جيوش الترول: دليل الحكومة لقمع المعارضة على الإنترنت

منشور الأحد 5 أغسطس 2018

ترجمة كاملة لتحقيق "دليل عالمي لممارسات الترولينج التي ترعاها الدول" لمايكل رايلي، لورين إيتر، بيبهوداتا برادان.

عن موقع بلومبرج


كان الصحفي نديم تورفنت يغطي عملية وحشية لمُكافحة الإرهاب في الإقليم الكردي بتركيا، حين نَشَر فيديو لجنود يطأون فلاحين كانت وجوههم على الأرض وأياديهم مقيدة. بعد ذلك بوقت قصير، بدأت تظهر على صفحة تورفنت على فيسبوك رسائل غريبة تسأل عن مكانه.

بعدها انضمت حسابات على تويتر مرتبطة بوحدات مُكافَحة الإرهاب التركية، لاحقت السكان بسؤال واحد – أين نديم تورفنت؟ بينما أحرق الجنود وداهموا قرى أخرى.

كان التهديد واضحًا؛ سلِّموه وإلا ستكونوا الهدف التالي.

جرى هذا في ربيع 2016. وخلال عدة أيام؛ كان تورفنت في أيدي الجيش، وفي النهاية اتُهم بعضوية جماعة إرهابية. أنهى حساب مجهول على تويتر المطاردة التي جرت على المواقع الاجتماعية، بنشر تغريدة تحتوي على صورة لتورفنت محتجزًا ومقيد الأيدي ومهزولًا، ثم أغرق الجنود مكتب الوكالة التي يعمل فيها، وكالة دجلة للأنباء، بالجازولين وأحرقوه. وظل تورفنت وراء القضبان.

بعد عدة سنوات من الاحتفاء بتويتر وفيسبوك كشرارة للحركات الديمقراطية في العالم، أطلقت الدول ووكلاؤها أشكالًا جديدة من القمع الرقمي الذي كان يصعب التفكير فيه قبل عصر عمالقة المواقع الاجتماعية، وفقًا لأدلة جمعها محققون وباحثون، ووثائق من أكثر من عشر دول.

بوضع عصابات الكراهية الافتراضية والمعلومات المزيفة والتهديدات المجهولة والتعدي على خصوصية الضحايا جنبًا إلى جنب، نرى أن الدول والأحزاب السياسية في أنحاء العالم خلقت ممارسات عنيفة متزايدة على الإنترنت يصعب على المنصات اكتشافها أو مواجهتها.

بعض الأنظمة تستخدم تقنيات كالتي استخدمتها روسيا للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، بينما تلجأ أنظمة أخرى لطرق محلية. وظهرت صناعة غير رسمية ولكنها متنامية من سماسرة البوت والترولات المستأجرين. نجحت تلك الجهود في العديد من الأحيان، وأرسلت صحفيين إلى المنفى أو نجحت في إسكات التعبير عن الرأي على الإنترنت.

في فنزويلا أنشأ من سيصيرون ترولات حسابات تويتر وإنستجرام في أكشاك مدعومة من الحكومة في الميادين، وحصلوا مقابل ذلك على كوبونات الطعام النادرة، وذلك وفقًا لماريان دياز من مجموعة Derechos Digitales.

 يقول ترول هندي سابق، كما يصف نفسه، إنه حصل على ستة حسابات فيسبوك وثمانية هواتف محمولة بعدما انضم إلى فريق مكون من 300 شخص عملوا على ترويع معارضي رئيس وزراء بلاده نارندرا مودي. وفي الإكوادور أظهرت وثائق أن الحكومة دفعت أموالًا إلى شركة علاقات عامة لإنشاء مزرعة ترول وإدارتها، لاستخدامها في التعدي على المعارضين السياسيين.

ذُكرت العديد من تلك المعلومات في تقرير أصدرته مجموعة عالمية من الباحثين. وكشف التقرير أدلة على عمليات ترولينج مدعومة من الدولة في سبعة بلدان، ووَثَّق محررو بلومبرج أمثلة إضافية في عدة بلدان أخرى. أصدر التقرير معهد "من أجل المستقبل"، وهو مجموعة غير حزبية بحثية تنبؤية مهتمة بالشأن العام ومقرها بالو ألتو بكاليفورنيا.

