نساء يتظاهرن ضد ترامب مرتديات زي الجواري في مسلسل The Handmaid’s Tale

مسلسل The Handmaid's Tale.. والذي تفعله الذكورية بالنساء

منشور الثلاثاء 11 سبتمبر 2018

 

خلال الأشهر الماضية، ارتدت بعض النساء المشاركات في احتجاجات نسوية متنوعة حول العالم ثيابًا حمراء ووضعن قبعات بيضاء فوق رؤوسهن، في انجلترا وبولندا ارتدين هذا الزي احتجاجا على زيارة ترامب واعتراضا على سياسات إدارته بخصوص المرأة، وفي الأرجنتين وايرلندا الشمالية ارتدينه دفاعا عن حق المرأة في الإجهاض الآمن، وفي فيلادلفيا ارتدينه ضد مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفي تكساس ارتدينه احتجاجا على ترشيح هذا الأخير لقاضٍ يميني محافظ ضد حق المرأة في الإجهاض، لمنصب في المحكمة العليا .

ظهر هذا الزي الأحمر والقبعة البيضاء لأول مرة في مسلسل The Handmaid's Tale (قصة جارية) في أبريل/ نيسان 2017 ، ومن بعد عرض حلقاته الأولى تبنت عدة حركات نسائية ومدافعات عن حقوق المرأة زي الجارية الأحمر المميز  في العديد من الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات في عدة دول كرمز لرفض سيطرة الدولة على أجساد النساء.

 

نساء يتظاهرن ضد ترامب مرتديات زي الجواري في مسلسل The Handmaid’s Tale

تدور أحداث المسلسل المأخوذ عن رواية* مارجريت أتوود التي تحمل نفس الاسم، في مستقبل افتراضي تعاد فيه صياغة العلاقة بين الرجال والنساء إثر انقلاب ديني مسيحي متطرف أطاح بحكومة الولايات المتحدة وأسس "جمهورية جلعاد"، على لسان جارية تدعى أوفريد، كان اسمها في حياة سابقة جون. 

في جمهورية جلعاد تصبح جون إحدى الجواري اللاتي خصصن للقادة من أجل إنجاب الأطفال، بعد أن انتشر العقم وقل عدد النساء القادرات على الإنجاب. 

هنا تتبخر كل المكتسبات القليلة التي حصلت عليها النساء، مشاهدة الديستوبيا المتخيلة يجعلنا نتساءل ونعيد النظر في المساحة المتاحة لنا كنساء في هذا العالم هنا والآن، ويطرح السؤال المهم؛ ما الذي يحدث للمرأة في الأنظمة الشمولية والثيوقراطية والعسكرية الأبوية الذكورية؟ وكيف يحدث ذلك؟


في جلعاد هناك الزوجة التي ترتدي اللون الأزرق، والجارية ذات الرداء الأحمر لون الخصوبة، و خادمات المنازل يدعون "مارثا"، وظيفة المارثا الوحيدة هي الخدمة، يرتدين ثيابًا لونها أقرب للون الخرق البالية التي تستخدم للتنظيف، وتوجد أيضًا العمات اللواتي يرتدين اللون البني وهن المسؤولات عن ترويض الجاريات وتحضيرهن للذهاب لبيوت القادة لإتمام وظيفتهن المقدسة، وهي الخضوع لاغتصاب شهري من القائد الذي يملكها، من أجل إنجاب الأطفال.

أما الذكور في جلعاد فهم إما رجال شرطة وهؤلاء يسمونهم حراس الإيمان، أو "قادة المؤمنين" أو أمراء المؤمنين لو رغبنا في تقريب المصطلح إلى نموذج معاصر مشابه، وإن كان ذلك القائد لا يشبه الصورة النمطية المتخيلة عن المغتصب، فهو وسيم، غني، شاب، ذو منصب هام. 

في جلعاد يزعم القادة والعمات أن النساء يتمتعن بحماية أفضل، ويعاملن باحترام آمنات من العنف، هذه الحجة الدائمة القديمة المستهلكة التي تستخدم  للسيطرة على المرأة، الحماية، الكلمة السحرية التي تفتح أبواب التسلط والتحكم في حياة النساء وأفكارهن وأجسادهن.

تواجه المرأة في جلعاد ما واجهته دائمًا ولا تزال عبر العصور، وإن كان بأشكال وصور مختلفة وأحيانًا وفي أماكن معينة ربما تواجه ما هو أسوأ.

هناك مواطنون في جلعاد لا نعرف الكثير عنهم، فهم إما خاضعين لسيطرة كاملة من الدولة فأصبحوا مواطنين شرفاء يصدقون كل أفكار دولة جلعاد ويقدسونها، أو لا يصدقون هذه الأفكار ولكنهم خائفين، والتفرقة لن تهم لأن النتيجة واحدة.

