صورة برخصة المشاع الإبداعي
مضخة مياه لري محصول الأرز، مصر

هواجس "ساعة الصّفر": هل تدرك الحكومة تكلفة طريقتها في توفير المياه؟

منشور الثلاثاء 22 مايو 2018

 

عندما قرأ علي محمود الزهيري، المهندس المصري الذي يعمل في جدّة، عن الموافقة التي انتزعها النائب لطفي شحاتة من وزير الزراعة لأهالي مركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية، بالسماح لهم بزراعة 1500 فدّان حول المصارف الزراعية بالأرز، من أجل إطعام مواشيهم، استنتج الزهيري أمرًا؛ لن يذهب هذا الأرز إلى الماشية بل إلى الأسواق ليشتريه الناس ويأكلوه.

مساعي النائب جاءت تخفيفًا لمعاناة الفلاحين المتأثرين بقرار تقليل المساحات المزروعة بالأرز هذه السنة من مليون و100 ألف فدّان إلى 700 ألف فقط، في الوقت الذي صدرت فيه تعديلات قانون الزراعة لتغلّظ العقوبات على الفلاحين المخالفين للزمام المحددّة للمحاصيل الزراعية وصدّق عليها الرئيس عبد الفتّاح السيسي رسميًا يوم أمس الاثنين.

يقول الزهيري إن نتاج الـ1500 فدّان سيمرر إلى المناطق المسموح فيها بزراعة الأرز ليباع بشكل رسمي، وهو ما يضع المواطنين في خطر.

 

صورة من المنشور

 

عبّر الزهيري عن مخاوفه خلال نقاش على إحدى المجموعات الخاصة بمركز ديرب نجم على فيسبوك، كانت تحتفي بنجاح مجهودات النائب، شاركه المخاوف عشرات من المعلّقين، يقول الزهيري لـ المنصّة عبر فيسبوك "ديه كارثة. المسؤولون يتغافلون عنها لحل أزمة متعلّقة بالأمن القومي، وهي حصّة مصر من مياه النيل على حساب صحّتنا وصحة أهالينا".

 

تعليق الزهيري على القرار

 

رسميًا، تنفي الحكومة المصرية على لسان وزارة الرّي أية علاقة بين تقليل المساحات المسموحة لزراعة الأرز وتعثّر المفاوضات المتعلقة بسدّ النهضة، وتقول وزارة الزراعة إن الأمر متعلّق بترشيد استهلاك المياه ومواجهة مخاطر التغيّرات المناخية التي بدأت تظهر آثارها بالفعل مع اضطرار المزارعين لزراعة بعض المحاصيل مبكرًا عن موعدها. إلا أن الزهيري وأهل بلدته لا يستطيعون إلا الربط بين هو قادم من عطش من ناحية، والتشديد على المحصول الأعلى في مردوده الاقتصادي من بين كل المحاصيل الاستراتيجية في مصر من ناحية أخرى. 

الاحتباس الحراري

تأثر مصر بظاهرة الاحتباس الحراري هو أمر تتوقعه تقارير دولية ومحلية، ففي البلد الذي يساهم القطاع الزراعي بـ 14% من ناتجه القومي، توقّع الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في تقرير أصدره فبراير/ شباط 2017 انخفاض إنتاج ثلاث محاصيل استراتيجية هي الأرز والقمح والذرة، مع ارتفاع درجات الحرارة خلال السنوات العشر من 2014 وحتى العام 2025.

 

انفوجراف يوضح تأثر محصول الأرز بالتغيرات المناخية

 

أعلنت وزارة الزراعة إجراءات أخرى لمواجهة التغيّرات المناخية كتقليل مساحات الأرز وإدخال محاصيل جديدة كالكينوا والحديث عن إمكانية استبداله بالقمح، وإدخال محاصيل ذات قيمة تصديرية كاليقطين. وهي جميعها إجراءات لا تسير في مسارها الصحيح، بحسب المدير التنفيذي لمركز معلومات التغيرات المناخية التابع لوزارة الزراعة محمد فهيم.

في 16 إبريل/ نيسان الماضي، صرّح فهيم لموقع مصراوي بأن وزارتي الري والزراعة أخطأتا في تقليص مساحات زراعة الأرز في محافظات الدقهلية وكفر الشيخ ودمياط، ذلك أن المحافظات الثلاث هم الأكثر تأثرًا بالتغيرات المناخية وارتفاع منسوب مياه البحر، وهو ما يعني تملّح كل الأفدنة غير المزروعة بالأرز، موضّحًا للموقع أن الوزارتين لم تشركا المركز في خطتهما لتقليص تلك المساحات، رغم أن تأثر القطاع الزراعي بالتغيّرات المناخية هو صلب تخصص المركز.

ولكن هذا القرار لم يكن الأمر الوحيد الذي يعترض عليه فهيم.

