صورة من فيلم المصفوفة- وفيه يواجه تقنيون مقاتلون روبوتات برمجية تخلق عالمًا وهميًا للسيطرة على البشر 

قانون الجريمة الإلكترونية.. التورنت يحملك إلى طرة

منشور الخميس 4 فبراير 2016

القانون مكون من 35 مادة، بزيادة سبع مواد عن مثيله الذي قدمته وزارة العدل في إبريل/ نيسان الماضي لرئاسة الجمهورية، وحظى بانتقادات واسعة من خبراء التقنية والمعلومات ومنظمات المجتمع المدني؛ لكونه ينتهك عددًا من الحقوق الأساسية للمواطنين.

بعد يوم واحد من قرار القضاء السعودي بتخفيف الحكم الصادر ضد الشاعر الفلسطيني أشرف فياض من الإعدام بتهمة الكفر، إلى السجن 8 سنوات، والجلد بتهمة انتهاك القانون السعودي لمكافحة الجريمة الإلكترونية، اجتمعت لجنة الإصلاح التشريعي التابعة لرئاسة الجمهورية في مصر في الثالث من فبراير/ شباط الجاري؛ كي تقر نص مشروع مقدم من وزارة الدفاع تحت ذات المسمى: "مكافحة الجريمة الإلكترونية".

وبحسب التقارير الإعلامية المنقولة عن لجنة الإصلاح التشريعي، التي شكلها الرئيس عبد الفتاح السيسي عقب أيام من توليه الحكم في 2014، فإن القانون مكون من 35 مادة، بزيادة سبع مواد عن مثيله الذي قدمته وزارة العدل في إبريل/ نيسان الماضي لرئاسة الجمهورية، وحظى بانتقادات واسعة من خبراء التقنية والمعلومات ومنظمات المجتمع المدني؛ لكونه ينتهك عددًا من الحقوق الأساسية للمواطنين، ويضع من تُرتَكَب بحقهم الجرائم موضع الاتهام والعقوبة؛ بتحميلهم المسؤولية عن الجرائم الواقعة في حقهم، تحت دعوى الإهمال.

ويأتي القانونان المصري والسعودي وسواهما من قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية العربية استجابة لأحد بنود الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات، التي وقعت عليها الدول أعضاء جامعة الدول العربية في ديسمبر/ كانون الأول  2010، ومن بينهم مصر. وعقب توقيعها؛ تولدت عنها القوانين التي أدت لسجن العديد من النشطاء والكتاب السعودين والقطريين تحت ذرائع مختلفة. وينتظر أن تجد نصوص هذه الاتفاقية طريقها أيضًا إلى القانون الذي تقدمت به وزارة الدفاع في مصر، والذي سيحال للبرلمان لإقراره قريبًا.

                             

المدون والناشط السعودي رائف بدوي مسجون بموجب قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية السعودي

كما أدت هذه الاتفاقية كذلك لميلاد قوانين عديدة لمكافحة ما يسمى بالجرائم الإلكترونية في الأردن وقطر والإمارات والعراق وسلطنة عمان. وصارت الاتفاقية سارية بتصديق الرئيس عبدالفتاح السيسي عليها العام الماضي ليكتمل نصاب الدول السبع المطلوبة لسريانها.

لم تتح وزارة الدفاع ولا لجنة الإصلاح التشريعي نصًا كاملاً لمشروع القانون، على عكس ما اعتادت عليه حكومات ما قبل 30 يونيو/حزيران، التي كانت تستجيب أحيانًا لضغوط المجتمع المدني؛ الرامية لطرح القوانين للنقاش المجتمعي قبل إقرارها.  وبحسب ما نشرته صحيفة الأهرام فإن لجنة الإصلاح التشريعي التابعة لرئاسة الجمهورية؛ استمعت لملاحظات وزارات الداخلية والاتصالات والمخابرات العامة والرقابة الإدارية، ولم يجر استدعاء خبراء مستقلين لتقنية المعلومات أو منظمات المجتمع المدني المعنية، أو المجلس القومي لحقوق الإنسان لحضور مناقشة مشروع القانون أو تقديم الاقتراحات.

 ونشرت صحيفة المصري اليوم ومعها صحيفتي الشروق والأهرام مقتطفات من مشروع القانون الجديد، ركز فيها المتحدثون الذين قبلوا التصريح للصحف، على المواد التي ستعاقب على اختراق المواقع الحكومية والخاصة، أو الحسابات والبريد الإلكتروني الخاص للأفراد والكيانات الاعتبارية دون إذن من السلطات. كما ستعاقب على استخدام معلومات البطاقات البنكية للآخرين؛ لشراء السلع عبر الإنترنت "السرقة الإلكترونية". بالإضافة إلى تجريم الدخول "بدون وجه حق" إلى موقع إلكتروني و"إساءة استخدام الدخول من حيث المدة والصلاحيات". كما جرم القانون الدخول بطريق الخطأ والحصول على بيانات من المواقع الإلكترونية الحكومية، وهو ما يتنافى مع القاعدة القانونية القائلة بضرورة توافر القصد كركن من أركان الجريمة.

