يوميات صحفية برلمانية| قانون الإعلام الجديد: التأسيس بالإخطار والقيود بعد الإصدار

منشور الأحد 10 يونيو 2018

 

بعد مرور سنة على بدء مناقشة لجنة الثقافة والإعلام والآثار في مجلس النواب، مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام المقدم من الحكومة؛ بدأ البرلمان اليوم الأحد في جلسته العامة نظر ثلاثة مشروعات بقوانين للصحافة والإعلام بعد تقسيم المشروع المقدم من الحكومة لمشروعات منفصلة".

وخلال 39 اجتماعًا عقدتهم اللجنة، ومُنِع الصحفيين من تغطية معظمها بقرار رئيس اللجنة المستند إلى اللائحة الداخلية للبرلمان والتي تمنحه هذا الحق، اعلنت اللجنة تقسيم مشروع القانون الموحد لثلاثة قوانين منفصلة. الأول لتنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والثاني مشروع قانون الهيئة الوطنية للصحافة، والثالث مشروع قانون الهيئة الوطنية للإعلام.

ووافق البرلمان من حيث المبدأ على المشروعات الثلاثة، بينما وافق على قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى للإعلام في مجموعه بعد مناقشة كل مواده تفصيلًا، على أن يستكمل المجلس غدا مناقشة المشروعين الأخرين.

وقرر رئيس مجلس النواب علي عبد العال إحالة مشروع تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بعد الموافقة عليه في مجموعه، إلى مجلس الدولة، وأوضح أنه على الرغم من أن مشروع القانون مقدم من الحكومة وبالطبع راجعه مجلس الدولة من قبل، إلا أن الأحوط إرساله للمجلس مرة أخرى، خاصة وأن مجلس الدولة عندما راجعه كان مشروع قانون واحد قبل فصله إلى ثلاثة مشروعات، في الوقت نفسه أكد أن الأحكام التي تضمنها القانون هي نفسها التي سبق ونظرها مجلس الدولة من قبل.

وتنص اللائحة الداخلية لمجلس النواب على إرسال مشروعات القوانين التي ينتهي منها إلى مجلس الدولة، لنظرها وإرسال توصياته بشانها لتفادي أي شبهات بعدم الدستورية.

كواليس المناقشات

في الوقت الذي وافق فيه المجلس على مشروع القانون خلال الجلسة، اعترضت قلة من النواب، كان من بينهم النائب طلعت خليل الذي اعتبر أن مشروع القانون يضع قيودًا على حرية التعبير، أما النائب أحمد الطنطاوي فعلق موافقته على مشروع القانون مشيرا إلى أن المشروع ملحق في جدول الأعمال منذ فجر اليوم ولم يتمكن من الاطلاع عليه، الموقف نفسه اتخذه النائب ضياء الدين داوود، وعلق عبد العال قائلا "لا يوجد تعليق للموافقة في اللائحة، إما الموافقة أو الرفض".

أما عضو لجنة الإعلام التي ناقشت مشروع القانون النائب أسامة شرشر فطالب بإعادة مشروع القانون للجنة وعقد جلسات اسمتماع للصحفيين وأساتذة الإعلام، ورفض مشروع القانون، وهو ما رد عليه أسامة هيكل مستندا إلى إرسال نقابة الصحفيين رأيها، والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام اقتراحاتهم.

عبد العال من جهته حاول طمأنة النواب والرأي العام "الذي قد يتأثر  بحديث المعارضينط وقال "أتعرض لضغوط يومية من قبل الجماعة الصحفية لإصدار هذا القانون"، وشدد على احترامه لحرية الصحافة، وأكد مراجعته لإحدى المواد قبل الجلسة العامة –يشير للمادة 19- والتأكد من تطابقها مع المواثيق الدولية.

المدونات والصفحات الشخصية

لا يمكن النظر لمشروع القانون بمعزل عن السياق السياسي والإعلامي الذي يشير بوضوح إلى أن العمل الإعلامي والصحفي يتعرض لمزيد من الانكماش وتتضاءل فيه مساحات حرية الرأي والتعبير سواء في الأمور السياسية أو الاقتصادية وأيضا الاجتماعية والفنية، فتدخلات المجلس الأعلى للإعلام الذي يرأسه الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد بدت واضحة قبل صدور القانون التفصيلي المنظم الصحافة والإعلام، والفلسفة الحاكمة للقانون ليست جديدة على الصحفيين والإعلاميين المحاصرين في أداء عملهم بقرارات مكرم أو بالسياق السياسي الذي يفرض قيوده عليهم، وأعتقد أن القانون هو مجرد إقرار واقع.

