دورة حياة التراث اليهودي: من معبد ومدرسة إلى معتقل وشركة

منشور الثلاثاء 3 يوليو 2018

 

في أحد الشوارع الجانبية الصغيرة بمصر الجديدة، توجد بقايا جزء آخر من التراث اليهودي المندثر في مصر، وهو المعبد اليهودي المعروف باسم فيتالي مادجار والذي يعود تاريخ تأسيسه للعام 1928، ويقع في 3 شارع المسلة.

 

واجهة المعبد من الخارج - تصوير ميشيل حنا

المعبد مبني على شكل مستطيل بطول نحو 40 مترا، وعرض نحو 20 مترا، وبه من الداخل صفين من الأعمدة الضخمة، وله سقف مقبّى.

وفي عام 1953 حضر الرئيس محمد نجيب عيد البوريم مع اليهود المصريين في هذا المعبد.

 

المعبد من الداخل - تصوير ميشيل حنا

المعبد مهجور منذ خمسينيات القرن الماضي، ورغم روعة المبنى معماريا وقيمته الكبيرة كمبنى تراثي، إلا أن وزارة الآثار المصرية رفضت تسجيله كأثر، حيث تم تشكيل لجنة في 2009 انتهت إلى أن المبنى لا يستحق تسجيله ضمن الآثار المصرية، وعلى هذا فالمبنى مهدد يواجه خطر الهدم إذا قررت الجالية اليهودية بيعه، وهناك اتجاه بالفعل لدى الجالية اليهودية لبيع بعض ممتلكاتها، مثلما باعت المبنى الملحق بالمعبد فعليًا. 

 

القبة من الداخل - تصوير ميشيل حنا

كان المبنى في الأصل مدرسة لأبناء اليهود المصريين، باسم مدرسة أبراهام باطش، وكانت الدراسة فيها باللغة الفرنسية. تأسست المدرسة عام 1923، ووصل عدد تلاميذها إلى 600 تلميذ بقسميها الابتدائي والثانوي، وكان يدرس بها طلاب من جنسيات متعددة؛ مصريون وفرنسيون وإيطاليون ويونانيون وأتراك وإنجليز وإسبان.

 

المعبد من الداخل - تصوير ميشيل حنا

أما أبراهام باطش فهو ثري يهودي كان أكبر المتبرعين لبناء المدرسة، ولأنه لم ينجب، فقد أطلق اسمه على المدرسة ليبقى حيًا عبر الأجيال، ولكن ما حدث أن المدرسة اندثرت واندثر اسمه معها. 

 

مدخل المدرسة - تصوير ميشيل حنا

 

صورة ملتقطة من داخل المدرسة في 25 مايو  1935 - الصورة من موقع فليكر

 

تلاميذ مدرسة أبراهام البطش عام 1941

كان أبراهام باطش يسكن في 9 شارع حوض اللبن بجاردن سيتي، ويبدو أنه انتقل إلى هليوبوليس في وقت لاحق.

الصورة التالية هي للوحة التذكارية التي تخلد أسماء المتبرعين لبناء المعبد، ونرى اسم أبراهام باطش في السطر الأخير إلى اليسار، وأمامه المبلغ الذي تبرع به وهو واحد وثلاثون جنيها.

 

لوحة المتبرعين داخل المعبد. تصوير: ميشيل حنا.

في ديسمبر/ كانون الأول 1956، وبعد اندلاع حرب السويس حول جمال عبد الناصر المدرسة، مع عدة أماكن أخرى، إلى معتقل لليهود، وكان معظم المعتقلين من النساء وكبار السن. فيما بعد تم ترحيل معظم اليهود المصريين بعد مصادرة ممتلكاتهم، وصار المبنى مهجورا.

يذكر كتاب المعابد اليهودية ودورها في حياة اليهود في مصر لصاحبه النبوي سراج الدين، أن المبنى استخدم كملجأ للمسنين من اليهود. هذه معلومة شائعة عن المبنى إلا أنه لا يوجد لها ما يدعمها.

 

صورة قديمة للمدرسة

 

المدرسة قبل التعديلات في 2012 - تصوير ميشيل حنا

 

المدرسة بعد التعديلات في 2016 - تصوير ميشيل حنا

كان الإغلاق النهائي للمدرسة عام 1957.

منذ سنوات قليلة باعت رئيسة الجالية اليهودية السابقة كارمن واينشتاين مبنى المدرسة إلى أحد رجال الأعمال، وكانت محافظة القاهرة قد وافقت للجالية في 2009 على تقسيم قطعة الأرض المقام عليها المعبد والمدرسة تمهيدا لبيع مبنى المدرسة.

بعد أن تسلم رجل الأعمال المبنى قام بتقديم تظلم إلى جهاز التنسيق الحضاري لرفعه من مجلد التراث تمهيدا لهدمه وبناء برج سكني مكانه، إلا أن اللجنة رفضت الطلب في 2015.

قام المالك على إثر ذلك بتحويل المبنى إلى مقر شركة، وقام بإجراء تغييرات به وطلائه باللون الأبيض بشكل طمس منظره الأصلي وحوائطه المكسية بالطوب، بل وأزال لافتة الشارع الأصلية التي كانت موجودة على السور.

 

اللافتة القديمة للشارع، قبل أن تزيلها الشركة في التجديدات - تصوير ميشيل حنا

مبنى كهذا كان من الممكن أن يتحول إلى متحف للتراث اليهودي في مصر، ولكن ما حدث أنه تحول إلى مقر شركة، سألت أحد موظفيها الذين يقفون على الباب عما إذا كانت هناك أية رموز يهودية متبقية داخل المبنى، فلم يبد عليه أي معرفة بتاريخ المكان. نظر لي باستنكار شديد "لا لا لا.. ما فيش حاجة من الكلام ده. صاحب الشركة مسلم، وكلنا مسلمين والحمد لله".

هناك مشروع حاليا لتحويل المعبد نفسه إلى مركز ثقافي، لكن الأمر مرهون بموافقة الجهات الأمنية، والتي تتردد دائما في منح موافقتها على مشروعات كهذه، بحجة أنها تستفز المشاعر الدينية للمصريين. 


شاهد أيضًا هذه القصة المصورة عن: كشك الخديوي.. آخر ما تبقى من المحمل المصري