يذكر التقرير: "تلك الحملات يمكنها أن تستغل سعة الإنترنت الحديث وسرعته. تستخدم الدول الأدوات نفسها التي اعتبرتها سابقًا مصدر تهديد لتوظيف تقنية المعلومات كوسيلة لتعزيز سلطتها وسيطرتها الاجتماعية، إذ تطلق عمليات ترويج للمعلومات المزيفة وتنشر بروباجندا حكومية على نطاق أعظم من أي وقت مضى".

التقرير الذي استغرق إعداده حوالي سنتين كان ثمرة مشروع أبكر موَّلَته جوجل ولكنه لم ينشر. وثَّق الباحثون في قسم جيجسو بالشركة، حاضنة الشركة التكنولوجية، حملات تعدٍّ خبيثة كان الغرض منها أن تبدو عفوية، ولكن في الحقيقة كانت متصلة بالعديد من الحكومات. عادة ما تعمل تلك الحملات "بمستوى عال من التنسيق المركزي وتوظف البوتات وتدير مركزيًا حسابات مواقع التواصل المصممة لإغراق الضحايا وتمييع معارضتهم". وفقًا لنسخة غير منشورة لتقرير جوجل الذي حصلنا عليه من باحث خارجي.

في رد فعل على الثورات والحركات الاجتماعية التي انطلقت من تويتر وفيسبوك، في البداية حظرت الحكومات المحتوى، ومنعت الدخول إلى المواقع الاجتماعية واستخدمت تقنيات المراقبة لتتبع مواطنيها. ولكن بدا أن الأكثر تأثيرًا هو مجرد إغراق المنصات بطوفان من المعلومات المزيفة والتهديدات المُجهَّلة، ما أطلق عليه الباحثون إستراتيجية "الإغراق في المعلومات"، صار ذلك ممكنًا بالانتشار المتسارع للشبكات الاجتماعية.

تعتبر تركيا مثلًا بارزًا، وفقًا لكاميل فرانسوا، التي أدارت مشروع جيجسو كباحثة رئيسية بجوجل. منذ مظاهرات عام 2013 بجيزي بارك بأسطنبول، استخدمت حكومة رجب إردوغان مزيج القمع على الإنترنت وخارج الإنترنت لتحويل المواقع الاجتماعية "إلى مساحة راكدة تقريبًا يصعب فيها توليد الاحتجاج الاجتماعي الأصيل في تركيا"، كما تقول فرانسوا التي تضيف: "بعد خمسة أعوام، لم يعد يوجد الكثير من النشاط المنظم جيدًا".

 

مظاهرة بميدان تكسيم - حديقة جيزي اسطنبول - يونيو 2013

تكافح شركات الشبكات الاجتماعية كفيسبوك وتويتر لمواجهة الموارد الكبيرة والبراعة التي تستثمرها الحكومات وغيرها للتلاعب بمنصاتها. ملايين الحسابات المزيفة تتلاعب بخوارزميات الشركات، وتتحكم فيما يراه المستخدمون، في حين أن تقنيات مثل التلاعب بالمكان يمكنها أن تُظهر منشورات الحسابات المسيطَر عليها مركزيًا، كمنشورات لجيوش من الناس الحقيقيين.

نقلت الأخبار أن تويتر أوقف 70 مليون حساب مزيف وخبيث في شهري مايو ويونيو. ذكرت الشركة أنها اتخذت إجراءات وقائية لمواجهة الترولينج، وأن أي شكل من التوليد الآلي الخبيث يعتبر انتهاكًا لقوانين تويتر. أعلن فيسبوك هذا الشهر أنه سيبدأ في حذف المعلومات المزيفة التي تساعد على تأجيج العنف، وقال المتحدث إن الشركة استثمرت في طرق فعالة لمواجهة الحسابات المزيفة: "ننفذ تلك السياسات سواء كان الطرف المسؤول يقوم بذلك فرديًا أو ضمن جماعة، أو بدعم حكومي".

