صورة أرشيفية
فريق قرار إزالة

دور ملعوب يتوّج رحلة "قرار إزالة"

منشور الثلاثاء 22 مايو 2018

 

كان للثورة عدة نتاجات فنية خاصة في موسيقى الأندرجراوند التي خرجت لتعبر عن التمرد أو حاملة لأفكار وأهداف الثورة ومعبرة عنها. وكانت من تلك النتاجات الفرقة السكندرية قرار إزالة التي ظهرت فى أواخر عام 2012 بأغنيتها الأولى بتسألوا على إيه، من كلمات عمرو إسماعيل وألحان مُغنِّى الفرقة ياسين محجوب.

 ظهرت الأغنية حاملة معاني التمرد على الحياة التي يعيشها المصريون في ظل الحكم السلطوي، ووثقت فى كلماتها بعض الأحداث التي كانت على السطح -وقتها- خلال الثورة.

اقرأ أيضًا: يا عيش وملح وماء.. أين راحت أغانيات الثورة؟

تبدأ الأغنية بتسجيل صوتي لأم باكية خلال مداخلة في برنامج تلفزيوني، أثارت فيها أسئلة تتعلق بمعاناه الأجيال الشابة ومن صوتها الباكي انطلقت الأغنية الأولى مؤسسة لخط الفريق الموسيقي المرتبط بالروك، للتعبير عن الثورية والغضب الموجه ضد الأفكار وأنظمة الحكم السياسية والمجتمعية الرجعية على السواء. متخذين من اسمهم "قرار إزالة" خطًا فكريًا موجها لمقاومة وإزاحة كل ما يرفضونه في أغانيهم. 

مرحلة التكوين 

تكونت الفرقة في بدايتها من المؤسس والمغني ياسين محجوب ودرامز محمد عبد الرازق وجيتار أساسي (ليد جيتار) محمود المليجي وأكويستيك جيتار محمد عبد الحميد، وباص جيتار محمد أسامة وكيبورد مصطفى رمضان.

 كانوا جميعهم من الأسكندرية حيث تجمعوا وأنشأوا الفريق هناك في أكتوبر 2012 لتخرج أولى أغنياتهم للنور. لكن ياسين محجوب كان يسعى لتشكيل فريق غنائي من قبل ذلك.

التشكيل الأول لفريق قرار إزالة original line up

يحكي محجوب لـ"المنصة" عن بداية الفكرة ومحاولات تشكيل الفريق في عام 2010، "كان أغلب الموسيقيين معندهمش قناعة كبيرة بالمحتوى [الراغب في تقديمه] أو كان عندهم أشغالهم الخاصه وحياتهم، أو حتي فِرَقهم فمن 2010 لحد أول ظهور لينا في أكتوبر 2012 جرب معانا حوالي من 30 لـ40 موسيقي. والفريق نفسه مر بمراحل كتيرة قبل الظهور لدرجة إن أحيانا كان بيبقي الطموح إن يارب نلعب بروفة فيها ناس كاملة، أو حتى يارب نلعب بروفة فيها ناس أصلا.. لحد ما استقرينا علي الشكل الأول للفريق".

أكد محجوب ما للثورة من أثر على تشكيل الفريق وظهوره وموسيقاه "الثورة بالقطع كانت دافع كبير لأي شاب عاش أحداثها إنه يشتغل وإنه يحس بقيمة صوته ودوره في المجتمع، وإن في أمل في المطلق وفبكرة. وإحنا كموسيقين كمان الثورة ادتنا دافع كبير إننا نعبر عن نفسنا وجيلنا، وكان في طاقة كبيرة إننا نلحَّن ونكتب ونغني بكل روحنا. وأنتجنا وقتها بصحبة شعرا كتير منهم عمرو اسماعيل، محمود صابر، وهشام جواد وعبد الرحمن مندور. [أنتجنا] أغنيات كتيرة منها اللي نزل بالفعل ومنها اللي ماحدش سمعه ليومنا ده".

 كان ذلك الوقت هو أوج ميلاد الفرق المستقلة، خاصة في الأسكندرية التي خرجت منها عدة فرق مميزة، واستضافت العاصمة الثانية العديد من الورش الموسيقية التي ساعدت على نشأة تلك الفرق ومساعدة بعضها البعض، كما شارك ياسين محجوب فى برنامج المسابقات الغنائية صوت الحياة وكان من النادر أن يشارك متسابق بأغنية خاصة به لكنه فعلها.

