المكتب الصحفي للإدارة الأمريكية
الرئيس السادات مع الوفد الإسرائيلي في كامب ديفيد

وثائق الخارجية الأمريكية| الحالة الذهنية للوفد المصري: السادات متعجل على التنازلات.. و "الخارجية" خائفة​

منشور الأحد 10 يونيو 2018

كتب إيلتس مذكرةً تضمنت محادثة بينه وبين نائب رئيس الوزراء حسن التهامي، ذكر فيها الأخير استعداد السادات للتفاوض حول الضفة الغربية وغزة حتى لو رفض حسين أو الفلسطينيين فعل ذلك

في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1977 هبطت طائرة الرئيس المصري أنور السادات في مطار بن جوريون في القدس. زيارة مفاجئة ونقطة فاصلة، أنهت سنوات طويلة من الحرب بين البلدين، وأسست لتفاهمات كامب ديفيد في 1978، ثم معاهدة سلام "بارد" وطويل وقعت عام 1979، ولكنها في الوقت نفسه كانت أحد أسباب اغتيال السادات بعد أربع سنوات.

تفاصيل الزيارة معروفة وبنود معاهدة السلام موثقة ومعلنة، وكذا ملاحقها، ولكن دائمًا يبقى هناك ما هو خلف الكواليس، وهو ما تكشفه لنا مجموعة الوثائق التي أفرجت عنها وزارة الخارجية الأمريكية مطلع هذا الشهر، والمتعلقة بكواليس عملية السلام بين مصر وإسرائيل، تستعرضها المنصة معكم في سلسلة من الحلقات. 

تستعرض الحلقة الثانية مذكرة للسفير الأمريكي في القاهرة هيرمان إيلتس الذي كان حاضرًا للمفاوضات.


محاولة فك ألغاز الوفد المصري

 

في السابع عشر من سبتمبر عام 1978 وقع الرئيس المصري، أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحم بيجين، في البيت الأبيض بحضور الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، على اتفاقيتين تحملان المبادئ العامة التي يمكن الاستناد إليها للتوصل إلى سلامٍ دائم في الشرق الأوسط.

الاتفاقية الأولى حملت اسم "إطار التوصل إلى سلام في الشرق الأوسط". بينما حملت الاتفاقية الثانية اسم "إطار التوصل إلى معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل". نُسِبَت الاتفاقات إلى كامب ديفيد، المنتجع الرئاسي الذي شهد مفاوضات سرية بين مصر وإسرائيل، حول عملية السلام بين الأخيرة وجيرانها العرب.

جرت المفاوضات في غياب منظمة التحرير الفلسطينية أو الدول العربية المجاورة لإسرائيل، وأسفرت رغم ذلك عن اتفاقية إطارية لإحلال السلام في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

حضر السفير الأمريكي لدى مصر هيرمان إيلتس في كامب ديفيد. وفي ظهر السابع من سبتمبر عام 1978، أعد مذكرةً شرح فيها ما جرى بينه وبين السادات ثم ما جرى بينه وبين أعضاء في الوفد المصري وعنونها بـ: "الحالة الذهنية للوفد المصري صباح 7 سبتمبر 1978".


خلاف بين الرئيس ووزير خارجيته

 

تشير المذكرة إلى الخلافات التي اندلعت داخل الوفد المصري بين الرئيس السادات ووزير خارجيته محمد إبراهيم كامل، فالسادات بدا متعجلاً للتوصل إلى اتفاقية سلام تشمل مصر والمنطقة، لكن إبراهيم خشيَّ أن يُقْدم السادات على تنازلات لن يقبل بها العرب.

لكن أخطر ما يمكن استنتاجه من مذكرة السفير إيلتس هو أن الولايات المتحدة ومعها إسرائيل كانتا على علمٍ بما يجري داخل الوفد المصري من نوايا وخلافات وتنازلات، قبل أن يجلس السادات على الطاولة.

يقول إيلتس في بداية المذكرة إنه رافق السادات صباحاً خلال انتقاله من مقر إقامته إلى مقر إقامة الرئيس الأمريكي داخل منتجع كامب دافيد، وإن السادات قال له "إنه مرتاح للغاية لسير الأمور حتى الآن، وإن اجتماعاته مع الرئيس كارتر ثم مع كارتر ورئيس الوزراء بيجن في اليوم السابق كانت مفيدة للغاية".

وفي اليوم الثالث من المفاوضات أعرب السادات للسفير الأمريكي عن "ثقته من أن شيئاً إيجابياً سوف ينتج عن محادثات كامب ديفيد"، وقد أكد ذلك رئيس ديوان الرئاسة المصرية حسن كامل، والذي أخبر السفير إيلتس أن السادات تحدث مع أعضاء وفده عن "سعادته ورضائه بمحادثات الأمس".

لاحقًا، أخبر مدير مكتب وزير الخارجية وقتها، أحمد ماهر، والذي شغل منصب وزير الخارجية بين 2001 و2004، السفير إيلتس أن "السادات أشار إلى إخباره الرئيس كارتر ورئيس الوزراء بيجن عن استعداده للتفاوض حول الضفة الغربية في حال رفض الملك حسين المشاركة" في المفاوضات.


ورطة السادات

 

"على عكس السادات، فإن وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل قلقٌ ومتوتر، وهو ما بدا عليه وزير الدولة للشؤون الخارجية بطرس غالي لكن بدرجة أقل. كامل مشغول بما قاله السادات لبيجن حول استعداده للتفاوض حول الضفة الغربية في حال لم يرغب حسين بالمشاركة، كما أنه مشغولٌ بأن السادات خلال الاجتماع الثلاثي اليوم قد يقدم تنازلات أكبر من قدرته على الوفاء بها. ويرجع كامل توتره إلى أن الرئيس كارتر سوف يضغط على السادات للموافقة على تنازلات يرجح إنها ستؤدي إلى نزع مصداقية السادات ومصر في أعين السعوديين، الفلسطينيين، وبقية العرب".