يقول الخبراء إن الشركات تحتاج لبذل جهد أكبر لمواجهة حقيقة أن أكثر الأنظمة قمعًا في العالم تستخدم هذه الأساليب.

تقول كاتي بيرس، أستاذة الإعلام في جامعة واشنطن، والتي درست استخدام منصة فيسبوك في أذربيجان: "يقلق الناس في بعض الأحيان من أن أذربيجان ستغلق فيسبوك. ولكن لِم تفعل ذلك؟ فيسبوك أكثر الأدوات فاعلية التي يمكن أن تسمح للحكومة بالسيطرة".

2

ترولينج من أجل مودي

 

جالسًا القرفصاء على سرير شاربوي، وهو سرير هندي نهاري، ينقر ماهافير براساد خيليري على اللابتوب، الذي ينعكس ضوؤه على وجهه، لا يوجد سوى مصباح واحد معلق على سقف منزله الذي تُلَطِّخ الأقذار جدرانه. يستخدم حاسبه وهاتفين محمولين للدخول على المواقع الاجتماعية لمناصرة منظمة معنية بصحة الأبقار، التي يقدسها الهندوس. بطريقة ما يعتبر عمل خيليري تكفيرًا عن الوقت الذي سخَّر فيه إيمانه الشديد ومهاراته على المواقع الاجتماعية، لخدمة نوع من التعبير الخبيث. قبل ذلك كان "ترول" يعمل لصالح الحزب الحاكم بالهند، بهاراتيا جاناتا (حزب هندوسي متشدد). يقول: "في ذلك الوقت، كان عقلي ممتلئًا بالسموم".

اثنان من معارف خيليري جنّداه ليشارك في عمليات الحزب بالمواقع الاجتماعية في فبراير 2014. في الوقت الذي كان مودي ينافس على منصب رئيس الوزراء بالهند؛ حصل خيليري على ثمانية هواتف محمولة وبطاقات هوية لستة حسابات فيسبوك مختلفة، هكذا يتذكر في لقاء معه في قريته جوجاليا. يقول إنه كان يعمل 18 ساعة يوميًا متنقلًا بين عمل الحملة الشرعي وممارسة الترولينج على المعارضين والصحفيين. حين فاز مودي، تطورت العمليات أيضًا، تحولت لتكون أداة لدعم حكومة مودي.

عمل خيليري في الخلية التي أطلق عليها حزب بهاراتيا جاناتا اسم "خلية تكنولوجيا المعلومات" التي أدت دورها بكفاءة كمزرعة ترول متخصصة بحسب قوله. تَطَوُّر الخلية في أكبر ديمقراطية بالعالم، تم في الوقت نفسه تقريبًا الذي اقتنعت فيه السلطات الأمريكية أن روسيا بدأت في استخدام هذه التقنيات للتأثير على الانتخابات الرئاسية عام 2016. وجد الباحثون الذين أسهموا في تقارير المعهد وجوجل، أن الأمر نفسه حدث في توقيت مشابه في دول مختلفة وفي ظروف متباينة.

 

خيليري في حجرته - بلومبرج 

وفقًا لخيليري، النسخة الهندية من أدوات الترولينج ضمت إستراتيجيات كان الهدف منها إثارة الخلافات الطائفية وشيطنة الأقلية المسلمة وتصوير مودي كالمُخَلِّص بالنسبة للهندوس. يحدد المشرفون موضوعات اليوم ويحددون أهدافًا لمهاجمتها. خيليري و300 آخرين من الترولات مدفوعي الأجر يصنعون الميمات، أو يقُّصون ويلصقون التغريدات التي ترسل إليهم من مجموعات واتس آب تضم عشرات الآلاف من الأوفياء للحزب. إعادة نشر التغريدات تجعل الهاشتاجات رائجة viral في دقائق معدودة.

يستعيد خيليري ذلك قائلًا: "يذبح المسلمون الأبقار، لذا نقول لهم إنه حين يجيء مودي سنذبحكم، ونقول للهندوس، إذا لم تُصَوِّتوا لمودي سيدمركم المسلمون".