جلعاد لا تفصل الدين عن الدولة، قانون الدولة هو نصوص العهد القديم.

 

مشهد من المسلسل

توهَبُ الجارية للقائد لتحمل منه طفلًا عجزت الزوجة عن إنجابه في مراسم اغتصاب مهينة تحدث باسم الرب، استنادًا إلى نص من العهد القديم  ينفذ حرفيًا.

بمجرد أن يخرج هذا الطفل إلى الحياة بعد أن اغُتصبت أمه بين ركبتي زوجة القائد، تصبح هذه الأخيرة رسميًا أم المولود وينتهي دور الجارية وعلاقتها بوليدها بانتهاء فترة الرضاعة.

تمثل أوفريد نموذجًا للمرأة بشكل عام في مجتمعنا الحديث، لا تعتبر نفسها نسوية، بل وفي استعراض سريع للماضي نرى أن أمها كانت ناشطة نسوية وأنها ربما لم تكن على وفاق معها أو لم تتفق مع أفكارها.

لم ترى جون (أوفريد) حاجة للتعرف على النسوية ربما لأنها في حياتها السابقة لم تتعرض لمهدد صريح ومباشر يستهدف وجودها كامرأة، لم يقع صدام اضطرها للتفكير في هذه المسائل. 

تشبه جون ملايين النساء حولنا في العالم، لا يلقين بالًا للوضع العام ولقضايا النساء طالما لم يمسسهن شيء بشكل مباشر. ولكن بعد ذلك، وفي جلعاد، أدركت جون أن حياتها السابقة كانت قشرة هشة، وأن ما ظنت أنه لن يطالها أصبح واقعها، أدركت أن النسوية كانت ضرورة لجعل المرأة تدرك وتتمسك بوضعها الطبيعي في الحياة كإنسان كامل له نفس حقوق الذكر، جعلتها جلعاد ترى أن أمانها الشخصي لا ينفصل عن أمان الجميع.

اليوم، تتركنا كل حوادث العنف ضد المرأة بكل صورها، بمرارة أكبر دائمًا، فبالإضافة لحادث العنف نفسه، تُهاجَم المرأة في مصداقيتها وتتهم باتهامات متعددة من المجتمع لو حكت عن ما تعرضت له واعترضت.

لا يحق للمرأة أن تمتلك شيئًا في جلعاد. كل أملاكها يحصل عليها أقرب قريب ذكر. لا يسمح لهن بالعمل، ولا يسمح لهن بالاستقلال المادي بطبيعة الحال. لا يتعلمن القراءة والكتابة، ولا مكان للمثليين بالتأكيد، بل يطلق عليهم "الخائنين لجنسهم" ومصيرهم الموت.

لا يبدو هذا الكلام غريبًا عن واقعنا.

في جلعاد- الولايات المتحدة الأمريكية سابقًا - نرى بشاعة القهر في مجتمع أبوي ذكوري يسيطر بالسلاح والدين على تفاصيل حياة مواطنيه، سالبًا إياهم كل حقوقهم الإنسانية. مجتمع يرى أن المرأة مكانها الطبيعي في المنزل. رغبت بذلك أم لم ترغب.


قبل إعلان جمهورية جلعاد نشرت زوجة أحد أهم القادة وواحدة من أكثر النساء حماسًا ودعمًا للفكرة واسمها سيرينا، كتابًا عنوانه "مكان المرأة" تنظّر فيه لفكرة عودة المرأة إلى البيت وتتفرغ للحمل والولادة ورعاية المنزل والأسرة، وترك العمل والمجال العام للذكور فقط.

سيرينا وهي الأديبة القوية الذكية المملوءة مرارة، والتي ساندت زوجها كتفًا بكتف من أجل تأسيس هذا الكيان المجرم الذي قهرها كما قهر غيرها من النساء، والتي دفعت ثمن دعمها للفكرة كما دفع غيرها الثمن بالتأكيد، كانت تظن أن لا مشكلة إذا شاركت في قهر أخريات، كانت تتصور أن ما سيحدث لغيرها لن يحدث لها.

كيف ظنت أنها محمية؟ أعجز تمامًا عن فهم من يشبهن سيرينا، وهن كثيرات.


بالرغم من السمعة التي اكتسبها المسلسل كمعمل نسوي، يقول صناعه إنه ليس نسويًا بل إنساني، تمامًا مثل جون التي رفضت أن تكون نسوية كأمها، وربما لنفس الأسباب.

المسلسل إنساني بالتأكيد فهو يستعرض تفاوت المميزات حسب الوضع الاجتماعي في المجتمع، ويتعرض لسيطرة الدين والسلاح على حياة المواطنين، ولكن يبقى أبرز ما فيه هو كشفه لمعاناة النساء في شخصية كل جارية وزوجة وخادمة في هذا المجتمع، حيث تفقد النساء حتى المزايا الممنوحة لاٌقل فئة من الرجال.