                               

وتتشابه هذه المواد المنشورة مع مشروع أقدم، لقانون يحمل الاسم نفسه؛ أعدته وزارة العدل، وتقدم به مجلس الوزراء إلى رئاسة الجمهورية في إبريل/ نيسان 2015.  وحظي بالمناقشة المجتمعية من خلال مبادرات من بعض منظمات المجتمع المدني، التي جمعت بين مسؤولين بالدولة وخبراء مستقلين في تقنية المعلومات وحقوق مستخدمي شبكات الاتصالات؛ لمناقشة مواد مشروع القانون الذي تكون من 28 مادة فقط، نشرتها بعض الصحف بالكامل. بينما يتكون المشروع المقدم من وزارة الدفاع من 35 مادة معظمها غير معلن. ولم يتضمن القانون الأقدم بحسب دوره المنشور أي نص يتعلق بدور الإدارة العامة لمكافحة جرائم الإنترنت، التي أنشأتها وزارة الداخلية عام 2002. كما لم يتعرض للمواد المتعلقة بالجرائم المتصلة بالإنترنت التي نص عليها قانون الإرهاب (اللاحق عليه) ولا قانون العقوبات.

ولغموض المشروع المقدم من وزارة الدفاع، لجأت المنصة لنص الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات، والمشروع الأقد م الذي أعدته وزارة العدل، إلى جانب نصوص القوانين العربية المتاحة التي تولدت عن الاتفاقية العربية؛ للتعرف على ملامح القانون المنتظر أن يحكم التعامل مع شبكة الإنترنت في مصر، إلى جوار قانون الاتصالات الجديد المنتظر عرضه على البرلمان خلال أسبوع، والذي لم تعلن مواده حتى اللحظة.

اتفاقية وزراء الداخلية والعدل

بحسب نص الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات؛ فإن الاتفاقية التي وقع عليها وزراء الداخلية والعدل العرب قبل أيام من اندلاع ثورات الربيع العربي، تهدف لتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء ضد جرائم تقنية المعلومات، التي تهدد أمنها وسلامة مجتمعاتها. وتهدف كذلك للأخذ "بالمبادئ الدينية والأخلاقية السامية، لاسيما أحكام الشريعة الإسلامية وكذلك بالتراث الإنساني للأمة العربية التي تنبذ كل أشكال الجرائم".

 وتعرف الاتفاقية تقنية المعلومات بأنها: "أية وسيلة مادية أو معنوية أو مجموعة وسائل مترابطة أو غير مترابطة تستعمل لتخزين المعلومات وترتيبها وتنظيمها واسترجاعها وتطويرها ومعالجتها وتبادلها وفقاً للأوامر والتعليمات المخزنة بها ويشمل ذلك جميع المدخلات والمخرجات المرتبطة بها سلكياً أو لاسلكياً في نظام أو شبكة"، وهو ذات التعريف الذي تبناه المشرع المصري في نص مشروع القانون الذي قدمته وزارة العدل في إبريل/نيسان من العام الماضي.

تتكون الاتفاقية من 43 مادة، منها 21 مادة في باب التجريم، وثمان مواد إجرائية تتعلق بحقوق السلطات جمع المعلومات وتتبع المستخدمين، وضبط المواد المخزنة على الحواسيب الشخصية والأجهزة التقنية والخدمية (السيرفرات) للأفراد والكيانات. ويتضمن الفصل الرابع المكون من 14 مادة تنظيم التعاون بين الدول الأعضاء في تبادل معلومات المستخدمين، وإتمام الإجراءات القضائية والقانونية في التحقيق والاحتجاز.

وتطالب مواد الفصل الثاني من الاتفاقية الدول الموقعة عليها؛ بأن تقوم بإصدار قوانين تجرم عدد من الأفعال ومنها: "الدخول غير المشروع والاستمرار فيه مع كل أو جزء من تقنية المعلومات". وهو ما فسره المشرع المصري في تجريمه للدخول غير المصرح به لموقع إلكتروني، والاستمرار في الاتصال به لمدة غير مصرح بها.