ففي حديثه مع المنصّة عبر الهاتف، قال إن تقليص استهلاك الأنشطة الزراعية للمياه هدف قومي نبيل، لكن أي قرارات تخصّه يجب أن تنفّذ بعد دراسة متمعنة لآثارها الاقتصادية والاجتماعية، كما أن تقليص المساحات المزروعة بالمحاصيل الشرهة للمياه، كالأرز، ليس الحل الأول والوحيد فيما يتعلّق بالتغيرات المناخية "مش عشان أوفر ميّة، أهدد السلم الاجتماعي".

من واقع الدراسات المتاحة على شبكة الانترنت، فإن عددًا من الدراسات التي أعدّها خبراء مصريون ضمّنت بالفعل حل تقليل مساحات المحاصيل الشرهة للمياه كواحد من الحلول لمواجهة التغيّر المناخي، منها دراسة فريد أبو حديد وزير الزراعة الأسبق، عام 2009، حول تأثر قطاع الزراعة بالتغيرات المناخية في وقت رئاسته لمركز معلومات التغيرات المناخيّة، ودراسة سرحان أحمد عبد اللطيف، الأستاذ في مركز البحوث الزراعية ومحمود فوّاز وأستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة كفر الشيخ، والتي صدرت عام 2015.

على الرغم من أن الدراستين لم توضّحا كيف يتم هذا التقليل وبأي مدى في أية مناطق، وفي المقابل، فإن كثير من المحاصيل المستهدفة بالتقليل بالفعل سيقل إنتاجها بفعل التغيّرات المناخية، بحسب دراسات، آخرها دراسة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ودراسات لوزارة البيئة ومركز تغيّرات المناخ التابع لوزارة الزراعة.

لا يرفض فهيم اقتراح تقليل المساحات، لكنه في نفس الوقت يرى أن الأولوية يجب أن تكون لحلول أخرى "أولاً، يجب استنباط أصناف من نفس المحاصيل تستهلك كمية أقل من المياه، أو محاصيل تنضج في وقت أسرع، وهو ما يوفّر كميات كبيرة من المياه، ثانيًا، يجب أن يتم هذا الاستبدال بخطّة تنفيذية واضحة واستنباط أصناف ترضي أذواق المزارعين والمستهلكين على حد سواء".

 

الكينوا

 

يضيف فهيم أن اختيار تقليل المساحات المزروعة من هذه المحاصيل هو الحل الأسهل، لكن حتى هذا الاختيار يجب أن يتم بشكل مرحلي يراعي الفلاحين ويقدّم لهم البدائل "كان يحب أن يتم هذا التقليل على مدار خمس سنوات على الأقل، وخلال هذا الوقت، يجب أن يقدّم بدائل للمزارعين، فدّان الأرز يعود على الفلاح بأرباح صافية تصل إلى سبعة آلاف جنيه، فمش منطقي يزرع بدائله درة تديله ربح ألف جنيه بس".

يبرز ما يقوله فهيم من خلال مقال نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية وعلوم الأراضي بجامعة القاهرة، والذي يحاول فيه الاشتباك مع قرار وزارة الزراعة وزارة الزراعة إدخال زراعة محصول الكينوا كبديل للقمح، إذ يوضح مقاله الاختلافات بين القمع والكينوا، والعقبات التي قد تواجه الوزارة في تسويقه وإقناع المستهلكين به، أهمها عدم احتواء حبوب الكينوا على الجلوتين المهم في صناعة المخبوزات.

فهيم يوضّح أهمية أن تعمل الوزارات المسؤولة عن التصدّي لأزمة التغيّرات المناخية على تفاصيل فنيّة كزيادة الإنتاج الرأسي للمحاصيل، أي زيادة إنتاج الفدّان الواحد من أي محصول، وتعظيم إنتاج المحاصيل التي يمكن تصديرها، ما يزيد رصيد البلاد من النقد الأجنبي، وهو ما سيفيد في النهاية، بحسب فهيم، في بحوث تطوير أصناف محاصيل تستهلك كميات أقل من المياه وتتحمّل التغيّرات المناخية "أنا لا أرى إجراءات من وزارة الزراعة لمواجهة مشكلة التغيّرات المناخية سوى تقليل المساحات المزروعة بالمحاصيل الشرهة بالمياه".

هواجس "ساعة الصّفر"

لا تدور وزارة الزراعة وحدها في فلك إجراءات تقليل المياه، فمتابعة أخبار الجهاز التنفيذي للدولة منذ بداية العام توضّح اهتمامه بالمسألة، دون الإشارة الواضحة لارتباط تلك الإجراءات بتعثّر مفاوضات سد النّهضة، والتركيز على أهمية ترشيد المواطنين لاستهلاكهم للمياه، قضيّة ذكرت على لسان الرئيس نفسه أثناء افتتاحه المرحلة الأولى لمشروع الـ100 ألف صوبة الزراعية بمنطقة الحمام بمحافظة مرسى مطروح.

