اللاعبين. وقد جرى ذلك كله، بينما لا تزال أزمته ووكيله مع اتحاد الكرة في الأفق.

هنا نحن أمام لاعب يمر بشهور عصيبة للغاية. ومشكلة واحدة من بين كل تلك المشاكل التي تعرض لها كفيلة بتشتيته. فما بالك بكل تلك الضغوط والأزمات خلال حيز زمني ضيق جدًا؟   

صراع العروش مع كلوب

في ليفربول، ينتهج يورجن كلوب منهاجًا واضحًا في التعامل مع لاعبيه. إذ لا يوجد أبدًا بطل أو نجم واحد على طول الخط، بل يقوم أمر البطولة بالأساس على مدى قدرة اللاعب على تحقيق أهداف الفريق وخدمته وليس العكس. لذلك السبب تحديدًا كان كوتينيو هو رجل ليفربول الأول ذات يوم، ثم أصبح ماني، قبل أن يأتي صلاح ويتربع عرش البطولة بجدارة.

عاد صلاح من روسيا ليفاجأ بساديو ماني يحاول استرداد عرش الأنفيلد. هنا لا توجد مشكلة، بل تكمن في أن اللاعب السنغالي المتميز بات أكثر أنانية في امتلاك الكرة ورغبة في إنهاء الهجمات. وخلال أكثر من مباراة فضّل التسديد من زاوية مغلقة عن التمرير لصلاح أو لغيره.

هذا يعني أن صلاح سيكون في منافسة على لقب هدّاف ليفربول قبل هدّاف البريمرليج. وعليه التفوق رقميًا على ماني قبل هاري كين وهازارد ولوكاكو. ويعني أيضًا أن ساديو سيسعي لتقاسم عدد الفرص التي يمنحها فريق ليفربول لصلاح.

إلى مزيد من الضغوط على كاهل أبو مكة.

لكن أين كلوب؟ هل المدرب الألماني غافل عما يحدث؟

إطلاقًا. كلوب يعرف أن ثمة مشكلة في خط هجومه برزت خلال مطلع الموسم، لكنه لم يمتلك الوقت الكافي لمعالجتها خصوصًا وأن الفريق مر بشهر صعب للغاية واجه فيه توتنهام، والسيتي، وباريس، ونابولي، وتشيلسي مرتين، وبالتالي كان تركيزه منصبًا على الخروج بالنتائج الأفضل قبل كل وأي شيء. لكنه يحظي الآن بفترة توقف دولي، ويمكنه التدخل لعرقلة استمرار المشكلة.

في المقابل، لم يتخل كلوب عن صلاح أبدًا، بل إن الرجل لم يتوقف أصلًا عن دعمه. تخيّل مثلًا أن أول ما فعله الألماني بعد الأداء السيئ الذي ظهر عليه صلاح في مباراة باريس هو أن دفع به أمام ساوثهامبتون في مركز المهاجم الصريح بدلًا من الجناح، وذلك حتى يمنحه أكثر عدد ممكن من الفرص السهلة. بالفعل تمكن صلاح من الإنفراد بالمرمي ثلاث مرات لكنه مع الأسف أهدرها جميعًا. يهدر صلاح الفرصة، لتتحوّل الكاميرا على كلوب لنجده في كل مرة يصفق بحماس.

هذا الدعم لا يتوقف بمجرد الخروج من الملعب، بل يستمر في المؤتمرات الصحفية، حيث يؤكد كلوب دومًا أن صلاح لاعب من الطراز الأول، وسيعود إلى التهديف بمرور الوقت، حتى أنه سخر ذات مرة من المراسلين وسألهم "هل تريدوه أن يسجل عشرة أهداف في أول سبعة لقاءات مثلًا؟".

ركوب الدراجة وقيادة السيارة

صلاح محظوظ أنه يمتلك مدربًا مثل كلوب، فالألماني يعرف جيدًا كم الضغوط التي تطوف حول رأس لاعبه، ويسعى لإعادته مرة أخرى لكامل تركيزه.