لا يمكننا النظر لأي صراع اجتماعي أو ديني أو أيًا كان بمعزل عن النسوية، الإيمان بالمساواة لكل البشر يعني بالضرورة إدراك الظلم الواقع على النساء والرغبة في انهائه.

تصنَّف أتوود ككاتبة نسوية، وحكاية جارية بالتأكيد يقدم وجهة نظر نسوية بطريقة معقدة قليلا عن طريق اظهار وضع النساء في مجتمع يشبه مجتمع جلعاد وهو ليس ببعيد كما قد نعتقد عن المجتمعات التي نعيش فيها نحن النساء العربيات المقيمات في بلاد عربية.

قد تبدو أحيانا مثل هذه الأعمال وكأنها تسلع معاناة المرأة في المجتمع لطرحها في الأسواق مستهدفة المرأة تحديدًا مرة أخرى من أجل الربح، ولكن لسبب ما هناك شيء جذاب في أن يرى الإنسان معاناته الشخصية على شاشة يقدمها له ممثلون محترفون. 

هل عرض المعاناة يفيد بأي صورة إيجابية في تقليلها؟ هل ينتج عن عرض الفظائع نفور منها؟ أم أن ذلك يساعد على التعود والتأقلم؟

هل يتسبب عرض المآسي بتفاصيلها في خلق غضب؟ أم أمل؟ أيهما يشكل دافعًا أكبر للتغيير؟

كلها أسئلة فكرت فيها خلال متابعتي للمسلسل.

في مجال التسويق، فإن أضمن وأسرع وأسهل الطرق لتسويق أي منتج يكمن في طرح الحلول العملية للمشاكل والابتعاد عن أي صور قد تثير مشاعر استياء المتلقي أو تؤلمه أو تثير غضبه، حتى لا يرتبط المنتج أو القضية أو الفكرة في ذهن المستهدف بمشاعر غير مرغوب فيها، ولكن هذا المسلسل يخبرنا أن الفن يطرح القضايا بشكل مختلف تمامًا. 

المسلسل غارق في كل ماهو ضد النسوية بشكل فج وصادم، يبرز أوضاع المرأة ويضع مشاكلها ومعاناتها تحت المجهر، فتظهر الجرائم عارية واضحة لا لبس فيها ولا جدال.

ربما يظهر وكأن كل ما يمثله هذا المسلسل من قيم، ضد النسوية، أو انه لا يساعد ولا يدعم المرأة، بل يتركك في حالة قرف وقلق وخوف، تلك الأشباح التي تطاردنا نراها اكبر واعمق وأقرب مما نعتقد.

في المجتمعات التي يسيطر عليها الحكم الديني كالمناطق التي كانت خاضعة لتنظيمات كالدولة الإسلامية أو القاعدة أو غيرهما من جماعات الإسلام الجهادي المسلحة، فهذه المجتمعات بالتأكيد بها كل ما قد يخطر على بالنا من فظائع وأهوال ضد النساء، أما لو استبعدنا التطرف الكامل ونظرنا إلى مجتمعاتنا العربية العادية المدنية، فلن نجد فرقًا كبيرًا، الفروقات الصغيرة ستختفي إن لم نستمر في انتزاع حقوقنا كنساء حول العالم.


لم يحبنا العالم يا أمي.. هكذا قالت ريحانة الإيرانية قبل إعدامها لأنها قتلت مسؤولًا سابقًا في الاستخبارات حاول اغتصابها، هذه ليست رواية متخيلة بل واقع.

نعم لم يحبنا العالم كنساء حتى وإن أحبَّ كثيرًا من النساء منفردات. لا يحبنا العالم كمجموعة. يطلقون النكات ويسخرون ويسطحون ويتفهون نضالنا اليومي، صراعنا من أجل انتزاع الحقوق، ولكننا كما قالت بطلة المسلسل يجب أن نؤمن بالمقاومة، ونؤمن أن مادام الظل موجودًا فهذا يعني بالتأكيد أن هناك نور.


جون، إيملي، جينين..

ثلاث جاريات مقاتلات، كل منهن بطريقتها، أفكر فيهن كثيرًا وأتخيل، لو حدث أن انهار العالم من حولنا نحن النساء تماما، وأصبحت يومًا في جلعاد، من منهن سأكون؟

"أود أن أعتقد أن هذه مجرد قصة أحكيها، فأنا بحاجة إلى أن أصدقها. ينبغي عليَّ أن أصدقها، فأولئك الذين يستطيعون أن يصدقوا أن مثل هذه القصص ليست سوى مجرد قصص، تكون لديهم فرصة أفضل".


* ترجم عبد الحميد فهمي الجمال الرواية إلى اللغة العربية، ونشرها المركز القومي للترجمة بمصر عام 2006.