 

ثم جاءت مسابقة ريد بول جام في أكتوبر 2012 لتظهر الفرقة أمام الجمهور بأولى أغانيها. يتذكر محجوب في حديثه للمنصة تلك الفترة "كنت مسجل بشكل فردي أغنيه بتسألوا علي إيه في نص (منتصف) 2011 مع الموزع محمد زكريا. لكن مكانش التراك اترفع [على الإنترنت]، ووقتها أخدنا قرار إننا نرفع التراك باسم الفريق علشان نلحق المسابقة اللي كان فاضلها 4 أو 5 أيام وتقفل، وبتاخد يوم أو يومين للرد عليك إذا كنت اتقبلت. التراك فعلا اترفع ورد الفعل كان عظيم من الناس وقتها، والدعم الكبير اللي خلانا في 3 أيام في المركز الأول علي 145 فريق من الوطن العربي، منهم فرق كبيرة ليهم اسم محترم.. وده ادانا طبعًا دَفْعَة كبيرة، وكمان ثبِّت رِجْل الموسيقين اللي معانا إنهم بيعملوا حاجه ليها مردود كويس".

اقرأ أيضًا: فرق "الأندرجراوند".. الخروج من الهامش والعودة إليه

ثم جاءت أولى حفلاتهم في النادي الأوليمبي بالأسكندرية بمشاركة فرق أخرى على رأسها مسار إجباري، ثم حفل ريد بول جام بالغردقة في نوفمبر 2012. وفي يناير 2013 كانت أول حفلة لهم فى القاهرة في كلية الطب بجامعة القاهرة.

قرار الإزالة الأول

نجحت الأغنية  الأولى لهم " بتسألوا على إيه" في عمل صدى جيد وقتها لتزامنها مع المناخ السياسي السائد (صدرت خلال ذكرى محمد محمود الأولى)، فقاموا بعدها مباشرة بإصدار أغنيتين أخريين من كلمات محمود صابر، الأولى هى "قرار إزالة" التي حملت اسم الفريق وعبرت عن أهدافه وأسباب اختيار أعضاؤه لهذا الاسم، والثانية "أنا الكافر"، وهي أنجح أغنياتهم وأوسعها انتشارًا. عبرت الأغنية عن رفض الشباب للأنظمة والتشريعات الباحثة عن مصلحة فئات وشرائح ضيقة من المجتمع دون اعتبار للمواطنين. 

صدرت الأغنية بالتزامن مع ذكرى محمد محمود الأولى، والتي تكرر فيها قتل المتظاهرين على يد عناصر وضباط وزارة الداخلية في نفس توقيت ومكان الاعتداءات الأولى التي جرت في 19 نوفمبر 2011.

أهدى الفريق أغنيته لجابر جيكا ضحية رصاص الشرطة وقت تعاونها مع جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة - وقتها-.  كتب محمود صابر كلماته تعبيرًا عن غضبه وتوثيقًا للحدث. ومست الأغنية المتظاهرين والمؤمنين بالثورة وانتشرت على المنتديات ويوتيوب وساوند كلاود، إذ أعاد الكثيرون مشاركتها بعنوان أنا الكافر إهداء لجابر صلاح.

فى نفس الفترة، نوفمبر 2012، أصدر قرار إزالة ميني ألبوم بعنوان أنا الكافر، الأغنية الأشهر، احتوى على الأغنيتين الأوليين بالإضافة لأغنية بعنوان "أول امبارح". أظهرت التجربة ما لدى الفرقة من مقدمات جيدة لفرقة تتخذ الروك سبيلاً للتعبير عن رواياتها الثورية، وعن مقصدهم في التعبير عن الثورة وتوثيق أحداثها.

إثبات الوجود

واجه الفريق -كغيره من الفرق المستقلة- صعوبات عديدة من بينها مشكلات مادية، إلى جانب التغير شبه الدائم في أعضاء الفريق، ما تسبب في قلة الحفلات وظهورهم بعد فترات انقطاع طويلة. وعكس صورة عدم الاستقرار الذي يعاني منه الفريق نتيجة التبدل الدائم في أعضائه.

