صورة أرشيفية
محاكمة صحفيين فيما عُرف بقضية خلية فيرمونت

السفير المصري بواشنطن يرد على "السجّان الذي يحكم مصر"

منشور الخميس 21 يونيو 2018

 

نشرت صحيفة واشنطن بوست قبل أيام مقالًا قصيرًا لياسر رضا، السفير المصري في واشنطن، بعنوان "البوست تسيء تمثيل مصر" يرد فيه على افتتاحية الصحيفة المنشورة في 2 يونيو الجاري بعنوان "السجان الذي يحكم مصر". والتي اتهمت فيها الصحيفة الرئيس عبد الفتاح السيسي بالمسؤولية عن "هجمة اعتقالات" ضد النشطاء الليبراليين ممن يعارضون سياساته، تحت غطاء محاربة الإرهاب. 

ورفض السفير في رده أن تكون حملات القبض التي شهدتها مصر مؤخرًا "اعتقلات غير قانونية"، محذرًا بأن تحركات الحكومة التي تستهدف "إعادة تأسيس النظام" ستكون عواقب فشلها أسوأ كثيرًا مما شهدته دول أخرى بالمنطقة.

وتترجم المنصة في هذا التقرير الافتتاحية ورد السفير المصري عليها.

السجَّان الذي يحكم مصر 

بعدما كافأ رجل مصر القوي عبد الفتاح السيسي نفسه بفترة حكم جديدة، عقب انتخابات رئاسية جرى التلاعب بها على نحو فج في مارس الماضي، كان هناك بعض الأمل في التخفيف من قبضة القمع التي تعد هي الأسوأ في تاريخ مصر المعاصر.

كانت هناك إشارة بسيطة على إمكانية تحقُّق هذا الأمل، في مايو، وخلال قرار عفو عن السجناء، جرى الإفراج عن أحمد عطيوي، واحد من مواطنين أمريكيين اثنين سُجنا ظُلمًا في مصر، وكان نائب رئيس الأمريكي مايك بنس قد طالب بإطلاق سراحهما. هذه البادرة الطيبة جارت عليها موجة جديدة من الاعتقالات اكتسحت في طريقها العديد من المدونين والنشطاء المستقلين الباقيين في هذا البلد. بدلا من بعض الليبرالية المنتظرة، أطلق السيسي حملة قمع جديدة.

القائمة الأحدث للضحايا تضم واحدًا من أشهر المدونين المصريين، وائل عباس، الذي ظل لأكثر من عشر سنوات يلفت الانتباه لانتهاكات الشرطة والتجاوزات الأخرى التي تمارسها السلطات والتي تخالف حقوق الإنسان الأساسية. اختطف عباس من منزله بلا مذكرة اعتقال أو إذن قضائي في هجمة جرت قبل قليل من فجر يوم الثالث والعشرين من مايو الماضي. تضم القائمة أيضًا شادي الغزالي حرب وهو طبيب وناشط من أجل الحريات. جرى اعتقاله في 15 مايو، بعد تسعة أيام من احتجاز شادي أبو زيد وهو كوميديان ومدون فيديو.

في التاسع من مايو، تم القبض على أمل فتحي، ممثلة سابقة متزوجة من ناشط حقوقي. اعتقلت أمل لأنها نشرت فيديو على فيسبوك تحتج فيها على تعرضها للتحرش الجنسي ذلك اليوم. بعد يومين اثنين من نشر الفيديو؛ قُبض عليها من بيتها ليلاً. *

وائل عباس وعدد آخر من المحتجزين واجهو اتهامات بمساعدة جماعة إرهابية مع علمهم بأغراضها، ونشر أخبار كاذبة وذلك تحت مظلة قضية كبيرة يجهزها الآن المدعي العام المصري. المتهمين الآخرين في القضية منهم طالب دكتوراة في جامعة واشنطن، كان يعد بحثًا حول دور القانون في مصر، وثلاثة صحفيين ورئيس منظمة لحقوق الإنسان.

الحكومة المدعومة من الجيش تدَّعي أنها تحارب متشددين تابعين لتنظيم الدولة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين. لكن معظم من ألقي القبض عليهم مؤخرًا هم علمانيون معروفون بليبراليتهم ممن ساندوا التحرك الشعبي في 2011 للمطالبة بالديمقراطية.