                                

من الجرائم الشائعة سرقة معلومات البطاقات الإلكترونية واستخدامها للشراء عبر الإنترنت

 كما تطالب الاتفاقية بتجريم حيازة برامج أو تقنيات "بنيِّة ارتكاب أي جريمة من الجرائم المبينة". وتجرم ما تراه اعتداءً على حقوق الملكية الفكرية، وحقوق المؤلف، إذا ارتكب الفعل عن قصد ولغير الاستخدام الشخصي، وهو ما يضع 59 % من مستخدمي الإنترنت العرب تحت طائلة القانون، بحسب إحصائية نشرتها شركة جو- جلف Go-Gulf لتكنولوجيا المعلومات، حول استخدامات الإنترنت في القرصنة وتحديدا فيما يتعلق ببرامج تبادل الملفات ومنها التورنت وملفات P-2-P، التي تفيد أغلب مستخدمي الإنترنت في الحصول على المواد الفنية والتعليمية، المحمية بموجب قوانين الحماية الفكرية كالأفلام والموسيقى والكتب، التي قد تكون ممنوعة لأسباب سياسية أو غيرها في بعض الدول، وخاصة دول العالم العربي التي تشهد رقابة نشطة على المطبوعات والسينما والمحتوى الفني والإبداعي. مما جعل ملفات التورنت ومثيلاتها من تقنيات تبادل الملفات؛ مدخلاً لدى أغلب مستخدمي الإنترنت العرب للوصول للمحتوى الفني والمعرفي الذي تمنعه عنهم سلطات بلادهم.

 وبموجب القوانين الجديدة المنبثقة عن الاتفاقية، يعد استخدام هذه الملفات وحيازتها جريمة يعاقب عليها القانون. وملفات التورنت هي ملفات برمجية خفيفة، تسمح لمستخدمي الإنترنت بتبادل الملفات الخاصة بالأفلام والكتب والموسيقى، من خلال خوادم تربط بين أجهزتهم على شبكة الإنترنت. كما جرمت الاتفاقية "الاستخدام غير القانوني لأدوات الدفع الإلكتروني"، والإباحية وإثارة النعرات العرقية والطائفية وغيرها.

مصطلحات فضفاضة

علقت مؤسسة حرية الفكر والتعبير على نص الاتفاقية بكونها تستخدم مصطلحات فضفاضة فيما يتعلق بالتجريم وجمع بيانات مستخدمي الاتصالات، وكذلك في المبادئ العامة التي استندت إليها. مما يجعل موادها "تؤثر سلبًا على حزمة من الحقوق والحريات المتصلة بالحق في التعبير والحق في الخصوصية" بحسب تعليق المؤسسة. وعلقت "حرية الفكر والتعبير" بالتفصيل على بعض المواد التي ارتأت كونها "فضفاضة"، و"لا تراعي تطورات واقع تكنولوجيا المعلومات". حيث تجرم الاتفاقية استيراد أو شراء أو حيازة البرمجيات التي يمكنها فتح كلمات السر، أو الولوج للمواقع غير المصرح بدخولها. وهو ما يتصل بالبرمجيات التي تختبر تأمين المواقع وكشف الثغرات الأمنية للأنظمة وشبكات الاتصالات والتقنيات، مما يضع التقنيون المختصون في تأمين الشبكات والانظمة تحت طائلة القانون.

ويتضمن مشروع القانون الجديد المقدم من وزارة الدفاع؛ موادًا تتعلق بحق الدولة في "حجب المواقع المهددة للأمن القومي"، أو المواقع الحاوية لمحتوى "إباحي"، دون تعريف لماهية الأمن القومي، وما هي التهديدات التي ترخص للدولة حجب المواقع الإلكترونية، وما هي المواد التي يمكن اعتبارها إباحية، أو تمس الأمن القومي للدولة. مما يوسع من سلطات الدول في حجب المواقع التي تراها حكوماتها "مؤلبة" للرأي العام ضدها، أو تكشف وقائع لا تريد لها تلك الحكومات أن تخرج للرأي العام.

 وضرب تقرير المؤسسة مثالاَ بوقائع قضيتين نظرهما القضاء المصري لمنع ومصادرة أعمال فنية بدعوى احتوائها على مواد إباحية؛ صدر الحكمان المتعارضان تمامًا في نفس العام 2010، إحدى القضيتين كانت لطلب مصادرة طبعة الهيئة العامة للكتاب من "ألف ليلة وليلة"، والثانية كانت لطلب مصادرة رواية مترو المصورة، بدعوى احتوائها على رسوم إباحية. في الواقعة الأولى انتصرت المحكمة للحق في المعرفة وحرية الإبداع والتعبير وحكمت برفض الدعوى. بينما في الواقعة الثانية انتصرت المحكمة للتجريم والمصادرة. وفي الحالتين استندت المحكمتان لنفس المواد القانونية، ولكنهما استندا كذلك لتعريفهما الخاص لما هو إباحي.

