ميدان التحرير - 11 فبراير 2011 عقب تنحي مبارك 

المنصة تفتح صندوق الثورة الأسود: مكالمات التنحي.. فرح وفخر ومخاوف

منشور الأربعاء 10 فبراير 2016

في الفترة بين 10 إلى 13 فبراير، أصبحت معظم الاتصالات الهاتفية تعبر عن مساندة الثورة. أما باقي الاتصالات وخاصة تلك التي تلت الإعلان عن تخلي مبارك عن السلطة؛ فأظهرت تخوفًا من مصير البلاد عقب نهاية حكم الرئيس الأسبق

 

تواصل المنصة البحث داخل صندوق الثورة الأسود، الذي يحوي التغريدات الصوتية للمصريين عبر شبكة التواصل الاجتماعي تويتر، التي استقبلتها خدمة "Speak 2 Tweet"، التي أطلقها المبرمج المصري عبدالكريم مارديني من غرفة بمنزله في زيورخ السويسرية، في محاولة لسد الفجوة التي سببها قطع الحكومة المصرية خدمات الإنترنت عن البلاد في الفترة من 27 يناير وحتى 2 فبراير 2011؛ بهدف تضييق الخناق على دعوات المتظاهرين للحشد خلال الأيام الأولى للثورة المصرية.

"المنصة" تفتح صندوق الثورة الأسود: اعترافات ووصايا ما قبل الموقعة


تغريدة على حساب خدمة speak to tweet تحمل الرابط الصوتي للمكالمة الهاتفية لمتصل مصري


 نشرت المنصة في تقرير سابق، ما فحصته من سجل المكالمات التي تلقتها هواتف الخدمة بين يومي 30 يناير وحتى 2 فبراير؛ الذي عادت معه خدمة الإنترنت. وهي الفترة التي مثلت ذروة استخدام المصريين في الداخل والخارج لخدمة  Speak 2 tweet، واهتم فيها المتصلون بإظهار دعمهم أو رفضهم للثورة ولبث أخبار ما يجري من تحركات في الشارع لمؤيدي مبارك، وتحذير المتظاهرين منها. لكن بعد عودة الإنترنت ظهيرة يوم 2 فبراير؛ تغيرت أهداف المتصلين بالخدمة؛ لتتجه أكثر نحو التعبير عن الآراء والانحيازات، وتحميس المتظاهرين للاستمرار والإصرار على أهدافهم، أو لحثهم على التراجع والاستجابة لعرض مبارك بالبقاء في السلطة حتى نهاية فترته الرئاسية.

 في الفترة ما بين 10 إلى 13 فبراير، أصبحت معظم الاتصالات الهاتفية تعبر عن مساندة مصريين بالداخل والخارج للثورة إلى جانب عدد من المواطنين العرب والأفارقة. أما باقي الاتصالات وخاصة تلك التي تلت الإعلان عن تخلي مبارك عن السلطة؛ فتضمنت بضعة مكالمات تتخوف من مصير البلاد عقب نهاية حكم الرئيس الأسبق، وأخرى تحض على الوقوف بجانب المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كلفه مبارك بإدارة البلاد. 

"المنصة" تفتح صندوق الثورة الأسود: كيف غَرّد المصريون حين انقطع الإنترنت

العاشر من فبراير -بداية فترة الرصد في هذا التقرير- كان هو اليوم السابق على تخلي مبارك عن السلطة. وفيه شهدت ميادين الجمهورية مليونية حاشدة، انتظر المصريون المتضامنون مع الثورة بعدها رحيل مبارك عن السلطة، لكنه خرج مساء ذلك اليوم، ليهدد المصممين على الاحتجاج في خطاب عصبي، أكد فيه إصراره على إتمام فترته الرئاسية. وقبل ساعات من هذا الخطاب دعا مستخدمو خدمة speak 2 tweet المصريين المعتصمين في ميدان التحرير، والمتظاهرين في باقي محافظات الجمهورية إلى الثبات على موقفهم المطالب بـ "إسقاط النظام". 

https://www.youtube.com/embed/ySQp73bZA6o

"المنصة" تفتح صندوق الثورة الأسود: كيف غَرّد المصريون حين انقطع الإنترنت

ما قبل التنحي

في اليوم السابع عشر من اعتصام التحرير،  وثقت التسجيلات الصوتية الثلاث المتوافرة على مدونة Alive In Egypt، روح التفاؤل بنصر الثورة، والإصرار على استكمال ما بدأ في الخامس والعشرين من يناير، كما حملت تساؤلات إلي الأنظمة العربية التي لم تناصر المصريين. 