هناك أيضًا الحديث الإعلامي المتكرر على لسان أكثر من مذيع عن اقتراب مصر من ساعة صفر كيب تاون، العاصمة الجنوب أفريقية التي صارت تعاني آثار الشحّ المائي بوضوح، إضافة إلى اهتمام عدد من المؤسسات المحسوبة على الدولة المصرية، منها مؤسسة الأزهر بحملات ترشيد استهلاك المياه، وهو الدور الذي تناوله تقرير لموقع المونيتور والذي تحدّث فيه المحلل السياسيّ أحمد غانم عن أن مطالبة المواطنين بترشيد استهلاك المياه هو تغطية لما أسماه بفشل النظام المصري في إيجاد حلٍ لأزمة تشغيل سدّ النهضة وتأثر حصّة مصر من نهر النيل بها، على حد قوله.

من وجهة نظر جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، فإن مصر تعاني في الأصل من مشكلة في المياه سببها تأثر البلاد بالتغيّرات المناخية والحصّة المحدودة من مياه نهر النيل مقارنة بالاحتياجات، إلا أن بروز مشكلة سد النّهضة يجعل الاختيارات أمام الدولة قليلة، ما يدفعها إلى قرارات وسياسات هدفها الأول تقليل المياه المستهلكة في أنشطة كالزراعة، خاصة مع محصول شره للمياه، كالأرز.

يقول صيام "التوقّعات الخاصة بمصر فيما يتعلّق بالتغيّرات المناخية تتضمّن انخفاض إنتاجية المحاصيل من 7% إلى 20%، خاصة المحاصيل الشتويّة، وانخفاض كميات الأمطار الهاطلة على الحبشة سيؤدي إلى انخفاض حصّتنا من مياه النيل، هذا إضافة إلى احتمالية غرق أجزاء من الدلتا في المستقبل البعيد".

يتّفق صيام مع الإجراءات التي طرحها فهيم كوسيلة مثلى لمواجهة التغيرات المناخية، لكن الطريقة المثلى تواجه عقبة الوقت، في ظل وجود أزمة سد النّهضة "من غير وجود الأزمة ديه اختياراتنا كانت هتبقى أوسع"، لكن يتوقّع أن التعامل مع الأزمة بهذه الطريقة سيؤدي في النهاية إلى تحوّل مصر إلى دولة مستوردة، حتى مع المحاصيل التي كانت مصر تصل إلى الاكتفاء الذاتي منها.

يقول صيام "الفدّان الزراعي يستهلك في المتوسط 7 آلاف متر مكعّب في السنة، لو سد النهضة هيتلمي على 3 سنوات، سنفقد من حصّتنا المائية 15 مليار مكعّب ، ما سينتج عنه تعرّض مليوني فدّان زراعي للبوار من أصل 8 مليون فدّان، وهو ما يعادل ربع إنتاج مصر الزراعي"، يضيف "هناك 40 مليون شخص يعملون في القطاع الزراعي وهذا الأثر سيطولهم أيضًا".

انتقد صيام التركيز على تقليل مساحات محصول مهم كالأرز دون النظر إلى أنشطة أخرى تستهلك من حصتنا من المياه، كالتوسع الأفقي في الصحراء، في الوقت الذي يستهلك فيه الفدّان الصحراوي أضعاف المياه الذي يستهلكه الفدّان في دلتا مصر، وهو ما انتقده أيضًا محمد نصر علاّم، أستاذ الري بجامعة القاهرة ووزير الريّ الأسبق.

يقول علاّم إن التوسع في المساحات المستصلحة على أطراف محافظات الصعيد؛ بني سويف، المنيا، أسيوط وسوهاج هو واحد من الأنشطة التي تستهلك مياه تحتاجها المحافظات "تكلفة إيصال مياه محلّاه لهذه المحافظات كبيرة، لذا كان من الأفضل توفير هذه الكميات للشرب"، يضيف "هناك أيضًا استهلاك المدن الجديدة لمياه الآبار الجوفيّة في ري ملاعب الجولف وحمامات السباحة، المفروض الحكومة تحط عددات على الآبار ديه وتتحكم في توزيع المياه، لو لتر المية للناس كلها بعشرين قرش، اللتر هناك يبقى بعشرين جنيه".

يرى علاّم أن هذه الإجراءات، فضلاً عن كونها جانبًا مهمًا لتوفير المياه الذي تسعى إليه الدولة، ويرة علاّم أهميته، فهو جزء من العدالة الاجتماعية والمساواة في فرض إجراءات على الأغنياء والفقراء بخصوص استهلاك المياه "الميّة مش مش مكفيّة، لما يبقى في سد نهضة الحالة هتبقى أصعب، فنحاول نجهّز نفسنا".

لايبتعد فهيم في توقّعاته لمصير الـ 1500 فدّان الذيم سيتم زراعتهم بالأرز حول المصارف الزراعية في الشرقية عمّا قاله المهندس الزّهيري للمنصّة، يقول فهيم إن ما نحن أمامه هو أحد الآثار المباشرة لاهتمام وزارتي الزراعة والريّ بتقليل استهلاك المياه في الأنشطة الزراعية المختلفة دون دراسة آثار هذا القرار، مؤكدًا أن أثرًا واضحًا لقرار الزراعة، كالتوجّه ناحية الزراعية بمياه المصارف الزراعية، هو أحد الآثار التي ربما تكلّف مصر ما هو أكبر بكثير من المياه التي ستوفّرها جرّاء تنفيذها قراراتها.