يمتلكان أفضل تشكيلتين بين منتخبات دور الأربعة.. فهل يفعلها الواقعي أم المجنون؟

أيام المونديال| فرنسا وبلجيكا: واقعية ديشامب في مواجهة جنون مارتينيز

منشور الثلاثاء 10 يوليو 2018

نحن الآن في نصف نهائي كأس العالم، مواجهتان ناريتان بين فرنسا وبلجيكا، كرواتيا وانجلترا. مربع ذهبي يليق ببطولة مجنونة تختلف تمامًا عن النسخ السابقة، مربع ذهبي تغيب عنه القوى الكلاسيكية بينما يشهد عودة منتظرة لبطلين سابقين.

منتخب انجلترا، بطل مونديال 66، يعود للمربع الذهبي للمرة الأولى منذ 28 عاما، حينما حصد منتخب الأسود الثلاثة المركز الرابع بمونديال إيطاليا 1990. كما تعود فرنسا للمربع الذهبي بعد أخر ظهور لها في نسخة 2006 بألمانيا، والتي حل فيها منتخب الديوك وصيفا لإيطاليا، بعد أن حققوا لقبهم الوحيد في مونديال 1998 الذي نُظم على أرضهم.

أيضا تأهل للمربع الذهبي منتخبان لم يتوجا من قبل بلقب المونديال: بلجيكا وكرواتيا، ما يزيد احتمالية ظهور بطل جديد. بينما تظهر بلجيكا في المربع الذهبي للمونديال للمرة الأولى منذ 32 عاما بنسخة 1986 بالمكسيك حينما حصدت المركز الرابع، بينما تظهر كرواتيا في المربع الذهبي للمرة الأولى منذ 20 عاما، حينما حصد منتخب الشطرنج المركز الثالث في نسخة 1998 بفرنسا.

الطريق للمربع الذهبي

قبل المونديال كانت الترشيحات في صالح البرازيل، وألمانيا، وإسبانيا، وفرنسا، والأرجنتين. خرجت ألمانيا مبكرا من الدور الأول، ولحقت بها إسبانيا والأرجنتين، ثم البرازيل. ترشيح فرنسا لنيل اللقب جاء لكونها وصيفة بطولة أوروبا 2016، بخلاف امتلاكها لجيل هائل من اللاعبين في كل المراكز في مقدمتهم أنطوان جريزمان وبول بوجبا وكيليان مبابي.

 

من اليمين لليسار.. مبابي، بوجبا، جريزمان

القرعة وضعت فرنسا في مجموعة متوازنة تضم بجانبها أستراليا، الدنمارك، وبيرو. بدأت فرنسا مواجهات المجموعة الثالثة بانتصار قيصري أمام أستراليا بهدفين لهدف، ثم تلاه انتصار آخر على بيرو في الجولة الثانية بهدف يتيم صعد بالديوك للدور الثاني، قبل أن ينهي المنتخب الفرنسي الدور الأول بتعادل سلبي مع الدنمارك ضمن تأهلهما سويا للدور الثاني، في المباراة الوحيدة التي انتهت بالتعادل السلبي في المونديال حتى الآن. أحرز المنتخب الفرنسي في الدور الأول ثلاثة أهداف فقط، منهم هدف ذاتي من مدافع أستراليا في مرماه، وأخر من ركلة جزاء أمام أستراليا أيضا.

الانتصار العريض على الأرجنتين بأربعة أهداف مقابل ثلاثة في أولى مواجهات الدور الثاني كان بمثابة إعلان أن الديوك لن يغادروا روسيا سريعا. فرنسا قدمت عرضا مقنعا وأقصت الأرجنتين وليونيل ميسي، وانفجر كيليان مبابي بهدفين جميلين مسجلا اسمه في التاريخ كأصغر فرنسي يسجل في كأس العالم. ثم حقق المنتخب الفرنسي فوزا منطقيا على أوروجواي بهدفين، صعد بالديوك لنصف النهائي للمرة الأولى منذ عشرين عاما، عندما حمل ديشامب، قائد المنتخب وقتها، كأس العالم لأول مرة في تاريخ فرنسا.