"تسجيل الأهداف مثل ركوب الدراجات. لا يمكن أن تصحو ذات يوم لتجد نفسك نسيت كيف تركب دراجة، وكذلك الأهداف لا يمكن أن تعجز عن التسجيل فجأة" يقول يورجن كلوب.

هذا التصريح يكشف لنا كيف يفكر الألماني في تراجع فاعلية صلاح أمام المرمى، إذ يخبرنا يورجن بأن الأمر لم يأت صدفة، بل إن تراكمات الشهور الماضية تسببت في حالة عدم التركيز التي يمر بها لاعبه.

يذكّرنا كلوب ويذكّر صلاح معنا أن إيان راش الهداف التاريخي لليفربول لم يسجل 40 هدفًا كل موسم، وهو ما يعني أن صلاح ليس مطالبًا بتحقيق نفس المعدل التهديفي الذي حققه الموسم الماضي، بل عليه فقط مواصلة بذل الجهد وهو ما يفعله، واستعادة تركيزه في أقرب وقت وهو ما يجب أن يفعله.

المسألة هنا أن صلاح يحظي بمناخ داعم جدًا في ليفربول؛ يدافع المدرب عنه باستمرار، ويخرج قادة الفريق مثل هيندرسون ميلنر، وفان دايك يؤكدون في كل مرة ثقتهم الكاملة في عودته للتهديف. الكل يحاول تقديم المساعدة، لكن هل صلاح يساعد نفسه؟ بمعنى أخر هل اللاعب المصري يحاول التخلص من الضغوط؟

أين اللامبالاة

بكل صراحة تصعب الإجابة بنعم، إذ يبدو على صلاح علامات التوتر في كل مرة يتم استبداله أو يخرج دون التسجيل، والحقيقة أن التوتر لن يزيد الأمر إلا تعقيدًا، بل إن التغلب عليه هو من صفات اللاعبين الكبار. ما يُبقي رونالدو وميسي على حالتهما تلك هو قدرتهما على المواصلة بمستويات ثابتة تحت أي ضغوط.  

بعد مباراة ليفربول الأخيرة مع السيتي، كتب بارني روني المحرر في جريدة الجارديان أن صلاح اليوم يشبه السيارة الفارهة ولكن بدون إطارات. فلاعب الريدز يتحرك بجراءة في المساحات ويطلب الكرة ولا يتوانى عن التسديد، وبالتأكيد يحسب مدربو الخصوم له ألف حساب، لكنه يفتقد التوقيت الدقيق أثناء اتخاذ القرارات واللمسة النهائية أمام المرمى، وهو ما ميّز صلاح بالأساس الموسم الماضي، لذا يبدو الأمر بحسب روني غريب الأطوار.

بالعودة للسؤال البارز في عنوان المقال، فإجابة كلوب وزملاء صلاح والنقاد هي أنها سحابة صيف فقط، ولايزال المصري يمثل قيمة كبيرة في خط هجوم الريدز. لكن هل من الممكن أن يخسر صلاح لقب هدّاف الدوري؟ نعم من الممكن ألا يتكرر ما حققه الموسم الماضي. وهذا لن يعيبه في شيء طالما أنه نجح في استرداد تركيزه ودقة لمسته.

الكبوات ليست أمرًا جديدًا على صلاح، فقد مرّ بكبوة في تشيلسي إبان فترة مورينيو، كما أنه فشل في موسمه الأول مع روما في التسجيل بشهوره الأولي، لكنه نجح في العودة في المرتين، لأنه نجح في ترويض الضغط وتحويله إلى طاقة تدفعه للأمام. هذه المرة تبدو الكبوة أكبر وأعقد؛ أكبر لأن صلاح لم يعد ذلك اللاعب البديل على دكة تشيلسي، أو الورقة الرابحة في صفوف روما، بل صلاح الذي يدخل ترشيحات اللاعب الأفضل في العالم. وأعقد لأنها ترتبط بعودة الانسجام مع ماني، والوصول لحلول مع اتحاد الكرة المصري.


اقرأ أيضًا: صلاح.. "ابننا" الذي كبر وتخلّى عن فن اللامبالاة