فسجل مواطن عربي يتحدث بلهجة  خليجية في أقل من دقيقة تحية للشعب المصري وتأييد لثورته قائلا: "جزاك الله يا شعب مصر. واصل واصل والله معك إن شاء الله إلى النهاية".

وبينما كان موقف أغلب الحكومات العربية في تلك الأيام معادٍ للثورة؛ حذر متصل مصري الأنظمة الحاكمة من المستقبل  قائلا: "إن لم تعترفوا الآن بالثورة، فلن يعترف بكم أحد في ما بعد… أنتم كلكم دكتاتوريات رهيبة تتحصن وراء الأمن وقوات الأمن التي تعيث في الأرض فسادًا وفي الشعوب". وأظهر المتصل أملاً في نصر الثورة القريب، قائلا: "النصر للشعب المصري آتٍ لا محالة. النصر لشباب الثورة، والنصر لمصر كلها ولشعب مصر من أجل حياة كريمة وحرية أفضل مما يعانيه الآن الشعب المصري العظيم الكريم".

وجاء الاتصال الثالث من مواطن مصري يدعو إلي عصيان مدني، قائلا : "مش راجعين بيوتنا ومش شغّالين وورّونا بقى حتحكموا إيه انتَ وسليمان". موجهًا دعوته إلي العمال والمواطنين من غير القادرين وذوي الدخل المحدود للمشاركة في العصيان، قائلا: "مش مطلوب من الناس اللي هي ما تقدرش تنزل في مظاهرات... تقعد في البيت، مش أكتر من كده، اقعدوا في بيوتكم".

في الوقت الذي هاجم فيه مبارك ونائبه عمر سليمان، متهما إياهما بسرقة أموال الشعب؛ شدد على أن الجيش يقف في صف الشعب، قائلا: "اسمعوا الجيش بتاعنا.. الجيش بتاعنا مش جيش مرتزقة. ده جيش وطني مننا يعني ما فيش واحد فينا مالوش أخ في الجيش. اللي عنده بيت ما فهوش واحد في الجيش يقولي. كلنا ولادنا في الجيش. الجيش ده بتاعنا.. إخواتنا.. ونهائي عمرهم ما ح- يأذوا مصري.. أبداً. خلوا بالكو من النقطة دي".

يوم التنحي

مع اقتراب نهاية اليوم الثامن عشر من اعتصام التحرير، ارتفع مجددًا عدد مستخدمي خدمة speak 2 tweet، حيث حمل نهاية ذلك اليوم البيان المقتضب الذي ألقاه عمر سليمان، نائب الرئيس، معلنًا تخلي مبارك عن السلطة، وتلاه البيان الثالث للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي وُجِّهَت فيه التحية إلي مبارك بعد تكليفه المجلس بتولي شؤون إدارة البلاد. وبينما نقلت شاشات التلفزيون في العالم بهجة المصريين وسعادتهم بالخبر؛ تلقت الخدمة الصوتية، التي استمرت في تلقي المكالمات حتي بعد تنحي مبارك، أصوات احتفالات المصريين.

من باريس جاءت صوت متصل عرَّف نفسه بأنه مواطن مصري، وفي الخلفية أصوات التهليل والاحتفال. طالب المتصل الدول العربية بأخذ العبرة من نضال المصريين، قائلا: "نتمنى أن نرى أحداث في الوطن العربي مماثلة للأحداث في مصر، و ليتكم تتخذوا من الثورة في مصر وتونس أمثلة لتطبيقها في جميع البلدان العربية، وخاصة بلاد الشام والمغرب العربي". وتابع: "أدعو كل شريف في العالم العربي أن يأخذ من الثورة المصرية والتونسية مثال لعدم الخوف وحرية الكلمة".

وتدفقت مكالمات التهنئة التي لم تقتصر علي المصريين وحدهم، واهتم أصحابها بدعوة العالم العربي للاقتداء بالشعب المصري، فقال مواطن مصري في رسالته الصوتية: "ألف مليون مبروك لجميع شعوب العالم وألف مليون مبروك للشعب العربي". البعض سجل كلمات تهنئة مقتضبة مثل اتصال مواطن مصري قال "الله أكبر، ألف مبروك يا مصر، عملتها الرجالة"، وآخرون أسهبوا في التعبير عن فرحتهم، وتنبؤاتهم للمستقبل. في الوقت الذي جاءت فيه اتصالات التهنئة من مواطنين عرب وأفارقة، فقال مواطن صومالي إنه لم ير المصريين بهذه السعادة أثناء إقامته معهم نحو عشر سنوات.