غرَّد الرئيس السابق للخلية التكنولوجية بحزب باهاراتيا جاناتا، آرفيند جوبتا، في ديسمبر عام 2016، قائلًا إن لا الحزب ولا الخلية شجَّعا على ممارسة الترولينج وأن دعم الحزب على الإنترنت جاء من حركات تطوعية محلية. الرئيس الحالي للخلية، آميت مالفيا، قال إنه لن يُعَلِّق إلا حين يرى دليلًا على أن خيليري كان عضوًا بالخلية. ذكر خيليري أنه غادر الخلية في النهاية –كانت تدفع لأعضائها نقدًا ولم تترك لها أثرًا ورقيًا- بعد أن صار منزعجًا بشكل متزايد من السلطة التي جمعتها في أيديها.

قال خيليري: "في أي وقت يمكنهم أن يسيطروا على الوضع في الهند. جيش الترولات يمكن أن يدعو لإضراب عام، ويشلَّ البلد. يمكنهم أن يؤججوا الصراعات بين الجماعات، ويتسببوا في توتر مجتمعي أو يدمروا الانسجام المجتمعي".

3

من الأغاني إلى التهديد بالقتل

 

جهود ممارسة الترولينج تتخذ أشكالًا مختلفة في بلدان مختلفة. في بعض البلدان تُجبَر جماعات الشباب الحزبية على ممارسة ذلك. في بعض البلدان الأخرى تطورت جيوش متطوعين مهيكلة بشكل عال. البعض يدفع للسماسرة للقيام بهذا العمل. ولكن مع ذلك فعلى الدوام يحاول المنظمون جاهدين أن يجعلوا النشاط يبدو عفويًا.

في الإكوادور، استعان الرئيس السابق رافاييل كوريا بشركة علاقات عامة مقرها مدينة جواياكيل، تُدعى إنتلجنسيا إيموسيونال، للترويج لحملة إعادة انتخابه عام 2012، وحشدت الشركة مجموعة من الفيديوهات والأغاني وصفحات فيسبوك، وجبهة موحدة على المواقع الاجتماعية حملت اسم يو ريفولوسيون.

 

رئيس الإكواردور السابق رافاييل كوريا

ولكن الأعمال الإضافية للشركة كانت أكثر سرية. أنشأت الشركة وأدارت شبكة من حسابات المواقع الاجتماعية المناصرة لكوريا التي تحرشت بالمعارضين السياسيين، وفقًا لوثائق أصدرتها إكوادور ترانسبارنت، وهو موقع يضم شهادات لمن يعارضون إدارة كوريا. وفي مقترح للحكومة الإكوادورية، اقترحت الشركة أن تتلقى 15000 دولار في الشهر لحشد شبكتها لتعمل دون توقف بإشراف "مديري المجتمع" Community Managers في "غرفة حرب" وذلك من أجل "التحييد الكامل" للمحتوى الهجومي على الإنترنت.

سَرَّب مجهولون وثائق داخلية من شركة إنتلجنسيا إموسيونال إلى موقع إكوادور ترانسبارنت، ووصفت العملية بأنها "مركز ترول"، وقالت إنه بسبب حساسية المشروع، ستجري سلسلة من البروتوكولات الأمنية. ضمت هذه الخطوات تشفير البيانات التي تشاركها الحاسبات، وإزالة البيانات الداخلية من كل المواد وإخفاء مواقع الحاسبات.

لم يَرُد كوريا على الأصوات التي طالبته بالتعليق على تلك التسريبات، وكذلك لم يُجِب رئيس إنتلجنسيا إموسيونال كينيث جوديون.

أظهرت مجموعة أخرى من الوثائق المسربة كشفتها بلومبرج أن عمليات الترولينج بالإكوادور شاركت فيها الإدارة الاستخباراتية بالبلاد. في النهاية صارت العملية سيئة السمعة بسبب تهديدات القتل، والاتجار بالمواد الشخصية المقرصنة الخاصة بالصحفيين والمعارضين السياسيين. حتى المواطنين العاديين الذين استخدموا المواقع الاجتماعية للحديث ضد الحكومة تم استهدافهم، وفقًا لمارثا رولدوس، الصحفية الاستقصائية وابنة الرئيس السابق للإكوادور، والتي كانت هدفًا لعمليات الترولينج.

