مجدي مرشد، الأمين العام السابق لدعم مصر في أحد التدريبات عن طرق التأثير على الرأي العام- الصورة: صفحة الائتلاف- فيسبوك

يوميات صحفية برلمانية| كيف أعادت "التعليمات" هندسة البرلمان بعد الانتهاء من الإعلام؟

منشور الأربعاء 19 سبتمبر 2018

على غرار إعادة ترتيب المشهد الإعلامي الذي شهد تدخلات مباشرة من أجهزة أمنية عبر نقل ملكيات عدد من القنوات والمؤسسات الصحفية؛ بدأ تنفيذ "التعليمات" لإعادة هندسة الأغلبية البرلمانية وإعادة ترتيب هيكلها الداخلي.

الترتيبات الجديدة لا تنفصل عن المشهد السياسي والقيود المفروضة على المجال العام ووسائل الإعلام، فالتغييرات الأخيرة ليست نتاج تفاعل بين الكتل البرلمانية، وإنما جاءت عبر تدخلات مباشرة من قيادات أحد الأجهزة الأمنية، وذلك حسب تأكيدات عدة مصادر نيابية رفيعة.

الخطوة الأولى بعد الرئاسة

الخطوات بدأت قبل عدة أشهر، ومع انتهاء الانتخابات الرئاسية وإدراك النظام وجود حالة من الفراغ السياسي لابد من التدخل وملأها بطريقته؛ بدأت تكتمل عبر اختيار النائب عبد الهادي القصبي رئيسًا لائتلاف الأغلبية البرلمانية "دعم مصر" بالتزكية، أمس الاثنين.

الجمعية العمومية لنواب الائتلاف عرفوا بالتغييرات من خلال بيان لرئيس الائتلاف السابق محمد السويدي  مساء الأحد. وحتى الإعلان؛ لم يعرف أي عضو عن المرشح الذي سيخلف السويدي لرئاسة الأغلبية، إلى أن ظهر اسم القصبي للمرة الأولى عبر تدوينة للنائب مصطفى بكري عبر موقع "تويتر".

الترتيبات المملاة على النواب لم تقف فقط عند تزكية القصبي رئيسا للائتلاف وإنما شهدت تعديلات على اللائحة الداخلية لائتلاف "دعم مصر"، وتغيير وجوه أعضاء مكتبه السياسي. إذ بعد إعلان القصبي رئيسًا صوّت النواب على التعديلات التي فوجئوا بها وقوفا والتي وسعت عدد نواب رئيس الائتلاف، وألغت انتخاب أعضاء المكتب السياسي وجعلت سلطة تعيينهم في يد الرئيس.

كان لهذا التغيير له مقدمات قبل عدة أشهر بدأت مع مرحلة الانتخابات الرئاسية والبحث عن مرشح منافس يخوض الانتخابات أمام الرئيس.

حزب الرئيس

بداية التغييرات كانت بعد محاولات وتحركات ومفاوضات لإنشاء حزب جديد عرف إعلاميًا باسم "حزب الرئيس" حاول ائتلاف دعم مصر، الذي رأسه النائب محمد السويدي لمدة عامين، طرح نفسه بديلًا سياسيًا للأحزاب الحالية.

المقترح لاقى ترحيبًا في الأوساط البرلمانية الداعمة للرئيس، وتبناه بجانب رئيس الائتلاف حينها عدد من قياداته وبدعم من رئيس البرلمان، علي عبد العال، شخصيًا، حيث أكد الأخير في أحد الاجتماعات لنواب "دعم مصر" عدم وجود عائق قانوني يمنع تحول الائتلاف لحزب.

لكن رغم ذلك تعطلت الفكرة وتراجع عنها السويدي وتوقف النواب عن ترديدها في أروقة البرلمان، إذ أكدت المصادر أن "الضوء الأخضر" لم يأتِ للسويدي وشركائه بعد.

لماذا مستقبل وطن؟

في الوقت الذي كان السويدي يحاول فيه الترويج لتحول الائتلاف لحزب؛ كان حزب مستقبل وطن يتلقى الإشارة للعب دور حزب الأغلبية القائم بالفعل بدلًا من إنشاء حزب جديد برئاسة السويدي، بتعلميات من قيادات أحد الأجهزة الأمنية.