 

قائد المنتخب وهدافه التاريخي في المواجهة بقمصان مختلفة

في مواجهة الجار اللدود

على الناحية الأخرى، بلجيكا بقيادة الإسباني روبرتو مارتينيز تسعى لمعانقة التاريخ وحصد اللقب الأغلى للمرة الأولى في التاريخ، وربما الفرصة سانحة للغاية الآن، فالمنتخب البلجيكي يعج بنجوم متعددة موزعة على أكبر الأندية في العالم في مقدمتهم كيفين دي بروينه، وإيدين هازارد، وروميلو لوكاكو. إضافة إلى تواجد الأسطورة الفرنسية تييري هنري مساعدا لمارتينيز، وتتمحور مهمته الأساسية حول العمل مع المهاجمين وتطوير الشكل الهجومي العام للمنتخب البلجيكي. لكن هنري، الهداف التاريخي للمنتخب الفرنسي، سيعاني عاطفيا عند عزف النشيد الفرنسي قبيل المباراة، كونه يلعب ضد منتخب بلاده، ولكنها خبرة فريدة.

تصدرت بلجيكا المجموعة السابعة بالعلامة الكاملة، اكتسحت بنما بثلاثية ثم تونس بخماسية، ثم انتصار بهدف على انجلترا، في مباراة خسرها الإنجليز بإرادتهم لتجنب احتمالية مواجهة البرازيل في الأدوار التالية.

في الدور الثاني واجهت بلجيكا اليابان التي تقدمت بهدفين صادمين، لكن مارتينيز أجرى تعديلاته في الشوط الثاني وانتزع انتصارا دراميا في الثواني الأخيرة بهدف البديل ناصر الشاذلي، ليضرب موعدا ناريا مع البرازيل المرشح الأول بعد سقوط ألمانيا وإسبانيا.

البرازيل عاجزة

أن تُحاصَر البرازيل في منطقتها ويُحرم لاعبوها من الكرة مع الضغط المستمر على مدافعيها للتسجيل هي أمور لا تحدث كثيرا فأنت أمام البرازيل، لكن الإسباني مارتينيز ضرب كل النظريات الواقعية التي تحبّذ الدفاع عن الهجوم عرض الحائط وحقق ما هو مستحيلا. قدم المنتخب البلجيكي  في ربع النهائي أمام البرازيل مباراة لن ينساها محبو كرة القدم، كانت مباراة من الخيال. انتصرت بلجيكا بهدفين لهدف وأقصت راقصي السامبا في استمرار لمسلسل سقوط القوى الكلاسيكية في مونديال روسيا. لم يكن ينقص المنتخب البلجيكي سوى انتصار هائل كالذي تحقق أمام البرازيل، انتصارًا يُخلد في التاريخ ويعطى اللاعبين الثقة الكاملة في كونهم أبطالا.

 

أربعة.. اثنان.. ثلاثة.. واحد

يدخل ديشامب المباراة بخطته المعتادة 4 2 3 1. لوريس حارسا، ثم الرباعي من اليمين لليسار بافار/ فاران/ اومتيتي/ لوكاس. أمامهم كانتي بأدواره الدفاعية يمينًا ويسارا لحماية رباعي الدفاع، وبوجبا بدوره المحوري في بناء الهجمة وتوصيل الكرة للمهاجمين. مبابي على اليمين مستغلا المساحات خلف الجناح المتقدم في بلجيكا، إضافة للارتداد والمساندة الدفاعية لبافار في مهمته الثقيلة أمام هازارد. على اليسار ماتويدي بأدوار دفاعية تغلب الهجومية لمساندة الظهير الأيسر  لوكاس، والضغط على المنافس من الأمام. جريزمان في المركز "10" لصناعة اللعب ومشاركة بوجبا في الاستحواز على الكرة وبناء الهجمات، ومن أمامه جيرو كمهاجم كلاسيكي يضغط على المدافعين ويفتح المساحات لصالح مبابي وجريزمان.