4

منظمون كعصابات المخدرات

 

في المكسيك، كان تَدَخُّل حسابات فيسبوك وتويتر المزيفة في الخطاب العام مدمرًا أثناء فترة حكم الرئيس السابق إنريكي بينا نييتو، حتى أطلق عليها معارضوه السياسيون اسم "بوتات بينا" "Penabots". استُخدمت شبكات البوت أيضًا ضد أجندة الحكومة.

منذ عامين، بدأ الصحفي الاستقصائي والناشط ألبرتو إسكورسيا توثيق واحد من الإسهامات الفريدة في ممارسة الترولينج: عصابات شابة غير محكمة التنظيم أخبر أعضاؤها السابقون إسكورسيا أنهم تلقوا أموالًا لإطلاق مظاهر هجوم عِصابي على الصحفيين والنشطاء الذين يعارضون الحكومة.

يقول إسكورسيا إنه باستخدام أسماء مستعارة مثل فيلق هولك، كان تنظيم العصابات أشبه بتنظيم كارتلات المخدرات سيئة السمعة بالمنطقة. في إحدى الحالات التي وثقتها منظمة العفو، استخدم ترولات فيلق هولك أكثر من 2000 حساب لإرسال تهديدات بالقتل لعشرة صحفيين وشخصيات عامة على مدار يومين. هبت عاصفة التغريدات في الذكرى الثانية للاختطاف الجمعي لطلاب في ولاية جيريرو، وهو الحدث الذي ابتُليت به حكومة بينا نييتو، مع وجود أدلة على تورط الشرطة والجيش. تغريدات الترولات المُهَدِّدة كانت بمثابة قوة مضادة للغضب العام المتجدد الذي أججته الذكرى.

قال إدواردو سانشيز، المتحدث باسم إدارة بينا نييتو، إنه "لا يوجد شيء من هذا القبيل"، وذلك حين سألته بلومبرج عن مزاعم أن بعض شبكات الترولينج روجت لأجندة الحكومة.

تقرير جوجل الذي فحص مظاهر الترولينج المتصلة بالحكومة كان من المفترض مبدئيًا أن يُنشر في العام الماضي، وفقًا لباحثين تعاونوا مع الشركة. بعضهم قال إن تحقيقات الكونجرس والسلطة التنفيذية في تدخل روسيا في الانتخابات ربما جعل الموضوع في غاية الحساسية.

المتحدث باسم قسم جيجسو بالشركة، دان كيزرلينج، قال إن ليست كل المشروعات البحثية تنتهي بالنشر، وأن المعلومات المستمدة من التقرير استُخدمت داخليًا لتطوير أدوات لكشف المحتوى المؤذي. تتبنى جيجسو حقيقة أن المنظمات الأخرى تستكمل البحث في مظاهر الترولينج المدعومة من الدولة بحسب قوله.

5

كيف تنشئ "بوتنت"

أظهرت تجربة تركيا كيف حوَّل السياسيون منصات المواقع الاجتماعية إلى أدوات للسيطرة المعلوماتية، وسريعًا ما حَسَّنوا من تقنياتهم. اهتزت حكومة إردوغان بشدة من المظاهرات التي بدأت في مايو عام 2013، وتنامت على مدار الأسابيع التالية لتركز على فساد الحكومة. في خلال أشهر، حشد الحزب الحاكم جيش البوت، على الرغم من أنه لم يكن متخفيًا جيدًا. كَشَف الباحثون مجموعة مكونة من حوالي 18 ألف حساب تويتر مناصر لإردوغان استخدموا صورًا شخصية متخذة من مواقع البورن، أو استعانوا بصور شخصيات عامة مثل الممثلة الأمريكية ميجان فوكس.

بحلول عام 2017، تطورت قوات البلد الرقمية واتخذت شكلًا أكثر تهذيبًا وإثارة للتهديد. حدد تقرير لأكسس ناو، وهي منظمة تدافع عن الحقوق الرقمية، مجموعة من الحسابات المزيفة، التي تبدو وكأنها أشخاص متعاطفون مع المسيرات التي كان مقررًا لها هذا الصيف. كان الحدث سيركز على قمع الصحفيين والمعلمين وغيرهم بعد محاولة الانقلاب عام 2016.

