لقطة مقربة لأحد أسود قصر النيل. تصوير: الكاتب.

تماثيل جاكمار: حكايات الفن بين القاهرة والإسكندرية وباريس

منشور الاثنين 8 أكتوبر 2018

يتمتع النحات الفرنسي هنري ألفريد جاكمار بشهرة استثنائية، باعتباره أحد أفضل من نحتوا الحيوانات، وقد تتلمذ على يدي الرسام بول ديلاروش والنحات جون بابتيست جول جولمان.

لجاكمار الذي ولد في باريس عام 1824 وتوفي فيها في 1896، تماثيل عديدة بأحجام مختلفة، الكبير منها منتشر في حدائق العاصمة الفرنسية، أما الصغير منها فينتشر في العديد من المجموعات الخاصة، ولا زال الكثير منها يعرض في مزادات التحف. وفي مصر، لدينا أربعة من أفضل أعماله وقد صنعها خصيصا بتكليف من الخديوي إسماعيل.

تمثال محمد علي باشا بالمنشية

 

تمثال محمد علي بالمنشية. تصوير: ميشيل حنا.

عام 1865 قرر الخديوي إسماعيل نصب تمثال لجده محمد علي باشا في أحد الميادين المصرية. كان مقررا في البداية أن يوضع التمثال في مدينة الإسماعيلية لكن انتهى الأمر إلى وضعه بميدان القناصل بالإسكندرية.

بالطبع لم يكن هناك مثّالون مصريون لصنع التمثال، بعد أن اندثرت هذه الصناعة، فكلف الخديوي المثال الفرنسي ألفريد جاكمار بصنع التمثال. انتهى جاكمار من عمله عام 1872، وعرض التمثال لمدة شهر في شارع الشانزليزيه في باريس، ثم نقل إلى الإسكندرية لينصب على قاعدة من تصميم المعماري الشهير أمبرواز بودري، في احتفال رسمي في 19 ديسمبر/ كانون الأول 1872.

بالطبع لم يمر هذا الحدث مرور الكرام، فقد لاقى معارضة شديدة من رجال الدين باعتباره كفرا، وقد كانت هذه أول مرة في التاريخ الإسلامي يتم فيها وضع تمثال لشخص في بلد أصبح مسلمًا.

لكن الخديوي لم يعبأ بالمشايخ ولم يتوقف عند هذا الحد.


أسود قصر النيل

 

أحد أسود قصر النيل. تصوير: ميشيل حنا.

كان من المقرر في البداية أن توضع الأسود الأربعة حول تمثال محمد علي بالمنشية، لكن الأمر انتهى بهم إلى حراسة كوبري قصر النيل، وكان الكوبري قد افتتح رسميا عام 1872.

كان الخديوي إسماعيل قد كلف المسيو جاكمار بصناعة الأسود. صنعت الأسود في باريس ووصلت إلى الإسكندرية عام 1875، وقد نصبت في مكانها على جانبي الكوبري عام 1881. تكلفت هذه الأسود 8425 جنيها مصريا. يذكر أن العامة أطلقوا على الخديوي اسماعيل اسم "أبو السباع" بسبب هذه التماثيل.

لاظ - أوغلي

 

تمثال لاظوغلي. تصوير: ميشيل حنا.

في الميدان الذي يحمل اسمه، يقف تمثال لاظوغلي بكل ثقة حاملا سيفه المغمود ومصوبا سبابته في اتجاه ما.

والكتخدا محمد بك لاظ أوغلي كان وزيرا للمالية أيام محمد علي، ثم أول وزير للحربية، ثم رئيسا لوزراء مصر. وقد كان ملازما لمحمد علي، وهو صاحب فكرة مذبحة المماليك الشهيرة التي ثبتت محمد علي عرش مصر، ونقطة العار الكبيرة في تاريخه.

هذا التمثال يقترب عمره من مائة وخمسين عاما، إذ تم نحته نحو عام 1875، وتحمل القاعدة تاريخ وفاة لاظوغلي عام 1828، ولا نعرف له على وجه التحديد تاريخا للميلاد.

هناك قصة طريفة تحكى عن نحت هذا التمثال، فعندما كلف إسماعيل جاكمار بنحت تمثال للاظوغلي، لم تكن هناك صورة للرجل تبين شكله، وكان قد مات منذ سنوات. بحث أعضاء من الحكومة عن شخص يكون قريب الشبه من لاظوغلي من ناحية الشكل، وقد وجدوا فعلا رجلا سقاء قريب الشبه منه، فأخذوه وألبسوه ملابس مناسبة وأرسلوه إلى جاكمار ليستخدمه كموديل.

ولازال مهندس مذبحة المماليك يقف ليحرس الميدان الذي يحتضن وزارتي العدل والداخلية في مصر.

سليمان باشا الفرنساوي

 

تمثال سليمان باشا. تصوير: ميشيل حنا.

عام 1819، جاء الكولونيل الفرنسي جوزيف أنتيلمي سيف Joseph Anthelme Sève إلى القاهرة، والتقى محمد علي باشا، ليعهد إليه بتنظيم الجيش المصري على الأساليب الحديثة، وليصبح الجيش المصري بفضله واحدا من أقوى جيوش المنطقة.

ولد الكولونيل سيف في مدينة ليون بفرنسا عام 1787. التحق بالجندية وشارك في معركة الطرف الآغر، ثم شارك في حروب نابليون بونابرت، وظل يرتقي في الرتب إلى أن وصل إلى رتبة كولونيل.

انتهى عهد بونابرت فاضطر الكولونيل إلى الخروج من الجندية، لكن الجندية كانت في دمه، فظل يسعى للعمل على تدريب الجيوش. نصحه الكونت دي سيجور بالذهاب إلى مصر، وبالفعل تمكن من تحقيق مسعاه بلقاء محمد علي الذي أوكل إليه مهمة تنظيم الجيش المصري. اعتنق سيف الإسلام وسمى نفسه سليمان فصار يعرف بسليمان بك.

نجح الكولونيل في مهمته نجاحا باهرا، وانتصر الجيش المصري في العديد من الحروب، فأنعم عليه محمد علي بلقب الباشوية عام 1834، ومنذ ذلك الحين صار يعرف بسليمان باشا الفرنساوي.

ظل سليمان باشا رئيسا لرجال الجهادية (أي للجيش المصري) طوال حكم محمد علي، ثم ابنه إبراهيم باشا، ثم عباس، ثم سعيد، إلى أن توفي عام 1860.

سليمان باشا أيضا هو جد الملكة نازلي زوجة الملك فؤاد الأول، وأم الملك فاروق.

تكريما للرجل، وفي نحو عام 1900، تم تسمية أحد أهم شوارع وسط البلد وأحد أهم ميادينها باسمه، ونصب تمثال له فيه، لكن بعد ثورة يوليو، وتحديدا في 1964، بعد تسعين عاما من نصب التمثال في 1874، أمر جمال عبد الناصر بتغيير اسم الشارع والميدان الميدان إلى طلعت حرب، ورفع التمثال منه. أما التمثال فيوجد حاليا أمام المتحف الحربي بالقلعة.