السياق هذا تفهمه من المادة 19 من مشروع القانون التي تعد من أهم واخطر مواده والتي تُدخِل المدونات والصفحات الشخصية تحت طائلة هذا القانون إذ نصت على "يحظر على الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية أو الموقع الإلكتروني، نشر أو بث أخبارً كاذبة أو ما يدعو  أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين  أو يدعو إلى العنصرية أو التعصب أو يتضمن  طعنًا في أعراض الأفراد أو سبًا أو قذفًا لهم أو امتهانًا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية". 

كما أكدت أن "يلتزم بأحكام هذه المادة كل موقع إلكترونى شخصي أو مدونة إلكترونية شخصية أو حساب إلكترونى شخصي يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف متابع أو أكثر". 

وأضافت "مع عدم الإخلال بالمسؤولية القانونية المترتبة على مخالفة أحكام هذه المادة يجب على المجلس الأعلى اتخاذ الإجراء المناسب حيال المخالفة وله في سبيل ذلك، وقف أو حجب الموقع أو المدونة أو الحساب المشار إليه بقرار منه".

ورغم خطورة هذه المادة إلا أن النواب لم يعترضوا على وجودها، وتحدث نائب واحد فقط طالب بحذف رقم الـ5000 وهو ما دافع عنه عبد العال، وقال إننا توسعنا في هذا وبعض الدول تنص على 3000، ثم أسهب في الدفاع عن المادة رغم عدم مهاجمتها، وأكد تطابقها مع المادة 19 والمادة 20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

التأسيس بالإخطار .. ولكن

رغم أن نصوص دستور 2014 تضع حدا فاصلا بين رغبات السلطة والنواب الذين يعتبرون أن الحريات تؤدي إلى فوضى وأن الساحة الإعلامية تحتاج لمزيد من الضبط من جانب؛ وحريات الصحفيين والإعلاميين وضمانات ممارستهم لمهنتهم من جانب آخر، استطاع المشرع فرض القيود والجزاءات المالية والعقوبات، ولكن في مرحلة ما بعد تأسيس الوسيلة الإعلامية، لأن الدستور يجعل إصدار الصحف بمجرد الإخطار. 

وهكذا لم يستطع المشرّع تجاوز المادة 70 من الدستور التي تنص على أن "حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والإلكتروني مكفولة، وللمصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية، عامة أو خاصة، حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ووسائط الإعلام الرقمي. وتصدر الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذى ينظمه القانون. وينظم القانون إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعي والمرئي والصحف الإلكترونية".

رئيس لجنة الثقافة والإعلام، النائب أسامة هيكل أوضح خلال لقاءه بمحرري البرلمان الخميس الماضي، إن اللجنة لم تستطع تجاوز النص الدستوري الذي ينص على أن إنشاء الصحف وغيرها من وسائل الإعلام بالإخطار، وقال"هذا النص أخرجناه بما يتماشى مع الدستور، لكن في حالة عدم رضا من اللجنة، ولهذا حاولنا وضع ضوابط مالية، وإيداع مبلغ لمدة سنة على الأقل لضمان حقوق العاملين"، مشيرا إلى المادة المتعلقة بتراخيص الصحف والقنوات والمواقع الإلكترونية الخاصة والتي ربطها مشروع القانون بوضع مبالغ مالية.

وكفل مشروع في المادة 32 "للمصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية، عامة أو خاصة، الحق في تملك الصحف أو المواقع الإلكترونية الصحفية أو المشاركة في ملكيتها وفقا لأحكام القانون".

أما المادة 34 فاشترطت إيداع مبلغ 6 ملايين جنيه لتأسيس الصحف اليومية، ومليوني جنيه في حالة الصحيفة الأسبوعية، ومليون جنيه إذا كانت شهرية، أو إقليمية يومية، وأربعمائة ألف جنيه إذا كانت إقليمية أسبوعية.

وفي حالة الصحف الإلكترونية نصت المادة 34 على رأسمال لا يقل عن مائة ألف جنيه، على أن يودع نصف هذه المبالغ في أحد البنوك المرخص لها بالعمل في مصر قبل بدء إجراءات تأسيس الصحيفة ولمدة سنة، للإنفاق على أعمالها ولسداد حقوق العاملين فيها، في حال توقفها عن الصدور .

واشترطت المادة ذاتها على أن "تطبع الصحف في مطابع داخل مصر، على أن توجد نسخة من الخوادم الإلكترونية التي تستضيف النسخة الإلكترونية داخل جمهورية مصر العربية، وذلك على النحو الذي تبينه اللائحة التنفيذية".

وتمنع المادة 35 "الفرد أو الأسرة أو الشخص الاعتباري" من الجمع بين ملكية صحيفة يومية والمساهمة في صحيفة يومية أخرى، ويسري هذا الحكم على الصحف الإلكترونية.