 لكن طموح وإصرار ياسين محجوب جعل الفريق يستمر، يفسر محجوب لـ"المنصة" التبدل المتكرر في أسماء أعضاء الفريق بما يسميه "الحالة الإنتاجية"، قائلاً "أكتر فترات الفريق استقرارًا هي فتره وجود داعم لينا واللي كان متمثل في شركة وقتها بيرأسها أستاذ فرج عبد القادر ..طول فترة رعايته للفريق كان الموضوع مستقر... لحد ما الشركة صفِّت شغلها في مصر وسافرت. وده برضه من الحاجات اللي وعكتنا حبتين بعدها.."

هذه الأزمة ليست قاصرة على قرار إزالة، فبحسب تأكيدات ياسين، تعاني الكثير من الفرق من المشكلة ذاتها "باختصار عدم وجود دعم مالي للفرق بيخليها علي المدي البعيد يحصلها دروبّات لأن دايمًا الماديات هتساعد في تطوير الفريق وزيادة إنتاجه وتوسيع قاعدة انتشاره واستقرار أعضائه، تحديدًا مع تزايد حجم الالتزامات لينا كشباب بيتبدي حياته، وصعوبة الحياة هنا مع ضغط الأهالي والمجتمع اللي بيخلي موسيقيين كتير يشتغلوا حاجات ياما ويسيبوا الموسيقي من الأساس".

اقرأ أيضًا: الشارع بيتنا وغنوتنا.. والشارع أعظمها مغنِّي

واجه محجوب تلك التحديات حتى استطاع تكوين الفريق الذي قام بتسجيل ألبومهم الأول "دور ملعوب" الصادر في منتصف أكتوبر الماضي. 

استغرق الفريق ثلاث سنوات لتحضير هذا الألبوم، وأتاحه للسماع المجاني بعد ثلاثة أشهر فقط من صدوره.

دور ملعوب

ياسين محجوب صاحب دور مهم داخل الفريق. فهو المؤسس له، وهو الثابت بين الأسماء المتغيرة التي لعبت موسيقى الفريق. ودوره المحوري، لا يرجع فقط لكونه المؤسس والمغني الرئيس؛ بل ولكونه من يقوم بتلحين كل الأغنيات والمقطوعات الموسيقية، وبالطبع هو من يختار الكلمات التى سيؤديها. وعلى جانب الغناء يتميز ياسين بصوت جميل يصلح للغناء الشرقي، لكنه يفضل اتباع ميله الشخصي لغناء الروك.

لأجل ألبومهم الطويل الأول، تعاون الفريق مع شعراء من مدينتهم، الأسكندرية. أبرزهم الشاعر محمد السيد الذي كتب لعدة فرق ومغنيين ممن ينتموا للمشهد الموسيقي المستقل كمسار إجباري وحمزة نمرة ومحمد محسن.

اقرأ أيضًا: حمزة نمرة.. العزف على أوتار الاختلاف 

وفي هذا الألبوم كتب السيد أغنيتين هما "ميكروسكوب" و"شريط بيسف"  التي جاء من أحد أبياتها عنوان الألبوم "دور ملعوب". فيما كان الأكثر مشاركة هو الشاعر هشام جواد الذي كتب 4 أغنيات في الألبوم هي "مراية حياتك" و"مش مشكلتي" و"امشي في سكات" و"صلصال". وشارك كل من أحمد الجميلي وعبد الرحمن مندور بأغنية واحدة وهما على الترتيب "حاجات بتعيش" و"عجبي".

يختار محجوب الكلمات من قصائد شعرية يقرأها منشورة على الإنترنت، أو يختار من مجموعة معروضة عليه، وعادة لا يغني محجوب الكلمات المكتوبة كما يجدها وإنما يعقد مع شاعرها ما يشبه الورشة لتعديل كلمات القصيدة حتى تصبح ملائمة لألحان وصوت مغني الفريق. 

الفريق الموسيقي الذي عزف أغاني الألبوم هم درامز محمد عبد الرازق ومحمد علام، وعلى الليد جيتار بلال نواصرة ومصطفى ضيف، وباص جيتار عمر عادل وكيبورد ووتريات أحمد حمدي وبالطبع الغناء لياسين محجوب. ومن الملاحظ هنا أنه لم يوجد من الفريق القديم سوي محجوب وعبد الرازق -الدرامر- بينما تغيّر بقية الأعضاء.