                                           

غلاف كتاب جدران الحرية الذي منعته السلطات المصرية لاتصاله بثورة 25 يناير

 

وبالمثل؛ استخدمت الاتفاقية العربية التي يستند إليها المشرع المصري في صياغة قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، مصطلحات مثل: "مصالح الدولة العليا"، و"الجرائم السياسية"، فيما يتعلق بتحديد الحالات التي تتيح للسلطات تتبع بيانات المواطنين واستخداماتهم لشبكات الاتصالات، ثم تبادل هذه البيانات الخاصة بين الدول الأعضاء في إطار التعاون الأمني. وعلقت مؤسسة حرية الفكر والتعبير على هذه القضية: بأن مصطلحي "الجرائم السياسية، مصالح الدولة العليا" كثيرًا ما استخدما في "سجن وانتهاك خصوصية نشطاء ساعين لإحداث تغييرات اجتماعية وسياسية". وأن غياب التعريف يعطي للسلطات الحق في اعتبار الأنشطة التي لا تخدم مصالح تلك السلطات، هي أنشطة مهددة لمصالح الدولة.

كما انتقدت المؤسسة عدم إلزام الاتفاقية للدول الموقعة عليها بالحفاظ على سرية المعلومات التي تجمعها عن الأفراد، والتي تمثل عناصر خصوصيتهم. واحتواء نصوصها المصاغة على العديد من الثغرات التي يمكن استخدامها للتضييق على حرية تداول المعلومات وحرية الرأي والتعبير والحق في الخصوصية.

وبالعودة إلى المشروع المقدم من وزارة العدل في يونيو/حزيران 2015، والذي تتشابه مواده المنشورة مع المواد المعلن عنها من المشروع الجديد الذي قدمته وزارة الدفاع؛ نجد أن مشروع القانون يحتوي على نفس الصياغات المتضمنة في الاتفاقية تقريبًا، دون تعريف لماهية: "الأفكار المتطرفة" التي تعتزم الدولة مواجهتها على مواقع التواصل الاجتماعي، و"الأمن القومي" الذي يتيح " تهديده" للحكومة؛ أن تلزم مزودي خدمات الاتصالات بحجب المواقع. ومصطلح "تعريض سلامة المجتمع للخطر"، وهي جميعها مفاهيم لم يتضمن القانون أية تعريفات لها. 

كلنا في الرقابة عرب

من الملاحظ أن الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية التي صكت قوانينها الخاصة لمحاربة "الجرائم الإلكترونية" استنادًا لبنود الاتفاقية العربية؛ قد توسعت في وضع مواد جديدة لم تتضمنها الاتفاقية ضمن عناصر التجريم، وبالعودة إلى القانون السعودي؛ نجد السلطات السعودية قد أضافت "المساس بالمعلومات الخاصة بالاقتصاد الوطني" في المادة السابعة، إلى قائمة الجرائم التي يعاقب الاشخاص عليها، دون أي تحديد لكنه هذا المساس وماهية المعلومات الاقتصادية التي يعد البحث عنها والاطلاع عليها ونشرها مساسًا بالاقتصاد الوطني.

                                         

الشاعر الفلسطيني أشرف فياض.

كما توسعت المادة التاسعة من القانون السعودي في إتاحة الحق للسلطات في مصادرة الأجهزة الإلكترونية والأموال وغلق المواقع الإلكترونية التي كانت "مصدرًا لارتكاب هذه الجرائم"، وبالإضافة إلى كون الجرائم المنصوص عليها فضفاضة وغير محددة، يتوسع في معاقبة مزودي الخدمات الإلكترونية ويحملهم مسؤولية مساوية لمسؤولية المستخدمين لشبكاتهم، وهو ما قد يفتح الباب للتجسس على المستخدمين من مزودي الخدمة خشية الوقوع تحت طائلة القانون. ويتشابه هذا مع النصوص المتضمنة في التشريع المصري الجديد الذي يعاقب مزود الخدمة الإلكترونية إذا ما استخدمت بنيته ومواقعه في ارتكاب الجرائم المنصوص عليها باعتباره قد أهمل في تأمين تلك الخدمات. وتجدر الإشارة إلى أن العقوبة التي وقعتها السلطات السعودية على الشاعر الفلسطيني أشرف فياض تتعلق بحيازته لصور فتيات على هاتفه النقال، ولا توجد نصوص في القانون تشير لتخزين اية مواد على الهواتف النقالة أيًا كان نوعها.

 ومن اللافت أن النصوص الفضفاضة نفسها وجدت طريقها للقانون القطري لمكافحة الجرائم الإلكترونية والذي انتقدتها المنظمات الدولية باعتباره ذراع جديد لتقييد حرية التعبير.