بينما رفع مجلس النواب قيمة المبالغ المشترط إيداعها لتأسيس الصحف الخاصة والحزبية والمواقع الإلكترونية الصادرة عنها، لتصل إلى مليون جنيه حد أدنى بعدما كانت 300 ألف جنيه، بعد اعتراض رئيس المجلس علي عبد العال، وهو الرأي الذي وافقته عليه النائبة نشوى الديب الصحفية المنتمية للحزب العربي الناصري وانتهى الأمر إلى رفع قيمة المبلغ ليصل إلى مليون جنيه حد أدنى، ولا يقل عن مليون ونصف حسب دورية الصدور وتقديرات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.

أما القنوات الفضائية الخاصة فاشترطت المادة 52 عدم جواز تملك شركة أكثر من سبع قنوات تليفزيونية، ولا يجوز أن تشتمل على أكثر من قناة عامة وأخرى إخبارية، فيما اشترطت المادة 53 رأس مال لا يقل عن خمسين مليون جنيه للقناة التليفزيونية الإخبارية أو العامة، وثلاثين مليون جنيه للقناة المتخصصة، و15 مليون للمحطة الإذاعية، أما المحطة أو القناة التليفزيونية الرقمية على الموقع الإلكتروني فاشرطت المادة رأس مال اثنان ونصف مليون جنيه، ويودع نصف المبلغ في أحد البنوك العاملة في مصر، قبل بدء البث، ولمدة سنة على الأقل.

ولكن المشروع أتاح الاستثناء في نص المادة ذاتها "يجوز للمجلس الأعلى ولاعتبارات يقتضيها الصالح العام وبقرار مسبب الترخيص بالبث للشركات التي يقل رأسمالها عن القيم المشار إليها".

ورفض مجلس النواب اليوم زيادة قيمة المبالغ المطلوبة لترخيص القنوات وزيادتها عن 50 مليون جنيه التي اعتبرها عبد العال أيضا قليلة جدا، وهو الأمر الذي أثار ضحك النائب أسامة هيكل رئيس لجنة الإعلام، ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي حاليا، وتمسك بتثبيت هذه القيمة وعدم زيادتها مؤكدا حاجة مصر للاستثمار في هذا المجال.

سلطات المجلس الأعلى للإعلام

حددت المادة 68 من مشروع القانون 11 اختصاصًا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام جميعها يتعلق بحماية حق الوصول للمعلومات، 

واستقلال المؤسسات الصحفية والإعلامية، مع ضمان الالتزام "بمعايير وأصول المهنة وأخلاقياتها، ومقتضيات الأمن القومي".

أما المادة 69 فوضعت 24 بندًا يعمل عليهم المجلس، بدءًا من إبداء الرأي في مشروعات القوانين، وتلقي إخطارات إنشاء الصحف والقنوات والمواقع، كما "يضع المجلس الضوابط والمعايير التي تضمن التزام وسائل الإعلام والصحف بأصول المهنة وأخلاقياتها، ووضع ضوابط ومعايير التي تضمن حماية حقوق الجمهور، وضمان جودة الخدمة المقدمة له، واعتماد قواعد الاستعانة بخبرات أجنبية".

 وبخلاف دوره في تلقي الشكاوى التي يقيمها أشخاص أو جهات ضد وسائل الإعلام، فالمجلس له دور في "وضع وتطبيق نظام مراقبة مصادر التمويل في الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية"، ويحق للمجلس "إبلاغ النيابة العامة وغيرها من الجهات المعنية في حالة وقوع جرائم أو مخالفات تتعلق بالتمويل أو غسيل الأموال.

ووضعت المواد 93 و94 و95 اختصاصات للمجلس الأعلى للإعلام لمحاسبة "المخالفين"، وتركت المادة 93 المجال مفتوحا للمجلس بكتابة نصوص عقابية على المخالفين في لائحة الجزاءات والتدابير الإدارية والمالية، التي يجوز توقيعها على المؤسسات الصحفية والإعلامية الخاصة أو اعلامة في حال مخالفة أحكام القانون، وتركت أيضا المادة للمجلس النص في اللائحة على إجراءات التظلم من الجزاءات التي يصدر قرارات بشأنها.

وأتاح المشرع للمجلس إلزام الوسيلة بإزالة أسباب المخالفة خلال مدة محددة أو إزالتها على نفقتها، وتوقيع الجزاءات المالية المنصوص عليها في التراخيص في حالة عدم الالتزام بشروط الترخيص، ومنع نشر المادة الصحفية والإعلامية لفترة محددة أو بصفة دائمة.

ونصت المادة 95 على أن "مع عدم الإخلال باختصاص النيابة العامة، للمجلس الأعلى من تلقاء نفسه أو بناء على شكوى تقدم إليه، أن يقيم الدعاوى القضائية عن أي مخالفة لأحكام هذا القانون، أو إذا رصدت لجنة تقويم المحتوى انتهاكا من أية مؤسسة صحفية أو إعلامية للقواعد والمعايير المهنية والاعراف المكتوبة".