توافد عدد كبير من النواب للانضمام للحزب واستقال نواب من أحزابهم وتقدم مستقلون لكتابة استمارات العضوية، فالضوء الأخضر جاء في هذه اللحظة بحسب المصادر البرلمانية التي أكدت الاستقرار على هذا الحزب للعب الدور المفترض كـ "حزب الأغلبية" المساند للرئيس والقادر على سد ثغرات الفراغ السياسي.

المبررات التي دفعت لاختيار هذا الحزب، تتركز في الدور الذي مارسه على الأرض خلال فترة الانتخابات الرئاسية وقدرته على التواصل مع الجماهير فبحسب قياداته "الحزب لديه مقرات في كل المحافظات والمراكز والقرى" ولعب دورًا قويًا في الحشد للتصويت وانتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي لولاية ثانية.

وحسب تصريحات من قيادات الحزب؛ فإن الكتلة البرلمانية لمستقبل وطن داخل البرلمان وصلت حاليًا إلى 400 نائب من إجمالي 596 بنسبة تزيد على 67%.

نهاية الخلاف

مع ترجيح كفة مستقبل وطن أصبح هو الجبهة الأقوى داخل الائتلاف وتراجع وزن السويدي ومجموعته، وكانت المصادر أشارت من قبل إلى أن تعليمات أمنيّة صدرت بضرورة إيجاد تفاهمات بين "مستقبل وطن" والائتلاف تضمن تهدئة الصراع بين الجانبين.

وقبل بدء دور الانعقاد الحالي بأسابيع تأخر الائتلاف في تشكيل اللجنة المعنية بتلقي طلبات الراغبين في الترشح لهيئات مكاتب اللجان النوعية. حتى تفاجأ النواب مساء السبت بإصدار السويدي بيانًا يُعلن فيه عدم ترشحه لرئاسة الائتلاف، وتحديد موعد انعقاد الجمعية العمومية واختيار رئيس جديد ظهر الاثنين.

وتم الدفع بالنائب عبد الهادي القصبي، القيادي في الائتلاف منذ تأسيسه، كما أنه أصبح نائبا لرئيس حزب مستقبل وطن بعد انضمامه إليه، وبالتالي كان اسم القصبي مثاليًا للجهاز الأمني الذي هندّس هذه التغييرات، لأن القصبي محسوب على الجناحين.

موافقات أوتوماتيكية

التغييرات التي طالت الائتلاف لم تتوقف عند رئيسه فقط، ولكن يوم الجمعية العمومية نفسه وقبل الموافقة على القصبي رئيسًا، كانت تعديلات اللائحة الداخلية جاهزة ومعدة مسبقا ولم يتم ارسالها إلى أي من أعضاء الائتلاف قبل التصويت عليها.

وعقب إعلان القصبي رئيسًا، طالب النائب كريم درويش من الصحفيين الخروج من القاعة لتصويت النواب على تعديلات اللائحة التنفيذية.

وبحسب النواب الذين سربوا هذه المعلومة للمنصة، تم التصويت والموافقة على التعديلات وقوفًا دون مناقشة، وكان أبرزها إلغاء انتخاب أعضاء المكتب السياسي بحيث يكون لرئيس الائتلاف سلطة اختيار 60 نائبًا لعضوية المكتب السياسي دون انتخاب وبموافقة شكلية من الجمعية العامة. كما شملت التعديلات زيادة عدد نواب رئيس الائتلاف إلى 8 نواب يختارهم أيضا الرئيس. الهدف من هذا التعديل كتن إرضاء عدد كبير من النواب، بحسب مَن تحدثت إليهم المنصة من أعضاء ائتلاف دعم مصر.

وأشار النواب إلى أن "ورقة أسماء النواب المختارين لعضوية المكتب السياسي للائتلاف جاهزة ومطبوعة، رغم أن الرئيس الجديد لم يكن بدأ ممارسة مهام عمله أو استعان بأراء آخرين".

وتم توزيع ورقة على أعضاء الائتلاف تتضمن 60 اسمًا للموافقة على عضويتهم في المكتب السياسي، وهو بالطبع ما لاقى "موافقة أتوماتيكية" من النواب الحاضرين.

ويبلغ عدد أعضاء الائتلاف 317 نائبًا برلمانيا حسبما المنشور في الجريدة الرسمية، لكن الرقم طرأت عليه بعض التغييرات التي لم يتم إعلانها بشكل رسمي.

وأزاحت التغييرات عددًا من القيادات التي تصدرت المشهد مع السويدي مثل النائب محمد علي يوسف، رئيس لجنة المشروعات الصغيرة، والنائب مجدي مرشد الأمين العام السابق للائتلاف.