اقترحت على كامل أنه محتاجٌ إلى أن يثق أكثر في أن السادات سيعرف حدوده السياسية، لكني شددت على أهمية أن يظهر السادات مرونةً قصوى خلال تلك المرحلة الدقيقة".

مدهشةٌ هي التفاصيل التي استطاع السفير إيلتس أن يحصل عليها بين ساعات الصباح وظهيرة يوم السابع من سبتمبر. فعقب لقائه بالرئيس السادات ووزير خارجيته محمد إبراهيم كامل ووزير الدولة للشؤون الخارجية بطرس غالي، طلب أحمد ماهر التحدث مع إيلتس وحاول منه معرفة ما إذا كان الإسرائيليون سيقدمون ورقة عمل خلال المفاوضات، وذلك بعد أن أشار ماهر إلى أن الورقة المصرية هي أقصى ما تستطيع القاهرة تقديمه.

ثم تساءل ماهر عن "ما إذا كان ضرورياً أن تخرج اجتماعات كامب دافيد بشئ؟" وذلك خوفاً من أن "يتم الضغط على السادات للموافقة على تنازلات حول الضفة الغربية والتي سيتم رفضها من قبل حسين، والفلسطينيين والسعوديين".

ومن الطريف أن السفير الأمريكي إيلتس رد على ماهر بالقول أنه "واثق من أن السادات مدركٌ تماماً ضرورة إرضاء السعوديين، الفلسطينيين، وحسين بأي شئ قد يوافق عليه في كامب دافيد. وذكّرتٌ ماهر أن هدفنا المشترك يظل محاولة جلب حسين إلى عملية التفاوض".


ماهر يكشف الأوراق كلها

 

ردد ماهر على مسامع إيلتس قلق الوزير كامل من إخبار السادات لبيجن عن استعداده للتفاوض حول الضفة الغربية إذا رفض حسين ذلك، وقال ماهر إن "وزير الخارجية كامل حذر السادات من أن الإسرائيليين في أي لحظة قد يقومون بتسريب تلك المعلومة ويتسببون في إحراج السادات ومصر.

وقد رد السادات بأنه إذا حدث ذلك من قبل الإسرائيليين، فإن سيقوم أيضاً بتسريب أشياء قالها بيجن له. وقد علق ماهر بأن الوفد المصري لا يرى أي نفعٍ في تبادل الاتهامات بشكلٍ علني (الشرشحة) لكن الأمر قد يتطور إلى ذلك لو سرب الإسرائيليون موقف السادات".

أشار ماهر إلى أن الوفد المصري أقل حماساً من السادات حول ما قد ينتج عن كامب ديفيد، وأن قلقهم الرئيسي هو "أن يقوم السادات بتقديم مزيداً من التنازلات التي لا يجب تقديمها أو لا يستطيع الوفاء بها".


مصر لا تحتاج تفويضًا

 

ويشير إيلتس إلى أن نائب رئيس الوزراء حسن التهامي هو الشخص الوحيد في الوفد المصري المتفائل بما يقوم به الرئيس السادات "على الرغم من أنه معزول داخل الوفد". فكتب إيلتس في اليوم السابق (6 سبتمبر 1978) مذكرةً تضمنت محادثة بينه وبين التهامي، ذكر فيها الأخير له استعداد السادات للتفاوض حول الضفة الغربية وغزة حتى لو رفض حسين أو الفلسطينيين فعل ذلك.

وكشفت البرقية أن إيلتس سأل التهامي حول قدرة مصر على فعل ذلك على الرغم من "التعليقات المستمرة من أعضاء الوفد المصري بأن مصر لا تملك تفويضاً للتفاوض حول الضفة الغربية وغزة، لكن التهامي قال إن مصر لا تحتاج تفويضاً لفعل ذلك، فهي الدولة العربية الأقوى، ولديها مسؤولية القيام بتلك المهمة في حال خشي بقية العرب من فعل ذلك".

ويبدو أن التهامي كان متفائلاً للغاية بطريقة السادات في التصدي لملفات ليست بحوزته وذلك بسبب وعد السادات له بأن يعينه "حاكماً على الضفة الغربية وغزة، وأن سلطته ستشمل القدس، وادعى أنه يعرف تيدي كوليك (عمدة القدس المعين من قبل الإسرائيليين) جيداً وأنه واثقٌ من إمكانية العمل معه".

ويختم السفير إيلتس مذكرة السادس من سبتمبر بالإشارة إلى أن "تصريحات التهامي تتناقض مع آراء محمد كامل (وزير الخارجية) وبطرس غالي حول تلك المسألة".


لغز تحول السادات

 

ليس من الواضح كيف تطور موقف السادات من "ضرورة العودة إلى العرب والتباحث معهم حول نتائج مباحثات كامب ديفيد"، وفق محضر اجتماع الوفد الأمريكي مع نظيره المصري صباح السادس من سبتمبر، إلى إعلن السادات في اليوم التالي استعداده للتفاوض حول الضفة الغربية وغزة في حال رفض الملك حسين أو الفلسطينيين القيام بذلك، وفق ما ذكره التهامي للسفير إيلتس مساء نفس اليوم، أو ما أشار إليه الوزير كامل إبراهيم وبطرس غالي وأحمد ماهر في اليوم التالي.


اقرأ أيضًا: الحلقة الأولى من وثائق الخارجية الأمريكية: كيف توقعت واشنطن اغتيال السادات قبل عامين من وقوعه