بدا التأثر الشديد على أصوات المتصلين المصريين، وخاصة من يعيشون بالخارج، الذين غالب بعضهم الدموع أثناء اتصاله بالخدمة، فقال ياسر المقيم بالولايات المتحدة: "لساني عاجز عن الكلام عن الفرحة"، مؤكدا على يقينه بقدوم هذه اللحظة منذ سنوات: "كان عندي اليقين هذا من زمان ومن سنين طويلة جدا إن اللحظة دي هتيجي".

 

حملت التسجيلات الصوتية مشاعر الفخر بالإنجاز غير المتوقع، والزهو بالانتماء إلي الجنسية المصرية، حيث عرف عدد من المتصلين أنفسهم بعبارة: "أنا مواطن مصري"، واكتفوا بها تعريفًا دون ذكر أسماءهم في كثير من الأحيان.  وظهر الفخر في صوت ياسر وعباراته وهو يقول:" أعظم شعب في العالم هو الشعب المصري. يا جماعة، أنا فخور جدا جدا جدا. أنا أمشي في وسط شوارع أمريكا وأقول أنا مصري أنا مصري أنا مصري".

وبينما كان البعض يؤكد على أن مصر ينتظرها مستقبل مزدهر، وستنضم سريعا إلي مصاف الدول المتقدمة؛ نبه آخرون إلي محاولات الوقيعة بين فئات الشعب بهدف إفشال الثورة، كما في قول ياسر: "الناس هتحاول تعمل حاجات كتير في الفترة اللي جايه ده، ما تخلوش الفرحة تغمي عينكم الحاجات التي ممكن تحصل في النص تحصل. لا تدعوا أحد يتدخل ويقوم بحاجة وحشة. ضعوا أياديكم في إيد بعض وحافظوا على كل شبر من مصر"، وهو ما أكد عليه نصار من كاليفورنيا قائلا: "ربنا يحميكم. اتحدوا".

وأشار آخرون إلي ضرورة ملاحقة أموال الفساد في البنوك السويسرية وضخها في الاقتصاد المصري، فقال نصار المقيم بولاية كاليفورنيا الأمريكية: "يا رب نقوم باسترجاع أمواله من سويسرا و من البنك ونعيدها إلى البورصة في مصر ورفع حياتنا الإقتصادية".

وتوالت مكالمات عديدة يعبر فيها آخرون عن امتنانهم لتحية اللواء الفنجري للشهداء، فقال محمد رمضان: "إن دل ذلك على شيء، إنما يدل على نبل الأخلاق للعسكرية المصرية الشريفة الطاهرة، وإن هذا الإجراء لهو مفخرة لكل مصري ولكل عربي".

ما بعد التنحي

في اليوم اللاحق لتنحي مبارك، 12 فبراير، استمرت اتصالات المصريين بالخارج المتأثرين بنجاح الثورة، حتي أن أم أحمد ، المصرية المقيمة بالسعودية، بكت أثناء تهنئتها قائلة: "أقول ربنا ينصرهم ويثبت أقدامهم، مصر شبابها وأولادها ورجالها وأبطالها، مصر هي أم الدنيا! مصر أرض الكنانة". كما عبر رمضان الجيار، مواطن مصري مقيم بالسعودية عن رغبته في تقبيل أرض مصر فور وصوله إليها.

 

وقام موقع Alive in Egypt بترجمة نص رسالة صوتية واحدة في يوم 13 فبراير، لمواطن مصري اسمه وجيه، دعا إلى عدم سب أو لعن "الرئيس مبارك"، قائلا: "إنه عصر وقد انتهى، وعلينا ننظر إلى الأمام الآن".

أما آخر تسجيل نشرته مدونة Alive in Egypt ، نقلاً عن ما تلقته خدمة Speak 2 tweet من مصر، كان من مواطن مصري لم يفصح عن اسمه اتصل يوم 5 مارس 2011. تحدث ليطالب المجلس العسكري بالتحرك الفوري ضد أية محاولات لإحراق السجلات والأوراق التي تثبت تورط عناصر من الحزب الوطني الحاكم ومسؤولي الدولة خلال عهد مبارك في وقائع فساد. مطالبًا بالتعامل "الحازم" مع ضباط الشرطة الفاسدين والمسؤولين الذين يحاولون "التغطية على أفعالهم التي ارتكبوها" من خلال حرق وفرم ومحو السجلات. واختتم مكالمته بعبارة قال فيها: " هذا الجهاز، جهاز الشرطة، أكثر فسادًا من أن يكون قادرًا على تقديم الأمن للمواطنين.