أحد هذه الحسابات، حمل صورة شابة زعمت أنها مناصرة للمسيرة، نشرت رابطًا إلى موقع للمشاركين. أصيبت أجهزة زوار هذا الموقع بفيروس متطور يتجسس على جماعاتهم ويراقب تحركاتهم، كما يكشف تقرير أكسس ناو. الشركة التي صنعت الفيروس الخبيث لا تبيع منتجاتها سوى للحكومات.

وثَّق الباحثون والصحفيون جيوش بوت مشابهة في الأرجنتين وتايلاند والبحرين والسعودية.

تجلَّى الترولينج السعودي بعد القبض على سبعة نشطاء سعوديين بارزين في حقوق المرأة في 15 مايو، بعد مطالبتهم بإنهاء الحظر على قيادة النساء للسيارات. مبدئيًا لم تقدم الحكومة السعودية معلومات عن مكان النشطاء. ونشر مستخدمو تويتر المعنيون رسائل انتهت بالهاشتاج العربي: "أين النشطاء؟"، الذي ووجه سريعًا بهاشتاج روجته منظمة إخبارية مدعومة من الدولة وأطلقت على النشطاء: "عملاء السفارات"، إلى جانب صور لهم تضع كلمة "خائن" على وجوههم.

يصير المشهد أكثر قبحًا. أحد الحسابات يسأل لجين الهذلول، التي تبلغ من العمر 28 عامًا، وتعلمت في الغرب، واحتُجزت بعد أن غردت تغريدة مباشرة live وهي تقود سيارة: "كيف حال طعام السجن؟"، ويقول آخر: "تتصرفين كأنك شيء وأنت لا شيء". وإلى جانبه إيموجي على شكل سكين. حساب آخر متصل بأرشيف لتغريدات الهذلول، حتى يستطيع المعارضون لها التفتيش في كلمات "عدوة الوطن".

في تحليل لجرافيكا، وهي شركة استخباراتية مختصة بالمواقع الاجتماعية ومقرها نيويورك، يظهر أن هاشتاج "العملاء" صعد بطريقة عالية التنسيق، كما يقول جون كيلي، المدير التنفيذي للشركة ومؤسسها. مارك أوين جونز، الباحث والمحاضر في شؤون الخليج بجامعة إكستر، وجد أدلة على أن الهاشتاج صعد بواسطة حسابات أوتوماتيكية متصلة ببوتنت (شبكة بوتات) هائل داعم للحكومة السعودية، كان قد اكتشفه من قبل.

كتب أوين جونز عن هذا البوتنت في فبراير: "تظل مسألة إذا كانت هذه عملية مدعومة من الدولة، أو عمل شركة علاقات عامة أو مشروع أحادي لفرد ثري، مسألة محل بحث".

6

كراهية المرأة وتهديدات بالاغتصاب

أكثر مظاهر الهجوم عدائية تُوَجَّه إلى النساء، كشف معهد "من أجل المستقبل" أن كل الحالات المعروفة لعمليات الترولينج المدعومة من الحكومات وتضمنت ضحايا نساء، استخدمت لغة ثقيلة كارهة للنساء، احتوت على تهديدات بالاغتصاب والتشويه.

المنشورات المصورة التي لا تتوقف عادة ما تثبت أنها أسلحة قوية، تحدد بشكل عام معارضي النظام وتُشَرِّع تصرفات من يهاجمونهم، وتؤدي ببعض الصحفيين إلى ممارسة الرقابة الذاتية على عملهم، كما يشير التقرير.

قبل أن تقتلها سيارة مفخخة في أكتوبر عام 2017، حازت دافني كاروانا جاليزيا على الشهرة لكتاباتها عن الفساد في مالطا، الدولة/الجزيرة الصغيرة التي تطل على البحر المتوسط. يقول ابنها بول كاروانا جاليزيا، أن قلق أمه تزايد من هجمات الإنترنت التي استقبلتها بمدونتها، ما جعلها تتردد كثيرًا قبل أن تنشر شيئًا آخر.