ظهرت سمة عامة في أغنيات الألبوم، فهي أطول من الأغنيات المعتادة للفريق ولغيره من الفرق المستقلة الحديثة، فالأغنية تصل إلى ست أو سبع دقائق، بمقدمات موسيقية طويلة تسبق غناء الكلمات الشعرية المختارة.

أما اﻷشعار والألحان فلا تعتمد على الكوبري bridge، وهو مقطع أو جملة تتكرر كفاصل مميز للأغنية، بل قُدِّمَت الألحان كلمات الأغاني كوحدات شعرية متراصة مترابطة، ما يُصعِّب من حفظ أغاني الألبوم، ولهذا ناسبها موسيقى البروجرسيف روك والصولوهات الفاصلة الطويلة.

يدور فلك الأغنيات في معاناة الفرد مع الحياة، فأحيانًا يظهر مستسلمًا لها ويعيشها كما هي دون مقاومة أو محاولة للتغيير فتكون الحياة كـ"شريط بيسف"  في تكرارها ودوامتها المضللة، لكنه يحاول أن يراها من خلال "ميكروسكوب" و"مراية حياته" ليصل أحيانًا إلى اليأس. لكنه لا يستسلم ويحاول البحث عن ما يحتاج إلى إزالة ويذكّر نفسه أن هناك "حاجات بتعيش" ليحاول التمسك بها ولا يستسلم حتى لو اضطر أن "يمشي في سكات"، ويزيد تحدي النفس في أغنية "صلصال" ليؤكد طريقه حتى لو كان يمشى عكس الدنيا والناس.

 

 

قرار الثبات 

حين حضرت حفلة للفريق في القاهرة منذ فترة قصيرة في معهد جوتة، وجدت أعضاء الفريق مختلفين عمّن سجلوا الألبوم، عدا الدرامر محمد علام والمغني ياسين محجوب. بينما كان المشاركين في الحفل كأعضاء للفريق الأساسي هم علي طلعت جيتار، ومحمد محيي باص جيتار، وجو الصياد كيبورد. ووجدت هذه الأسماء على الصفحة الرسمية للفريق على فيسبوك.

ما يعني أن هذا هو التشكيل الأحدث للفريق. لكن؛ كان هناك فارق في جودة لعب الأغنيات فبدت أقل من الألبوم، ربما لأنهم أعضاء جدد ولم يشاركوا في صناعة الألبوم ولم يتدربوا بشكل كافِ على لعب الأغاني. لكن المشكلة الأكبر أنهم كان ينقصهم "الهارموني"، هذا يلفت إلى ضرورة الوحدة والثبات بين أعضاء الفريق الذي يفرز مع الوقت قدرة على فهم كل منهم لأسلوب وقدرات الآخرين في العزف وبالتالي يؤثر بشكل إيجابي على المنتج الموسيقي النهائي خاصة في الحفلات والعروض الحية.

وهو ما يتفق معه محجوب في قوله "بالطبع تأثير تغير الموسيقيين كبير ومتعب جدًا. خصوصا أن كل موسيقي له بصمة خاصة. وكمان كل حد جديد بيجي بياخد وقت ومجهود كبير منه ومن الناس القديمه في الحفظ، وكمان إنه يخش في كميا وروح الفريق". وكشف ياسين عن مشكلة أخرى تواجه الفريق تتمثل في كون بعض أعضائه الجدد من القاهرة، ما يدفعه وزميله السكندري علام للحضور للقاهرة أسبوعيًا من أجل البروفات.

 

من حفلة جوته بالقاهرة

ندرك ويدرك قرار إزالة الآن أن على أعضائه الاستمرار في محاولات الظهور في المزيد من الحفلات التي تشكل عماد انتشار فرق الأندرجراوند، وبفريق ثابت لأن وحدتهم كفريق ستفتح لهم متسعًا أكبر في التلحين واختيار الأغنيات وربما للتنوع الموسيقي، خاصة مع أهداف الفريق المتعلقة بالتجريب في أنواع موسيقية مختلفة خلال الفترة القادمة.