أما في الحرب الحقيقية ضد المتشددين في شبه جزيرة سيناء فإن النظام يفشل رغم استخدامه للقوة الوحشية. إسماعيل الإسكندراني الباحث السابق في مركز ويلسو، والذي طرح عن وعي ومعرفة، أن القمع الذي تمارسه السلطات ضد البدو المحليين في سيناء ستكون له عواقب عكسية، جرى القبض عليه عندما حاول زيارة أسرته في 2015. وبعد احتجازه لعامين ونصف العام بلا محاكمة، تم الحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات في 22 مايو.

لكن السيسي ينطلق من موقف ضعيف. فالتأييد لنظامه يتراجع بانتظام، والمعارضة صارت تنمو حتى في صفوف المؤسسة العسكرية. هشام جنينة الذي ترأس سابقًا المؤسسة الرسمية المسؤولة عن مكافحة الفساد، حُكم عليه بالسجن لخمس سنوات في 24 أبريل الماضي، بعد تصريحاته خلال مقابلة صحفية قال فيها أن قائدًا سابقًا للمؤسسة العسكرية لديه وثائق تدين كبار القيادات بالدولة. هذا القائد السابق هو سامي عنان رئيس الأركان الذي قُبض عليه في يناير بعدما حاول أن يترشح للرئاسة منافسًا للسيسي.

ويُحسب لنائب الرئيس الأمريكي مايك بنس أنه اتصل بالسيسي في 24 مايو ليعرب عن قلقه إزاء حملة الاعتقالات، في الوقت الذي شكره فيه على إطلاق سراح عطيوي (المواطن الأمريكي). ولكن هناك شك في أن هذه المكالمة كان لها أي تأثير، السيد سيسي يعي جيدًا أن الرئيس ترامب لا يهتم بحقوق الإنسان. لكن هذا لا يعني أن حملته القمعية بلا ثمن؛ فتاريخ مصر يَعِدَه بأنه يُراكم أزمة، ستصل لنقطة الانفجار الحرجة في لحظة ما.

البوست تسيء تمثيل مصر

وفقًا للدستور المصري الصادرفي 2014، فحرية الرأي والتعبير مكفولة. ولكن، وكما في الولايات المتحدة، قوانيننا أيضًا تحمي من التحريض

في افتتاحيتها المنشورة في الثاني من يونيو الجاري بعنوان "السجان الذي يحكم مصر" قدمت الصحيفة صورة خاطئة عن النظام القانوني والقضائي المصري. تغاضت فيه عن الجهود المبذولة من الرئيس عبد الفتاح السيسي وباقي أعضاء الحكومة المصرية لتأسيس دولة تُدار بحكم القانون، وتوفر الأمن الذي يطالبها به مواطنوها في مواجهة التهديدات المتشددة، بعد فترة صعبة من انعدام الاستقرار والصعوبات.

تزعم الافتتاحية أن عمليات الاستيقاف القانونية التي تجري الآن في مصر هي جزء من "هجمة" اعتقالات غير قانونية، وهذا الادعاء شديد البُعد عن الحقيقة. وفقًا للدستور المصري الصادرفي 2014، فحرية الرأي والتعبير مكفولة. ولكن، وكما في الولايات المتحدة، قوانيننا أيضًا تحمي من التحريض والأخطار الأخرى. القانون المصري أعمى إزاء من تُطبَق عليه هذه القوانين (لا يميز بين المتهمين). وأيضًا، كما في الولايات المتحدة فإن نظامنا القضائي يقدم للمتهمين فرصة كاملة وعادلة في الدفاع عن أنفسهم. وأخيرًا، وكما في الولايات المتحدة، يُعد تصرفًا غير مسؤول من المراقبين أن يتجاهلوا التفاصيل المتعلقة بكل قضية على حدة، وأن يستبقوا اكتمال المحاكمات أمام القضاء دون انتظار ما تتوصل إليه المحكمة بالإدانة أو التبرئة.

لا توجد ديمقراطية، حديثة كانت أو عريقة، بإمكانها أن تعمل بكفاءة دون حكم القانون. حكومتنا تعيد تأسيس كل من الحقوق والنظام، بالشكل الذي يخدم مصالح مواطنينا في منطقة غارقة إلى حد كبير في الاضطرابات. البديل أمامنا هو الفوضى والانفلات اللذان ابتلعا مساحات واسعة من الشرق الأوسط، لكن في حالتنا هذه ستكون العواقب أسوأ.


أيدت محكمة جنايات القاهرة في 21 يونيو 2018 إخلاء سبيل أمل فتحي نظير كفالة قدرها عشرة آلاف جنيه، بعد أكثر من شهر قيد الحبس الاحتياطي.