ديشامب أمامه مهمة صعبة في التعامل مع الضغط العالي للاعبي بلجيكا خاصة في الشوط الأول، سيطلب من لاعبيه الحفاظ على الكرة حتى ولو بشكل سلبي، كما أنه سيضيق المساحات على لاعبي بلجيكا بتقريب خطوط فريقه. مبابي سيكون لاعبا حاسما في هذه المباراة لسرعته الجنونية خلف المدافعين، كذلك جريزمان بمهارته في صنع اللعب والتسجيل أيضا.

 

ديدييه ديشامب

ثلاثة.. أربعة.. ثلاثة

أما مارتينيز يعرف جيدا أنه سيواجه منتخبا متمرسا في البطولات الإقصائية، ويعرف أيضا أن الديوك قادرون على خطف المباراة حتى إن لم يكونوا الأفضل في المباراة. مارتينيز سيسعى للتغلب على أخطاء الشوط الثاني في مباراة البرازيل، خاصة حينما عاد لاعبوه للخلف مبكرا ولم يتمكنوا من الحفاظ على الكرة. كما أنه لا ينسى فخ اليابان حين تأخر بهدفين بسبب المساحات خلف مدافعيه.

مارتينيز سيفتقد لجناحه الأيمن توماس مونييه للإيقاف، ولكن ذلك لن يثنيه عن طريقة لعبه المعتادة 3 4 3، كما أنه بنسبة كبيرة لن يغير التشكيل الذى انتصر به على البرازيل. كورتوا حارسا، أمامه ثلاثي دفاعي أنديرفيلد/ كومباني/ فيرتونجن، ثم رباعي وسط الملعب من اليمين إلى اليسار كرّاسكو (بديلا لمونييه الغائب للإيقاف)/ فيتسيل/ فيلايني/ الشاذلي. أمامهم دي بروينه كمهاجم وهمي وصانع لعب للوكاكو وهازارد.

الخطورة هنا تكمن في المساحات خلف الجناحان كرّاسكو والشاذلي، خاصة وأن كرّاسكو لا يجيد الأدوار الدفاعية بعكس الشاذلي الذي أجاد في مباراة البرازيل دفاعيا وهجوميا.

تعامل مارتينيز مع هذه الخطورة في مباراة البرازيل بمطالبة مونييه والشاذلي بالارتداد السريع بالتبادل في حالة الدفاع، كما أن لاعبي الوسط في حالة فقدان الكرة يتحولوا إلى خمسة بنزول دي بروينه للأسفل لمساندة فيتسيل وفيلايني.

ولكن مع خطورة فلسفة مارتينيز إلا أنها ناجعة جدا هجوميا وتُمكن اللاعبين من الضغط على المنافس من الأطراف والعمق، ذلك كان جليًا في الشوط الأول من مواجهة البرازيل والثاني من مواجهة اليابان. لاعبو بلجيكا سجلوا 14 هدفا في خمس مباريات حتى الآن، بمعدل يقترب من الثلاثة أهداف في المباراة الواحدة.

رجل دون خطة

يحاول مارتينيز أن يضيف جديدا كل مباراة لمعالجة أخطائه، لن يكون مفاجئًا إذا غيّر خطته برمتها اليوم. هو مدرب مجنون يرفض اللعب النمطي أو الواقعي، يحاول دائما أن يلفت انتباه العالم إليه كمدرب وإلى قوة لاعبيه. وبالفعل تحقق له ذلك بالانتصار على البرازيل الذي رفع طموح لاعبيه، وأصبح فريقه مرشحا الآن للتتويج بكأس العالم.

 

مارتينيز وهنري يحتفلان بالهدف الثاني لبلجيكا خلال مواجهة البرازيل

ديشامب لا يُغير كثيرا، يطالب لاعبيه بالاستحواذ والصبر حتى تسنح الفرصة للتسجيل. أما مارتينيز يطالب لاعبيه بالتقدم والضغط المستمر على منافسه، المهم أن نسجل أولا. اللقاء سيكون بين القائمتين الأشمل والأكثر تنوعا بالبطولة.


اقرأ أيضًا: دروجبا يتحدث عن لوكاكو: الفتى صار رجلا