كانت بضعة مجموعات مغلقة على فيسبوك يديرها موظفون حكوميون، وراء تنسيق العديد من التعليقات العنيفة تجاه دافني. وضمت تلك المجموعات بين أعضائها مشرعون بحزب العمال الحاكم. بحسب قول الابن، روَّجت المجموعات السرية التي انكشفت عملياتها في الشهور التي تلت جريمة القتل "آلاف من التعليقات المُهاجِمة المرعبة حقًّا".

في أحد الميمات التي راجت قبل وفاتها بوقت قصير، وضعت صورتها مكان صورة يسوع المسيح بجانب بيلاطس البنطي الذي يسأل الحشد: "ما الذي تريدونني أن أفعله بها؟" وفاضت التعليقات التي تشجع على ممارسة العنف ضدها. يقول ابنها: "في الوقت الذي قُتلت فيه كانت قد اكتملت عملية تجريدها من إنسانيتها".

 

ميم راج قبل اغتيال الصحفية المالطية دافني جاليزيا يضع صورتها مكان صورة يسوع المسيح 

وفقًا لأمثلة كشفها الباحثون، هدد الترولات أيضًا بالانتهاك الجنسي للصحفية التركية سيدا كاران بواسطة زجاجة مكسورة، بينما تلقت الأكاديمية المكسيكية روزانا ريجيلو صورًا لجثث محترقة مع تحذير يقول: "هذا يمكن أن يحدث لكِ".

حقيقة التخطيط لهذه التهديدات بحيث تبدو وكأنها جاءت من مستخدمين مجهولين من المواقع الاجتماعية، يجعلها مخيفة وفي بعض الأحيان مثيرة للقلق أكثر مما لو صدرت مباشرة من الحكومة.

تقول كارلي نيست، إحدى كُتَّاب تقرير معهد "من أجل المستقبل"، والخبيرة في التقاطعات بين حقوق الإنسان والتكنولوجيا: "هذه هي عبقرية هذا النمط من الهجوم؛ من الصعب التفرقة بين المنشورات الموجهة لغرض بعينه وبين التعبير الشعبي عن الرأي".

أحد الأسئلة التي لم تُجب عنها التقارير هو لِم طوَّرَت العديد من الدول عمليات الترولينج في الوقت نفسه تقريبًا. تشير بعض الأدلة إلى أن الدول تتبادل المعلومات والخبراء والموظفين الحكوميين.

كوريا، الرئيس السابق للإكوادور،  يقدم الآن برنامجًا تلفزيونيًا في النسخة الأسبانية من قناة روسيا اليوم، القناة الإخبارية الروسية المقربة من حملات الاستخبارات المعقدة المدعومة من الحكومة. وفي العام الماضي، حين كان الرئيس الفلبيني رودريجو دوتيرتي في الكرملين، ليقابل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، زار ممثل للإعلام الدولة الفلبيني مقر روسيا اليوم بموسكو ووقع شراكة مع وكالة الأنباء ووزارة الإعلام الروسية.

استخدم دوتيرتي فيسبوك كمنصة للهجوم العنيف على منتقديه، وعيَّن ترولات معروفين في وظائف حكومية.

في آذربيجان، حافظت الحكومة على علاقة مقربة من روسيا، التي صدَّرَت إليها بعض الخبرات، ومن ضمنها البوتات، وذلك وفقًا لبيرس، الأستاذ بجامعة واشنطن.

ومع ذلك يظل اقتفاء أثر الترولينج الذي ترعاه الدول أمرًا صعبًا، ويعود ذلك بشكل كبير إلى أن الدول تبذل جهدًا كبيرًا لإخفاء أثرها. تقول فرانسوا، الباحثة السابقة بجوجل، إن بنية حملات الترولينج تشبه كثيرًا اليد التي ترتدي قفازًا بينما تنظم العملية، وبعدها تخلع القفاز.

وبعد أن تلقي بهذا القفاز الذي يراه العالم، تختفي اليد تمامًا.


اقرأ ايضًا: مملكة البوت.. ما وراء اللجان الإلكترونية

اقرأ أيضًا: اختراق "في الجول".. بداية قوية لذباب "الأهرام" الإلكتروني